فتحى ندا الخبير الاقتصادي يكتب.. تجارة السيارات.. بين مطرقة الدولار وسندان المركزي
هل نقص الدولار وقرارات البنك المركزى بالإضافة الى قرار وزارة التجارة والصناعة وإجراءات الجمارك ستمثل المطارق والسنادين التي تسحق تجارة السيارات والمتعاملين في سوق السيارات بمصر لفترة ليست قصيرة؟
لا شك أن تجارة السيارات تأثرت سلباً مثلها مثل باقى أنواع التجارة في الأسواق المحلية والعالمية بالآثار الاقتصادية التي نتجت عن جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، لكن تجارة السيارات في مصر عانت وما زالت تعانى من أسباب إضافية داخلية أهمها (1) نقص الدولار الأميركي وتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى كاليورو والين واليوان (2) قيود البنك المركزي المصري على الاستيراد – الذى يعتبر السيارات من السلع الترفيهية (3) والإجراءات الجمركية التي عطلت الإفراج عن شحنات السيارات التي وصلت بالفعل الى الموانىء المصرية. (4) بالإضافة الى القرار المفاجئ من وزارة التجارة والصناعة في الأول من يناير 2022، القرار رقم 9 لعام 2022 الذي اشترط للإفراج عن سيارات الركوب الواردة من الخارج بغرض التجارة توافر مراكز صيانة معتمدة في مصر طبقاً للتوزيع الجغرافي، إضافة إلى توافر قطع الغيار الأساسية على جداول الصيانة الصادرة من الشركات المنتجة، وأيضاً احتواء المركبة على وسادتين هوائيتين على الأقل، وبدأ تطبيق هذا القرار مطلع فبراير الماضي.
في مارس الماضي قيد البنك المركزي في مصر الاستيراد بمنع التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كل العمليات الاستيرادية، وأقر العمل بالاعتمادات المستندية فقط، مرجعاً قراره إلى تسهيل عملية شراء البضائع من الخارج وحماية المستوردين والمصدرين المصريين عن طريق فتح الاعتمادات المستندية الأكثر ضماناً.
الأسباب الإضافية المحلية هي التي فاقمت من أزمة تجارة السيارات في مصر وجعلت طرفيها – البائع والمشترى – يعانيان، * فالمشترى يعانى من ارتفاع الأسعار وتأخر إستلام سيارته التي دفع ثمنها مقدما بالإضافة الى مطالبته عند التسليم بفارق زيادة السعر نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، غير أن بعض الشركات تفرض مبالغ فوق السعر المتداول في السوق - ما يطلق علية (أوفر برايس) - مقابل التسليم الفوري،
أما البائع فيعانى من قلة الطلب وعدم ثبات الأسعار في السوق العالمى بالإضافة الى شُح الدولار وتحرك سعره بالإرتفاع مقابل الجنية، فضلا عن تآكل رأس المال مقابل الكمية ( رأس المال الذى كان يساوى 1000 ألف سيارة من ثلاثة أعوام ربما اليوم لايساوى 500 أو 400 خمسمائة أو أربعمائة سيارة) مما قد يؤثر سلبا على إجمالي الأرباح مقارنة بفترات سابقة.
العوامل الخارجية والداخلية مجتمعة أدت الى تراجُع حجم السيارات المستوردة من خارج البلاد بأكثر من 40 في المئة خلال الأشهر الثماني الأولى من العام الحالي 2022 مقارنة بالعام الماضي، ما دفع شركات السيارات العالمية إلى البحث عن وكلاء جدد في دول أخرى بمنطقة الشرق الأوسط.
وأظهر تقرير صادر عن "مجلس معلومات سوق السيارات" (أميك) AMIC Egypt: Automotive Marketing Information Council تراجع مبيعات السيارات في مصر بنسبة لا تقل عن 31 في المئة خلال شهر يونيو الماضي، بعد بيع نحو 18 ألف سيارة مقارنة بعدد السيارات المبيعة في يونيو 2021 التي سجلت نحو 26 ألف سيارة.
ووفقاً للتقرير، تراجعت مبيعات سيارات الركوب "الملاكي" بمقدار07.7% بعد بيع 18 ألف سيارة في يونيو 2022 مقابل 19 ألفاً و500 سيارة في يونيو 2021، بينما تراجعت مبيعات الشاحنات بمختلف فئاتها بنسبة 17 في المئة لتسجل نحو أربعة آلاف شاحنة مقابل نحو خمسة آلاف في الفترة نفسها من العام الماضي، في حين هبطت مبيعات الأتوبيسات "سيارات النقل الجماعي" بنسبة 28.3 في المئة مسجلة نحو 1500 سيارة في يونيو 2022 مقارنة بنحو ألفي أتوبيس في الشهر ذاته من العام الماضي.
