بعد إطلاقه رسميا .. هل يحقق بنك البذور الأمن الغذائي لـ الجزائر
أثار إنشاء الجزائر "بنك وطني للبذور" والتصريحات التي رافقته، تساؤلات حول قدرة البلاد على تحقيق أمنها الغذائي، لا سيما أن فاتورة استيراد الغذاء تبلغ ما يقارب عشرة مليارات دولار، كما أن العالم مقبل على أزمة غذائية "خطيرة" بسبب التغيرات المناخية والحرب الروسية - الأوكرانية.
ووفقا لما نشرته صحيفة اندبندنت عربية فقد جاءت تصريحات الوزير الأول أيمن عبد الرحمن خلال إشرافه على تدشين البنك لتكشف رهان الحكومة على الخطوة.
واعتبر الوزير إن "إنجاز البنك الوطني للبذور يمثل محطة تاريخية ولبنة أخرى تأتي لتعزيز سيادتنا الوطنية من خلال تكريس مبدأ الأمن الغذائي للبلاد الذي نعتبره جزءاً لا يتجزأ من أمننا الوطني"، بخاصة في ظل الظروف الدولية الجيوستراتيجية الراهنة، وانطلاقاً من مبدأ أن هذا العالم لا مكان فيه للضعيف، كما أن القرارات المعلنة رفعت من حدة التساؤلات، وبلغت حد الاستغراب من جهة والتخوف من جهة أخرى، إذ تمت الإشارة إلى ضرورة سعي الجهات المعنية في القطاع الفلاحي بلوغ نسبة 80 في المئة من تغطية الاحتياجات الوطنية في 2023، كما تقرر وقف استيراد بذور الخضراوات ابتداء من السنة المقبلة.
تسليم المحاصيل
إلى ذلك، ألزمت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية المزارعين تسليم محصولهم بالكامل إلى تعاونيات الحبوب الغذائية والبقول الجافة المتخصصة إقليمياً لتحقيق الأمن الغذائي بالبلاد، وفقاً لما جاء في المادة 30 من قانون المالية التكميلي لسنة 2022، وشددت على أنه لا بد من تسليم كامل إنتاج المزارعين من الحبوب من دون شروط، مقابل تقديم وثيقة هوية المزارع، إضافة لشهادة معدة من طرفه تحدد موقع الأرض المستثمرة ومساحتها، حيث يتم بعدها جرد المحصول رسمياً وتخزينه.
وتبلغ المساحات المخصصة لزراعة الحبوب في الوقت الحالي 2.9 مليون هكتار (الهكتار يساوي 10000 متر مربع)، وتقدر الواردات من الحبوب ما قيمته 2.7 مليار دولار، من بينها 800 مليون دولار للذرة، وتسجل فاتورة استيراد الحليب 600 مليون دولار، وهي الأرقام التي ترتفع بين عشرة و15 في المئة بسبب المتغيرات الجديدة التي تعرفها الأسعار على مستوى الأسواق الدولية.
مجاعة عالمية
من جانبه اعتبر المحلل الاقتصادي الجزائري مراد ملاّح أن رفع فعالية المردود الفلاحي يمر عبر رافدين مهمين، يتمثل الأول في مكننة القطاع وهي مشكلة كبيرة في الجزائر، فمثلاً استخدام وسائل الري التقليدية يكلف البلاد هدراً سنوياً لا يقل عن ثلاثة مليارات متر مكعب من الماء، فالجزائر التي تستهلك سنوياً 10.5 مليار متر مكعب من المياه، ويذهب 7.5 مليار منها إلى الفلاحة، تضيع أكثر من ثلاثة مليارات متر مكعب بسبب الوسائل التقليدية.
أما الرافد الثاني فيتعلق بمردودية المنتوجات التي ترتبط بسيادة البلد كالحبوب والبقوليات التي تخضع لجودة البذور، والجميع يعلم أن سوق البذور في العالم تواجه الاحتكار، بالتالي فإن الذهاب نحو "بنك البذور" معناه إنتاج السلالات النقية لها، وهي التي بإمكانها إعطاء مردود عال في ظروف مناخية وتربة جزائرية.
أضاف ملاّح أن العالم ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية يفرض تحدي الأمن الغذائي بشكل واقعي، ومن انعكاسات هذه الأزمة ضعف تصدير الحبوب، ما يشير إلى أن العالم يتجه نحو الانغلاق على منتجاته المحلية، بشكل يهدد بارتفاع أسعار الحبوب.
وقال إن التوجه نحو "بنك البذور" جزء من مقاربة تبنتها الحكومة تتعلق بتعزيز قدرات الإنتاج المحلي من أجل الابتعاد ما أمكن عن الاستيراد، لا سيما أن الجزائر ثاني مستورد للقمح عربياً، ما يجعل الخطوة مهمة، وأوضح أن منظمات الزراعة حذرت من موجة مجاعة وأشارت في تقارير إلى أوضاع مرعبة وسط حديث عن أزمة غذاء عالمية وصعوبات حقيقية في الوصول إلى الغذاء.
وختم أن الحرب الروسية - الأوكرانية والتغيرات المناخية، إضافة إلى التضخم وأزمة الإمداد وأيضاً تبعات جائحة "كورونا"، كلها عوامل خلقت وضعاً معقداً نوعاً ما جعل العالم أمام أزمة غذاء حقيقية.