حفر اسمه في ذاكرة السينما بإرث فني كبير علي عبد الخالق.. روح الفكاهة تهزم ألم الرحيل
كانت له بصمة مختلفة في اللون الكوميدي خصوصًا "الكوميديا السوداء"
"الكيف و4 في مهمة رسمية" ضمن أفضل 100 فيلم كوميدي
فقدت السينما المصرية أحد فرسانها ومبدعيها، وهو المخرج الكبير على عبد الخالق، الذى رحل عن عالمنا، الأسبوع الماضى، عن عمر ناهز 78 عاما، بعد معاناة كبيرة من مرض السرطان، لفترة قاربت الثلاث سنوات. رحل عبد الخالق تاركا إرثا فنيا كبيرا، واسما محفورا فى ذاكرة السينما المصرية، بعد مشوار من الإبداع قارب النصف قرن، كان خلاله من المخرجين القلائل الذين استطاعوا تقديم أكثر من لون فنى داخل أعمالهم، فقد كان متعدد المواهب ويستطيع التكيف مع كل ألوان الفنون.
على مدار سنوات طويلة فى مشوار السينما المصرية، كان المخرجون يصنفون حسب أعمالهم، فمثلاً أطلق على صلاح أبو سيف "مخرج الواقعية"، نظراً لأن كل أعماله تمتاز بالصبغة الواقعية داخل المجتمع المصرى، أما المخرج كمال الشيخ فامتازت أعماله بالإثارة والغموض، فيما تميز حسام الدين مصطفى بأفلام الحركة "الأكشن"، أما الكوميديا فتربع على عرشها الراحل العظيم فطين عبد الوهاب، لكن الراحل على عبد الخالق قرر دخول كل هذه العوالم، وسار على درب المخرج عز الدين ذو الفقار الذى يعتبره مثله الأعلى.
فى إحدى المرات سألت المخرج الراحل على عبد الخالق، عن مثله الأعلى، فرد بسرعة: "عز الدين ذو الفقار، لأنه قدم كل ألوان الفنون بإتقان شديد، حيث كنت فى بعض الأوقات أسأل نفسى كيف لمخرج قدم فيلم «شارع الحب» أن يقدم أفلاما مثل «الرجل الثانى» و«نهر الحب»، فالأفلام وكأنها على طرفى نقيض، وكان له أسلوب مميز فى اختيار اللقطة وتركيب الموسيقى المناسبة التى تعبر عنها وحفاظه على الإيقاع طوال مدة الفيلم، لذلك كنت أراه أحد عباقرة السينما وأسعدنى الحظ أنى رأيته عن قرب، فقد كان صديق والدى وشارك معه فى أكثر من فيلم".
ومن بين كل هذه الألوان التى تميز بها على عبد الخالق، كانت له بصمة مختلفة فى اللون الكوميدى، خصوصا "الكوميديا السوداء"، وأخيرا قام مهرجان الإسكندرية السينمائى، بعمل استفتاء عن أفضل 100 فيلم كوميدى فى تاريخ السينما المصرية، وجاء من بينها فيلمان من إخراج على عيد الخالق، وهما، "الكيف و4 فى مهمة رسمية".