وفي حديث " لإندبندنت عربية " للأمين العام لـ"رابطة مصنعي السيارات" خالد سعد قال إن "سوق السيارات في مصر متجمدة بشكل يدعو إلى الاستفزاز"، موضحاً أن "هناك تراجعاً رهيباً في عدد السيارات المستوردة من خارج البلاد يفوق 40 في المئة خلال العام الحالي مقارنة بالسنوات السابقة".
وأرجع هذا التجمد في السوق إلى ندرة الدولار الأميركي وقيود البنك المركزي المصري على استيراد السيارات باعتبارها من السلع الترفيهية.
وأكد الأمين العام للرابطة أن "الشركات العالمية المصنعة للسيارات بدأت تفقد الثقة في السوق المصرية وفي وكلائها بالقاهرة نظراً إلى الإخلال بالتعاقدات السنوية التي تلزم الوكيل باستيراد السيارات بأعداد محددة وفقاً لخطط زمنية، وهو ما لم يستطع أغلب الوكلاء تنفيذه هذا العام، الأمر الذي دفع تلك الشركات العالمية إلى توزيع حصص الوكلاء في مصر على وكلاء آخرين بدول أخرى مثل الأردن والمغرب على سبيل المثال".
وتابع أن "تجار ووكلاء تجارة السيارات في مصر بين مطرقة نقص العملة الأجنبية وسندان البنك المركزي المصري الذي يرفض قبول الدولار الأميركي حتى لو استطاع الوكيل تدبيره من السوق الموازية بحجة أنها عملات مجهولة المصدر، وفي الوقت نفسه هناك تعطيل في تنفيذ الاعتمادات المستندية عن طريق البنوك المحلية نظراً إلى نقص الدولار".
القادم أسوأ
قال عضو شعبة السيارات بـ"اتحاد الغرف التجارية" علاء السبع " لإندبندنت عربية "، إن "الأزمة لم تعد في أسعار السيارات كما يتخيل بعض المتابعين، بل في نقص المعروض ". وأضاف متوقعاً أن يزداد الأمر سوءاً في الأشهر المتبقية من عام 2022.
وواصل حديثه، "تأثير نقص الدولار الأميركي في مصر تخطى حدود التأثير في السيارات الجديدة ليقترب شيئاً فشيئاً من تهديد حتى السيارات المستعملة مع نقص قطع الغيار، إذ قال نائب رئيس "شعبة قطع غيار السيارات" بـ"غرفة القاهرة التجارية" شوقي غالب إن "هناك خمسة ملايين سيارة ملاكي في مصر 98 في المئة من قطع غيارها تُستورد من الخارج".
وأوضح السبع أن "النقص بدأ يتضح في أسواق قطع غيار السيارات خصوصاً الصينية والكورية، ومالكو السيارات وتجار قطع الغيار في مأزق حقيقي، إذ إن بعض الأصناف بدأت بالاختفاء من الأسواق، ومنها ما يتعلق بالسلامة الأمنية للسيارة مثل تيل الفرامل أو فلاتر الزيت"، وأرجع ارتفاع أسعار قطع الغيار إلى زيادة سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار، وارتفاع تكاليف الشحن والجمارك والنقل الداخلي بعد رفع أسعار السولار أخيراً.
"شعبة السيارات" تكشف حقيقة أزمة توريد السيارات لمصر
كشف علاء السبع، عضو مجلس إدارة شعبة السيارات " في حديث لموقع شيفت نيوز " حقيقة أزمة توريد السيارات الجديدة للسوق المحلي المصري، محذرا من إمكانية الوصول لمرحلة شح السيارات المستوردة بسوقنا المحلي خلال الثلاثة أشهر القادمة حال استمرار مشكلة الاعتمادات المستندية.
وأرجع السبع، سبب تأخير تسليم بعض أنواع السيارات لمصر إلى المفاوضات التي تجري حاليا بين الشركات الأم ووكلاء العلامات التجارية بالسوق المحلي حول إشكالية الاعتمادات المستندية، فضلا عن تزايد الطلب بباقي الأسواق العالمية، ما جعل الشركات تخفض حصص التسليم للسوق المصري مؤقتا لحين توفيق الأوضاع وانتهاء الأزمات التي تتعلق بالاستيراد.
وأكد السبع على أن: العلاقة بين شركات صناعة السيارات العالمية ووكلاء العلامات التجارية بالسوق المحلي جيدة جدا، ومصر لها ثقلها بالمنطقة لدى الشركات الأم، ولكن الحقيقة الكاملة هي "أنهم يعطون فرصة للسوق المحلي المصري حتى ينتهي من العميلة النظامية الجارية بشأن دفع ثمن شحنات السيارات".
