تجرى يوم 17 ديسمبر المقبل.. الاستعداد للانتخابات التشريعية التونسية مبكرًا
تبدأ الجمهورية التونسية الجديدة، خلال الأيام القليلة المقبلة استعداداتها، لإجراء الانتخابات التشريعية المبكرة يوم 17 ديسمبر 2022، لانتخاب مجلس نيابى جديد تحت إشراف اللجنة العليا للانتخابات، التى سيتم تشكيلها، وفقا لقانون الانتخابات الجديد الذى سيتم إصداره قريبا، وهنا تثار عدة تساؤلات مهمة، فى مقدمتها: هل ستتم هذه الانتخابات بالقائمة أم بالنظام الفردى؟ وهل سيشارك حزب النهضة فى هذه الانتخابات أم سيعلن مقاطعتها كما فعل مع الاستفتاء على الدستور الجديد؟ وما التكتلات السياسية والحزبية الجديدة التى ستدخل هذه الانتخابات سواء المؤيدة لسياسة الرئيس قيس سعيد أم المعارضة له؟.
تقول يسرى ميلى، خبيرة الاتصال السياسى: أولا يجب أن ننبه أنه وبحسب النظام السياسى، الذى جاء به دستور الجمهورية التونسية الجديدة، هناك انتخابات إقليمية وبعدها انتخابات مركزية، ثم انتخابات المجلس النيابى، وكلا المجلسين بصلاحيات متقاربة، لكنها لا تقوض كثيرا السلطة التنفيذية التى سيكون فيها رئيس الدولة صاحب الصلاحيات الأقوى، وبالتالى فإننى أعتقد أن انتخابات ديسمبر، ستكون فرصة جيدة لصعود وجوه مستقلة وتكتلات سياسية أو حتى مواطنية جديدة، ولا أرى مكانا كبيرا للسياسيين التقليديين بهذين المجلسين، حيث أتوقع أن تتواصل مقاطعة الناخبين لهم، كنوع من العقاب الشعبى على العشرية الأخيرة التى أرهقت تونس وشعبها اقتصاديا وسياسيا.
وتوضح أن الرئيس قيس سعيد، قد حصن من مركزه وقوى كثيرا من السلطة التنفيذية، مقارنة بما كانت عليه، فى ظل دستور النهضة الملغى، حيث لا توجد الآن إمكانية، لسحب الثقة من رئيس الدولة أو من الحكومة من مجلس النواب، فى مقابل إمكانية عزل النواب الذين لا يحققون تطلعات ناخبيهم، أو أولئك الذين يتمادون فى الممارسات الاستعراضية داخل البرلمان، وبالتالى خسرت النهضة وحلفاؤها أهم سلاح لها، وهو سطوة السلطة البرلمانية، التى كانت تمكنها من تطويع بقية السلطات لمصالحها وأهدافها، التى تمكنت بفضلها من حكم تونس خلال العشرية السوداء، وبالتالى فإنه فى اعتقادى أنها لن تغامر بدخول هذه الانتخابات الإقليمية والبرلمانية بالطريقة الكلاسيكية، التى اعتدنا عليها، ولن تحاول استعراض قوتها بالنظر لشعبيتها المتهاوية، وأيضا خوفا من أنها ستكون هدفا سهلا لرئيس الجمهورية، حتى إنه من الممكن أن تعلن مقاطعتها الانتخابات، كمناورة للتغطية على تخوفاتها وتخبطها وانهماكها فى القضايا المرفوعة، ضد قياداتها وملفات الفساد وسوء التصرف والاختلاس والإرهاب، التى بدأت تفتح تباعا، فى حق الحركة وعدد من منتسبيها، وعدد آخر من قيادات الدولة أيام حكمها.