بالتأكيد لكل مخرج أسلوبه الخاص فى طرح قضايا أعماله، لكن المتابع لأعمال المخرج الكبير على عبد الخالق، يجده يختار قضايا شائكة تصل إلى مستوى "السواد"، فى بعض الأحيان، لكنه يخففها بجرعة كوميدية جميلة تجعل المشاهد يبتسم برغم صعوبة الأحداث. وفى عام 1981 كان الصديقان - على عبد الخالق، ومحمود أبو زيد - يبدآن مشروعاً واحداً من أهم أفلام الكوميديا السوداء وهو فيلم "العار"، والذى استمدت أحداثه من الواقع المصرى والمتغيرات التى طرأت عليه، وبعض الذين يتاجرون بالدين فى العلن برغم أنهم يعملون فى الممنوع، وتأثير ذلك على الأسرة وتفكيك ثوابتها، وبالفعل كتب أبو زيد السيناريو ثم بدأ عبد الخالق فى ترشيح الأبطال، وتوقف عند شخصية "عادل" الطبيب النفسى، فى البداية رشح لها الفنان يحيى الفخرانى، الذى رفض لأنه قدم دور الطبيب فى أعمال أخرى، فتم ترشيح الفنان محمود عبد العزيز الذى أجاد الإمساك بمفاتيح الشخصية، لكن المخرج لأنه مايسترو العمل لم يترك الشخصية ليأخذها الممثل لجانبه، إنما ركز تماماً أن تكون الشخصية جادة، وتتفجر الكوميديا من المواقف التى تتعرض لها الشخصية وليس عن طريق نكتة أو حركة، لذلك استطاع المخرج أن يجبر المشاهد على الضحك برغم الدموع التى بعينه، وهى مدرسة مهمة فى الكوميديا لم يستطع الوصول إليها إلا الموهوبون، لذلك بعد نجاح فيلم العار، أصبح محمود عبد العزيز فى منطقة أخرى، والفضل فى ذلك لأسلوب على عبد الخالق.
فى مشروعهما الثانى قدم عبد الخالق، وأبو زيد فيلما بعنوان "الكيف" وأختار لبطولته محمود عبد العزيز، ويحيى الفخرانى، وجميل راتب ونورا، وناقش من خلاله قضية الكيف عن متعاطى المخدرات، ومحاولة تحليل الظاهرة بشكل علمى، حيث إنها ناتجة عن تفاعلات داخليه فى ظل وجود أصدقاء يساعدون فى الوصول لحالة النشوة فى الضحك وعمل جو مختلف تماماً، حيث قدم لهم "الحنة" على أنها مخدر "الحشيش"، لكن فى نفس الوقت هناك من يستغل ذلك فى الوصول للثراء عن طريق خلط الحنة بمواد كيميائية تحدث تأثيراً يدمر الصحة.
واستطاع عبد الخالق، أن يقدم مواجهة بين العلم والجهل بأسلوب علمى، فجر من خلاله مواقف كوميدية داخل الفيلم، عندما حدثت مناقشة بين الطبيب (يحيى الفخرانى)، وبين تاجر المخدرات (جميل راتب)، حيث قال الطبيب: إن هناك دراسة تقول إن تأثير المخدرات، خصوصا المواد الكيميائية، تدمر 20 % من خلايا المخ، فكان رد تاجر المخدرات بنفس الأسلوب العلمى بأن هذه الدراسة تمت فى الخارج ولا تصلح فى مصر، وقال أصحاب هذه الدراسة، ممن يطلقون على أنفسهم عالما متقدما لا يستطيعون أن يأكلوا طبق فول واحداً فى الصباح مثل المصريين، هذه المناقشة فجرت الضحك فى صالة العرض بشكل لم يسبق له مثيل، والفضل فى ذلك لأسلوب المخرج على عبد الخالق، صاحب نظرية السهل الممتنع.
فى نهاية الثمانينيات، قدم نفس الثنائى - عبد الخالق وأبو زيد - فيلماً آخر بعنوان "البيضة والحجر"، لكن البطولة هذه المرة كانت لأحمد زكى ومعالى زايد، حيث ناقش خلالها تحول الإنسان المثقف إلى نصاب أو دجال نتيجة للمشكلات المجتمعية التى قابلته، وبرغم أن زكى ليس كوميديانا، فإن معظم مشاهده جعلت صالة العرض تضج بالضحك نتيجة المواقف التى ساقها المخرج، ولا يزال الجمهور يردد حتى الآن الجملة الشهيرة "ويل للعالم إذا انحرف المثقفون"، وهو ما يبين لنا طريق وأسلوب عبد الخالق فى اختيار أعماله وطرحها بأسلوب بسيط يعتمد على المواقف الكوميدية.