متى تنخفض أسعار السيارات فى مصر
عرضنا فيما سبق الى أسباب أزمة تجارة السيارات في مصر والتي أدت الى ارتفاع الأسعار الفترة الأخيرة بشكل مبالغ فيه، وللإجابة على السؤال عن توقيت إنخفاض أو بدء إتراجع أسعار السيارات في مصر؟
يُجِيب اللواء حسين مصطفى، المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات " في حديث لموقع صدى البلد - " أنه من الطبيعى نتيجة قلة استيراد السيارات ، تأتى قلة المعروض منها وكذلك بالتبعية قلة المُصَنع محليا نظرا لمشاكل نققص الرقائق الالكترونية والمنتجات ، وبالتالى رفع الأسعار بصفة مستمرة يوميا .
واكد اللواء حسين مصطفى ان سوق السيارات المصرى سيشهد ارتفاع مستمر نتيجة هذه الأزمات المستمرة.
كما ان هناك عدد من الحلول لابد من تطبيقها متزامنة مع بعضها ، حتى نخرج من ازمة قلة المعروض وزيادة اسعار السيارات اولها حل مشكلة سلاسل الإمداد بالمعادن اللازمة لصناعة السيارات والخامات ومستلزمات انتاج الرقائق الالكترونية التي توقفت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية .
بالاضافة الى حل مشكلة عدم توافر الرقائق الإلكترونية وتنفيذ المصانع الجديدة وبدء الإنتاج فى التوسعات التى تمت خلال العامين الماضيين حول العالم ، وحل الازمة الاقتصادية العالمية مما يتيح العودة الى مستندات التحصيل فى استراد السيارات بدلا من الاعتمادات المستندية .
واوضح انه بعد الخروج من جميع هذه المشاكل سيتم انخفاض اسعار السيارات تدريجيا ، والذى متوقع ان يحدث نهاية هذا العام الحالى او بداية العام التالى 2023 .
لكن لماذا ارتفعت أسعار السيارات المستعملة؟
عندما انتهى الإغلاق الأول ، بدأ الطلب الفوري - الذي وصف بأنه "طلب مكبوت" - للسيارات المستعملة ، مدفوعًا بالعملاء الذين أرادوا أو احتاجوا للشراء أثناء الإغلاق ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك.
وكان هناك أيضًا رغبة قوية من قبل العديد من الناس في عدم السفر في وسائل النقل العام. أدي هذان العاملان مجتمعان إلى ارتفاع الطلب وبالتالي ارتفاع الأسعار.
وبعد عمليتي إغلاق أخريين - حيث اعتاد التجار على بيع السيارات عبر الإنترنت - وصل سوق السيارات المستعملة إلى مستويات غير مسبوقة من الطلب في نهاية الإغلاق الثالث في أبريل 2021.
وكان هذا عندما بدأ نقص أشباه الموصلات في التأثير على سوق السيارات الجديدة.
والإجابة على سؤال :هل ترتفع أسعار جميع السيارات المستعملة؟ في المدى القصير هى لا.
ارتفعت أسعار السيارات المستعملة في المتوسط بنحو 30 في المائة في عام 2021 ، وسيستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى تنخفض الأسعار بنحو 30 في المائة للعودة إلى ما كانت عليه.
وتتغير أسعار السيارات المستعملة من شهر لآخر ، ولم تشهد كل أنواع السيارات وشرائح الأسعار ارتفاعات في الأسعار مؤخرًا، حيث أن أسعار السيارات المستعملة من الأنواع الفارهة لاتلقى نفس الإستجابة لتغيرات سوق المستعمل التي تلقاها السيارات الشعبية او المتوسطة.
مع بداية جمهورية جديدة وإستمرارا لخيار البناء الذى إتخذته القيادة السياسية منهاجا وفى إطار الحديث عن معاناة الدولة وتأثرها بهزات تحدث شرقا أو غربا من وقت لآخر، أرى أن الواقى للجمهورية الجديدة من أي هزات إقتصادية أو أزمات صحية أو مالية هو ما اتفق عليه العديد من الخبراء مع رؤية القيادة السياسية في ضرورة التسريع في توطين صناعة وسائل النقل الحديث والصديق للبيئة وكذا جميع الصناعات الممكن توطينها وكذا تطوير ودعم التعليم البحث العلمى ورفع مستوى جودة الإنتاج وزيادة الصادرات وفى سبيل ذلك عقد شراكات متنوعة الموطن والقوة والتوجه.
كاتب المقال فتحى ندا الخبير الاقتصادي