عرفته قبل أن أراه.. كوكب الشرق تتحدث عن أحمد رامي
صدرت مجلة الهلال الثقافية، فى مثل هذا اليوم الأول من شهر سبتمبر عام ١٨٩٢م ، على يد مؤسسها الصحفى الرائد جورجى زيدان ، حيث تعتبر من أولى المجلات الثقافية فى مصر والوطن العربي.
ولد جورجي زيدان مؤسس الهلال في 14 ديسمبر عام 1861 في لبنان، في وقت ازدادت فيه حدة الخلافات بين العرب وبين الدولة العثمانية المحتلة لبلاد الشام وهو ما جعله يؤمن بالقومية العربية وأهميتها بل ويبشر بها في كتاباته، وقد عمل في مصر عام 1888م نهايات القرن التاسع عشر في مجلة المقتطف، حيث نشر في هذه الفترة تاريخ مصر الحديثة، والماسونية، وهو الكتاب الذي تم نشر إعلانات له في الصحف الصادرة في القرن التاسع عشر، وفي عام 1891م أنشأ مع نجيب متري مطبعة وحين انفضت الشراكة بينهما أصدر من خلال المطبعة مجلة الهلال.
في العدد الأول من الهلال سبتمبر 1891م.
تناول «زيدان» في مجلته دور الصحافة العربية في دفع حركة التمدن والتحضر للأمام وتاريخها في البلاد العربية، حيث نشر مقالا بعنوان الجرائد العربية في العالم واضعًا من خلال الإحصائيات الدقيقة عدد الصحف العربية، مؤكداً أن الوقائع المصرية هي أول صحيفة مصرية عربية ثم انتشرت الصحف في مصر، حيث وصلت لنحو 32 صحيفة محلية تهتم بالشأن المصري في مصر والإسكندرية وحدها خلاف الصحف والمجلات العربية التي تهتم بالثقافة وأحداث الوطن العربي والتي اتخذت في مصر مقرا لها، ثم تلت الوقائع المصرية حديقة الأخبار السورية التي صدرت بعد الوقائع بعشرات السنين، ثم الرائد التونسي.
حين توفي جورجى زيدان ، أكمل أنجاله دوره ، حيث استمرت الهلال ، فى دورها الثقافي ، وفى ذكري صدور العدد الأول من مجلة الهلال الثقافية ، تنشر بوابة الأهرام ، مقال نادر لكوكب الشرق أم كلثوم ، عن الشاعر أحمد رامي ، حيث فتحت الهلال برئاسة تحرير أحمد زكي بك ،فى عددها الصادر يناير ١٩٤٨م ، ملفا عن الشباب ، وهو الملف الذي افتتحه عميد الأدب العربي طه حسين بمقال ، وكتب فيه رواد الثقافة والفن العربي ومنهم كوكب الشرق أم كلثوم والتى بدأت مقالها (لايعجبنى فى كل ماينظمه رامي ، ترجمته الدقيقة عن مكنونات العواطف ، وخلجات القلوب ، وسبقه دائما إلى التجديد والابتكار ).
أضافت أم كلثوم ، أن رامي مجموعة روحانية من الأحساس الملهم ، والثورة المكبوتة ، والهدوء الرزين ، مع ظرف نادر ، وخيال محلق ، وخاطر سريع ، وإخلاص لذات الخلاص ، مؤكدة أن رامي شاعر الشباب ، والفنان الذي جدد شباب الأغنية المصرية ، وخرج بها من الأفق الضيق المحدود ، إلى آفاق فسيحة عديدة ، تسرح فيها وتمرح وتنطلق ، وتغوص إلى أعماق النفس ، وتثير شتى الأحاسيس ، مؤكدة أنها عرفته قبل أن تراه من قصيدته الرائعة ( الصب تفضحه عيونه ) ، حيث كان رامي آنذاك يعيش فى باريس
قالت أم كلثوم ، إن الشيخ أبوالعلا محمد هو الذي عرفنى بأغنية رامى ، فأعجبت بها ، وأخذت أغنى الصب تفضحه عيونه فى الحفلات ، وكلما رأيت شدة الإقبال على الأغنية ، ازداد إعجابي بها ، وبمؤلفها الموفق المجيد ، وأوضحت أم كلثوم ، أنها رأت أحمد رامي لأول مرة ، حين جاء ليسمعها فى حفلة بالأزبكية ، وذلك عقب عودته من باريس ، حيث جلس فى الصف الأول متتبعا غنائي بعناية ملحوظة ، وإصغاء تام ، ولما انتهيت من الوصلة الأولى ، كان من أوائل المهنئين ، وعرفني بنفسه. فكان سروري عظيما بلقياه ، وكانت تلك الحفلة خاتمة الموسم بالقاهرة ، بعدها سافرت لرأس البر ، حيث بقيت هناك طوال مدة الصيف ، ثم عدت لأبدأ الغناء فى تياترو البوسفور ، وهناك فى الحفلة الأولى وجدت رامي ثانية ، وغنيت قصيدته دون أن يطلبها .
تقول أم كلثوم ، إن أحمد رامي ألف قصيدة جديدة مطلعها ( صوتك هاج الشجو فى مسمعي ، وأرسل المكنون من أدمعي ) ، وقد أسمعنى رامي أبياتا أخري من القصيدة ، وقد وعدني بأن يزوروني فى منزلي بحى عابدين ، ليقدم لى القصيدة كاملة ، ومنذ ذلك الحين والود والتقدير بيننا متصلان ، مؤكدة أنها قامت بالغناء لأغنية له بالعامية وهى ( خايف يكون حبك لى شفقة على ، وانتى اللى فى الدنيا دية ضي عيني ). ثم توالت بعد ذلك الأغنيات التى ألفها لي.
تؤكد أم كلثوم فى مقال لها بمجلة الهلال ، أنه يعجبها كل ما يؤلفه رامي ، حيث يقوم بترجمة دقيقة صادقة عن عواطفه ، بالإضافة إلى التجديد والابتكار فى الأغنية ، فهو يختصر ويجمل فلسفته فى الحب ( كيف مرت على هواك القلوب ؟ فتحيرت من يكون الحبيب )، واختتمت كوكب الشرق مقالها بنوادر بينها وبين أحمد رامي ، ثم زيلت اسمها باسمها أم كلثوم إبراهيم.