وتضيف: أيضا هناك إمكانية أن تستعمل حركة النهضة، أساليبها خلال الانتخابات، أى أن تدعم أحزابا جديدة وائتلافات وتكتلات، وقائمات بشعارات وأسماء أخرى، بقصد تضليل الناخب التونسي، حيث تكونت فى الفترة الأخيرة، ما لا يقل عن ثلاثة أحزاب جديدة معروف عن عدد من منتسبيها، أنهم مقربون جدا من حركة النهضة، وحتى من المستقيلين منها صوريا مع دعم كل مواقفها. وأرى أن مشروع قيس سعيد لايزال جذابا لدى التونسيين، ولا يزال يحظى بدعم مهم، حتى إن أنصاره بدأوا فى الانصهار تحت رايات ائتلافات وأحزاب جديدة، وليس مستبعدا أبدا أن يطلق قيس سعيد حزبا قويا يحمل مشاريعه وأفكاره، ليخوض به غمار الانتخابات المقبلة، وفى هذه الحالة ستكون له أسبقية مهمة مقارنة بمنافسيه، بحسب المتابعين وشركات الدراسات السياسية واستطلاعات الرأى.
وتتابع: أما من الناحية العملية، ما زلنا فى انتظار المراسيم الرئاسية، المتعلقة بشكل الانتخابات الجديدة، والقانون الانتخابى، وبرنامج المواعيد الانتخابية، ولا أظن أن قيس سعيد سيتأخر كثيرا فى إصدارها، لأنه أصبح أكثر حرصا من الجميع على المرور إلى المرحلة السياسية المقبلة، التى ستعزز مكانته وستسكت كل الأصوات من الداخل والخارج، التى تحثه على عودة السلطات الثلاث إلى العمل بطريقة عادية .
وفى النهاية، أرجو كتونسية أن ينجح الشباب الطموح والكفاءات العالية، والوطنيون الصادقون فى الوصول إلى دفة القيادة، وأن نطوى صفحات المتاجرة بالدين، والعمالة للأجنبى والصفحات السوداء للإرهاب والفساد من خلال الانتخابات المقبلة.
أما محسن النابتى، المتحدث الرسمى للتيار الشعبى فيقول: نحن فى انتظار إعلان النتيجة النهائية للاستفتاء على الدستور، بعد الطعون المقدمة، ودخوله حيز التنفيذ، ثم ستكون الأولوية للقانون الانتخابى الذى بمقتضاه ستجرى الانتخابات، ونحن فى التيار الشعبى ندعو للانتخابات بالنظام الفردى على دورتين فى أصغر الدوائر، وطبعا القانون الانتخابى سيحدد كيفية الاستعداد، سواء بالنسبة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أم الفاعلين السياسيين، خصوصًا أن الأمر يتطلب تنقية المناخ الانتخابى بأكمله.
ويضيف: بالنسبة لقيادات حركة النهضة، فإنهم عادة ما يشاركون فى أى انتخابات، وبكل الصيغ بما فيها التحايل على الناخبين بالترشيح كمستقلين، لذلك أتصور أنهم سيشاركون ولو بشكل غير مباشر، مع أن هؤلاء قرارهم ليس بأيديهم، ويبدو أن الأمور فى الإدارة الأمريكية تتجه نحو دفعهم للمشاركة، فهؤلاء أدوات وليسوا أصحاب قرار، وتصريح وزير الدفاع الأمريكى إقرار صريح، بأن لهم عملاء فى إخوان تونس وسيدعمونهم.
ويسعى التيار الشعبى إلى تشكيل تكتل وطنى شعبى، يضم كل القوى الفاعلة فى مسار 25 يوليو، على قاعدة استكمال بناء الجمهورية الجديدة فى المرحلة المقبلة، ونتمنى أن ننجح فى ذلك، كما نتمنى أن تتاح الفرصة للمستقلين فى الانتخابات المقبلة.
ويرى جمال مارس، المحامى الحقوقى التونسى، أن أهم خطوة فى إطار التحضير للانتخابات التشريعية، هى طبعا سن قانون انتخابى جديد، يحكم اللعبة الانتخابية والسياسية فى المرحلة المقبلة، وللتذكير فإن التوجه العام ومع الاستئناس بمخرجات الاستشارة الإلكترونية، فإنه ستتم مقاطعة نظام التصويت بالقوائم، الذى أدى إلى نتائج كارثية على مستوى تركيبة البرلمان فى السابق، ولوث التجربة الديمقراطية الفتية فى تونس، ومن ثم التوجه إلى نظام الانتخابات الفردية فى دورتين، الذى نعتبره كحزب التيار الشعبى، أكثر ملاءمة مع خصوصية التجربة التونسية، وأكثر تعبيرا عن إرادة الناخب فى اختيار مرشحيه.
