روسيا تفلت من شبح أسوأ موجة ركود بدعم زيادة إنتاج النفط
يبدو أن روسيا تمضي في مسار ركود أقل بكثير مما كانت تشير إليه العديد من التوقعات مبدئياً خلال العام الجاري، مدعوماً بارتفاع إنتاج النفط الذي خفف من تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية على حربها في أوكرانيا.
خفض الاقتصاديون في كلٍ من "جيه بي مورجان" (JPMorgan Chase & Co) و"سيتي جروب" (Citigroup Inc) وغيرها من البنوك الكبرى، توقعاتهم لانخفاض الإنتاج هذا العام إلى أقل من 3.5%، مستبعدين المخاوف التي سادت في الأشهر الأولى بعد حرب الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا والتي كانت تنبئ باحتمال حدوث أعمق ركود يشهده جيل.
يستعد المسئولون في موسكو، الذين شهد بعضهم انكماشاً يصل إلى 12%، حالياً لتحسين التوقعات إلى أقل من نصف ذلك.
قال أنطون طباخ، كبير الاقتصاديين في شركة "إكسبيرت آر إيه" (Expert RA) لتقييم الائتمان ومقرها موسكو الملاكم يتحرك حالياً مرة أخرى بعد طرحه أرضاً فقد كانت هناك ضربة قاضية، ولكن تم تعويضها بشكل كبير من خلال أسعار التصدير المريحة، حتى مع الخصومات، وقدرة الميزانية على ضخ الأموال في هذه المشكلة.
التوقعات بتحسّن الأوضاع تعزز ثقة الكرملين في قدرته على تحمل هجمة العقوبات من الولايات المتحدة وحلفائها، حتى في الوقت الذي يواجه فيه القادة في تلك البلدان ضغوطاً متزايدة جرّاء ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وهي الاتجاهات التي فاقمتها الحرب. فالزخم نحو فرض قيود جديدة يواجه معارضة متنامية هناك، في ظل تبقي قدر محدود من الخيارات السياسية المقبولة.
من المؤكد أن الاقتصاد الروسي لا يزال يواجه أكبر انكماش منذ عام 2009 على الأقل وتحذر العديد من التوقعات من أن هذا الركود قد يستمر لفترة أطول من الركود السابق، مع تأثير القيود على التقنيات الرئيسية والمنتجات الأخرى التي تتزايد بمرور الوقت بالفعل، تم إغلاق صناعة السيارات تقريباً، مع انخفاض إنتاج السيارات بنسبة 97% في مايو الماضي، وسط نقص في قطع الغيار ورحيل كبار المنتجين الأجانب.
لكن لم تتحقق بعدُ أسوأ المخاوف في جوانب أخرى من الاقتصاد، حيث حالت التحركات السريعة لتحقيق الاستقرار في العملة خلال الأسابيع الأولى بعد الحرب دون وقوع أزمة مالية، وتبع ذلك تدفق عائدات الصادرات.
أفادت "ستاندرد آند بورز جلوبال" (S&P Global) أمس الثلاثاء بأن الشركات سجّلت أول زيادات واسعة في الإنتاج وفي توقعاتها خلال شهر يونيو.
كتب الاقتصاديون في "جيه بي مورجان" هذا الأسبوع أن روسيا تشهد ركوداً أكثر اعتدالاً بكثير مما كان متوقع عند بدأ الحرب، الأمر الذي خفّض الانكماش المتوقع إلى 3.5% هذا العام، مقارنة بـ7% التي توقعوها في مارس الماضي.
ارتفع الإنتاج الصناعي بـ1.7% في مايو مقارنة بالشهر السابق، وفقاً للبيانات المعدّلة موسمياً الصادرة من مركز التنمية في "المدرسة العليا للاقتصاد" في موسكو.
أشار المركز إلى أن توقف الانكماش في مايو الماضي قد يكون علامة على أن المنتجين تأقلموا في البداية مع صدمة العقوبات ضد روسيا.
كان الدافع الأكبر هو انتعاش إنتاج النفط، الذي كان قد انخفض بعد الغزو لكنه ارتفع بـ7% في يونيو الماضي مقارنة بتلك المستويات المنخفضة بفضل الطلب المحلي والتحوّل إلى مشتري الصادرات في آسيا.
تراجع إنتاج الغاز، وهو محرك اقتصادي رئيسي آخر، لكن الأسعار ارتفعت بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة الإيرادات.
قال إيفجيني كوشيليف، الخبير الاقتصادي في "روسبانك" (Rosbank): "لسنا في مستوى التوتر الذي توقعناه لعام 2022. يجب أن نتوقع اتجاهات أفضل، لأن كلاً من الميزانية والسياسات النقدية تشكل عوامل تحفيزية بشكل عام".
انخفضت مبيعات التجزئة بنحو 10%، ولكن يبدو أن التراجع قد استقر في قطاع يمثل حوالي نصف الاقتصاد.
انتعشت ثقة المستهلكين وظلت البطالة عند مستويات منخفضة قياسية. وقال مكسيم ريشيتنيكوف، وزير الاقتصاد، خلال اجتماع حكومي أمس الثلاثاء إن البيانات من سجلات النقد تظهر أن عمليات الشراء في أواخر يونيو الماضي ارتفعت إلى مستويات ما قبل الحرب، مضيفاً: "لكن من المبكر الحديث عن الاستقرار".
كما أظهرت بيانات الواردات، التي تراجعت بـ40% في أبريل الماضي، بوادر استقرار.
أيضاً عزّزت الحكومة الإنفاق على برامج الرعاية والمشتريات العسكرية، مما منح دفعة اقتصادية إضافية. واتبع البنك المركزي الروسي نهجاً معاكساً لجميع زيادات أسعار الفائدة التي فُرضت منذ الحرب.
قال كليمنس جراف، الخبير الاقتصادي في "جولدمان" (Goldman) في مذكرة بحثية: "تظهر مؤشرات النشاط على أن هناك اتجاهاً صعودياً كبيراً" لتوقعاتنا بشأن الانخفاض بنسبة 7% لهذا العام.
ومع ذلك، تحذر توقعات من حالة عدم يقين كبير بشأن الآفاق. وقد يؤدي فرض قيود أسرع من المتوقع على الطاقة الروسية في أوروبا إلى الإضرار بالعائدات في النصف الثاني، كما يمكن أن يكون لانخفاض الطلب ما يبرره إذا ثبتت المخاوف من حدوث ركود.
قد تعني علامات تشديد المخزونات في روسيا في الأشهر الأخيرة أن آلام العقوبات ستزداد مع نفاد الإمدادات، ويمكن أن تؤدي قوة الروبل إلى قيام المصدّرين بخفض الإنتاج ذلك أن أسعارهم أعلى من الأسواق.
قالت ناتاليا لافروفا، كبيرة الاقتصاديين في "بي سي إس فاينانشال غروب" (BCS Financial Group) في موسكو: "هناك أسباب للتفاؤل." مضيفة: "المخاطر أقل إلى حدّ ما بالنسبة لعام 2022، لكنها انتقلت أيضاً إلى عام 2023 بسبب الحظر على النفط"، وذلك في إشارة منها إلى خطط الاتحاد الأوروبي لتقييد الواردات العام المقبل.