الحكم الدولى - رضا البلتاجى يكتب ..افتكروا كلامى كويس
خليك عارف، وأنت بتفكر تنتحر علشان مجموعك مش كويس، أن رياض السنباطى عملاق الموسيقى ، تخرج من رابعة إبتدائى، وإن الاف من العباقرة في شتى المجالات أنتهى تعليمها عند الابتدائى، وأن النجم العالمى اللاعب محمد صلاح فرحة مصر لم يحصل على مؤهل عالى، روح بقى إنتحر.
للاسف ترتبط الثقافة والإبداع فى أذهان كثير من الناس، بالتعليم، فكثيرٌ منا يعتقد أن من لم يتلقَ تعليمه بالمدارس هو شخص فاشل، إلا أن هناك نماذج واقعية كثيرة أثبتت ضيق أفق هذا الاعتقاد، فبيننا الكثير من المبدعين والكتاب، والشعراء العظام، الذين تركوا التعليم طواعية، أو لظروف قهرية، إلا أنهم استطاعوا أن يثبتوا لأنفسهم، وللعالم، أن الدراسة النظامية ليست حاجزًا يقف بينهم وبين الإبداع، ونجد عباس العقاد تجاوزت مؤلفاته 100 كتاب ،ولم يتجاوز تعليمه الشهادة الابتدائية، ومصطفى الرافعى حصل على الابتدائية وحمل لواء الأصالة فى الأدب، حيث لة العديد من الكتب منها "تاريخ آداب العرب، إعجاز القرآن فى البلاغة النبوية، السحاب الأحمر، حديث القمر، المساكين، وغيرها، وكذلك أحمد فؤاد نجم، لم يحصل على شهادات علمية وأصبح أبرز شعراء العامية المصريين، وإبراهيم أصلان ، من بوسطجى إلى جائزة الدولة التقديرية، وخيرى شلبى، من عامل تراحيل إلى رائد الفانتازيا التاريخية فى الرواية المعاصرة، وجمال الغيطانى،حاصل على دبلوم صنايع وعبقريته أوصلته لجائزة الدولة التقديرية
عزيزى طالب الثانوية العامة ، لا تنظر فى اتجاه واحد ولا تضع عينك على كليات القمة فقط وتعتبر أنك خسرت إذا لم تلتحق بها ، لا تشعر بالقهر إذا لم تحصل على مجموع كبير ، فنجاحك فى الحياة والعمل لن يتحقق به ، بل بأمور أخرى لا علاقة لها بالمجموع .
ويستمر هذا المسلسل الكئيب ليصل إلى ذروته مع إعلان النتيجة ، حالة من الحزن والحيرة تصيب أغلب الطلاب وأسرهم ، يتساوى فى ذلك طلاب حصلوا على مجموع 95 % وأخرين حصلوا على مجاميع أقل بدءا من 50 % وحتى 90 %
تشعر أن الكل غير راض عن المجموع ، فالطلاب المتفوقون الذين حصلوا على درجات عالية تصيب أغلبهم حالة حزن لأنهم قد لا يصلون إلى كليات القمة التى ينشدونها وتحلم بها أسرهم ، وتحملت من أجلها ما يفوق طاقتها ، يشعرون كمن رقص على السلم ، ويضطرون للاختيار بين رغبات قد تبتعد عن رغباتهم الحقيقية ، فقط ليتناسب ما يختارونه مع مجموعهم ، وقد تضطر أسرهم إلى الاستمرار فى فرض حالة الضغط على نفسها وعلى الطالب الضحية وتفضل أن يلتحق ابنها بإحدى كليات القمة فى الجامعات الخاصة ، بينما يبحث الطلاب ذوى المجموع الضعيف على مكان يقبل مجموعهم " والسلام"، أو تحاول الأسرة ان تلحقه بإحدى الجامعات أو المعاهد الخاصة.
يجرى الجميع ويلهث وراء أوهام وأصنام صنعناها ولا زلنا نطوف حولها ، وأكبر هذه الأوهام كليات القمة ، التى لا زلنا نعبدها كما عبدها أباؤنا الأولون رغم أن سوق العمل اختلف ، ورغم أن الكثيرين من خريجيها لا يزالوا عاطلين لا يجدون عملا يناسب مؤهلاتهم ،ومنهم خريجى طب وهندسة وإعلام وصيدلة وسياسة واقتصاد.
بينما يمتلئ سوق العمل بنماذج ناجحة لم يكن لها نصيب كبير فى حصد درجات عالية فى الثانوية العامة ، وبعضهم لم يكن لمؤهلاتهم علاقة بالمهن التى عملوا فيها.
خريجو كليات أداب وتجارة وجدوا فى أنفسهم مواهب فنية فحصلوا على دورات تدريبية فى فنون الجرافيك أو التصوير أو المونتاج ، واختاروا هذه المهن ليعملوا فيها وحققوا فيها نجاحات ومنهم من أسس مشروعا خاصا ، وكثيرون نموا قدراتهم فى البرمجيات ، وتفوقوا وحصلوا على وظائف جيدة لا ترتبط بمؤهلاتهم.
بينما أصبحت كليات أخرى لا تصنف ضمن كليات القمة تتيح لخريجيها مجالات عمل أوسع ومنها كليات الزراعة ، ومعاهد البصريات.
الكثير من الشباب حققوا نجاحات فى مشروعات صغيرة وفى مجالات اكتشفوا مواهبهم فيها قد تبتعد عن مؤهلاتهم ، أو اختاروا كليات ومعاهد لا تنتمى لأصنام كليات القمة وطوروا أنفسهم فيها فحققوا التفوق والنجاح فى سوق العمل.
نجاحك فى أن تفتش داخل ذاتك وأن تكتشف رغباتك ومواهبك وقدراتك وأن تطورها وتنمى نفسك فيها ، انظر حولك وستجد مئات النماذج حققوا النجاح والتفوق المادى والمعنوى دون أن يكونوا ممن حصدوا أعلى الدرجات فى الثانوية العامة.
وعزيزى ولى الأمر تحرر من عبودية أصنام نسميها كليات القمة ولا تقهر أبنائك وتجبرهم على الدوران فى ساقية المجموع والوجاهة الاجتماعية للكلية التى تريد أن يلتحقوا بها ، حررهم من قهر الثانوية العامة ودرجاتها ، ودعهم يفتشون عن مواهبهم ويعبرون عن رغباتهم ويحققونها ، لا تسفه من اختياراتهم ولا تجبرهم على دراسة ما تحبه أنت ، لا تخطئ فى حقهم وحق نفسك ولا ترسم لهم المستقبل بمعايير الماضى ، لأنك حينها ستفشل ويفشلون ، دعهم يدرسون ما يحبون ، فحينها فقط ستنجح وينجحون.