ويضيف أنه بعد سن القانون الانتخابى، وبداية السنة الجديدة مع العودة المدرسية والجامعية، نتوقع أن يكون هناك تحرك كبير على مستوى الحياة السياسية فى تونس، فى إطار تواصل التجاذبات بين الشق المساند والمعارض لمسار 25 يوليو، كذلك لا ننسى أهمية الحسم القضائى فى مختلف الجرائم الانتخابية المرتكبة خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2019، وترتيب الآثار القانونية عليها، وللتذكير فإنه حتى الآن صدرت أحكام قضائية عن فرع محكمة المحاسبات بجهة قفصة، قضت بثبوت ارتكاب مخالفات انتخابية خطيرة من طرف حركة الإخوان، وانتهت إلى إسقاط قائمتى حركة النهضة بكل من ولايتى توزر وقفصة، مع حرمان أعضائها من الترشح مستقبلا للانتخابات التشريعية، ومن المنتظر مع نهاية العطلة القضائية، أن تواصل بقية فروع محكمة المحاسبات إصدار أحكامها فى هذا الإطار، خصوصا فيما يتعلق بموضوع التمويل الأجنبى، وهذا ما يجرنا إلى الحديث عن مستقبل حركة الإخوان السياسى والانتخابى، فقد بات الحديث فى الشارع التونسى عن إمكانية حل حركة الإخوان فى تونس مطروحا بشدة، وموضوع ندوات ونقاشات مع ثبوت جسامة وحجم الجرائم المرتكبة فى حق الشعب التونسى، لننتهى بالقول بأنه من المرجح جدا أن تكون الانتخابات التشريعية المقبلة بدون مشاركة حركة النهضة .
وبخصوص التكتلات المتوقعة فى المرحلة المقبلة، فإنه من المنتظر أن نرى العمل الشعبى يحكم مصير الانتخابات التشريعية المقبلة، فالشق المساند لمسار 25 يوليو من الأحزاب السياسية والمنظمات والتنسيقيات والشخصيات الوطنية من المفترض أن يدخل الانتخابات بشكل موحد، وقد انطلقت المشاورات فى هذا الشأن، وبالنسبة لمعارضى المسار يمكن أن نراهم فى كتلتين، كتلة أولى تجمع مكونات ما يعرف بجبهة الخلاص، وكتلة أخرى يمكن أن تجمع مكونات الأحزاب الدستورية والتجمع الدستورى السابق، أى الطبقة السياسية التى كانت تحكم قبل 2011، والتى تحاول توظيف الإرث البورقيبى لفائدتها، مقابل تجاهل فترة حكم بن على باعتبارها تمثل عبئا ثقيلا عليها متى أرادت حمله.
ويؤكد على الطياشى عضو الحزب الدستورى الحر، أنه ربما يتبلور الأمر أكثر مع بداية السنة السياسية خلال شهر سبتمبر المقبل، ولكن الثابت أنه لا وجود لأحزاب تعمل على الميدان، عدا الحزب الدستورى الحر الذى يواصل نشاطه، ثم إن الأمر مرتبط بصدور القانون الانتخابى الجديد، فهو المحدد الرئيسى لكل القرارات، هل سيكون نظاما انتخابيا على الأفراد بصفتهم الشخصية أو الحزبية؟ وهل سيعتمد هذا القانون إقصاء بعض القوى ؟ وأعتقد أن الإخوان سيشاركون متخفين تحت ألوية وتسميات أخرى، بأشخاص آخرين بهدف التضليل، وأنهم لن يدخلوا بالأشخاص الظاهرة بل سيتخفون ولو لفترة.