مها عبد الفتاح تكتب ..أفعل الخير وأنسى نكران الجميل
تجد من الشائع عند ضرب المثل عن " الصبر" تذكر " أيوب " وعندما نقول " النجاة " تذكر " سفينة نوح " وعندما يأتي الحديث عن " الوفاء " نذكر " بعض الحيوانات "
ومن الأ مثال الشعبية الدارجة على ألسنة الناس " اتقِ شرّ من أحسنت إليه " وهذا المثل يصف الأشخاص الغير حافظين للجميل، سيئ الطباع، أوالناكرين أفضال ومساعدات الأشخاص لهم، بل ويردون المعروف بالإساءة ، كما أن هناك مثل شبيه به وهو الذي يقول: " إذا أكرمت الكريم ملكته، وإن أكرمت اللئيم تمرد "
هنا نتذكر صحابة رسول الله محمد صلى الله علية وسلم ،عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: " الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف " ، وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: “ما وجدت لئيمًا إلا قليل المروءة" .
حقاً وصدقاً نحن فى أشد الحاجة الى الناس الاوفياء ، في زمن إنتشر فيه الجحود والنكران في قلوب كثيرمن البشر، فلا الجميل عندهم عاد يذكر، ولا المعروف لديهم صار يحفظ.
مؤلم جداً ان يأتي اليوم الذي تشاهد فيه ان من كنت له سنداً، كان لك ضداً ومن كنت له عوناً وناصراً، يغتال الود والوشيجة ويصبح أول الغائبين وأكثر المعتذرين عند وجودك بأزمة او ملمة من حوادث الدهر ، لأنك الوحيد الذي يحرجه حضورك، فكلما رآك ذكّرته بفترة ضعفه، فصراعه النفسي مع كبريائه لا يحب من أسدى اليه معروفاً وصارت له اليد العليا في شأن من شؤونه.
ياليت هولاء يعلمون ، إن الوفاء قيمة أخلاقية وإنسانية نبيلة، بها تدعم الثقة بين الأفراد، وقد جعل الله به صلاح قوام الناس، من إتصف به أحبه الله، لأنه صفة من صفاته سبحانه وتعالى، خاصة وإن الوفاء والأصول والتقاليد والرحمة وغيرها، كلها مرادفات تحمل فى طياتها معانى جميلة حثت عليها واتفقت عليها كل الأديان ولكن هل مازالت باقية بيننا أم زالت من قواميسنا؟
نحن جميعاً نحتاج دائمًا إلى قلوب نثق بها، نتكيء عليها، تساندنا، تصون العشرة، لا تخذلنا.. ولا تخون، وهناك قصص وحكايات كثيرة تتغنى بوفاء الكلاب، في مقابل غدر وخيانة الإنسان، حتى بات الجميع يأمن تلك الحيوانات الأليفة، ويفضلها عن البشر بأنواعهم، وأصبحت الحياة وسط مجموعة من الكلاب تتسم بالصدق والأمانة، أفضل كثيرًا من العيش مع وجوه زائفة من بني البشر.
لم تكن القصص عن وفاء الكلاب بالشيئ المستحدث علي المجتمعات والبيئة العربية، فهذه القصص تضرب بجذورها في عمق التاريخ العربي، من الجاهلية وإنتشار الإسلام في شبه الجزيرة وصولاً للخلافات الإسلامية المتعاقبة والتاريخ الحديث حتي صفحات الفيس بوك لازالت تحدثنا كل يوم عن قصص لوفاء الكلاب.
هنا أتذكر بعض الابيات الشعرية التي تتحدث عن الوفاء حينما اشارت الى " رأيت الناس كيف تخون.. ورأيت الكلاب كيف تصون.. فكلما زادت معرفتى للإنسان زاد أحترامى للكلاب.. وبرضوا نقول في ناس تصون .. وناس تخون.. وناس العشرة عليها تهون .. وناس تفرحك.. وناس تجرحك.. وناس بأديها تدبحك.. وناس تدعيلك .. وناس تكيدك..وناس من قلة أصلها تنكر خيرك.. وفي ناس تبيعك وتخونك وناس تحبك وتصونك.
عليناهنا فقط أن نكون حذرين من الإحسان للئيم، " كن من الكريم على حذر إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا رحمته، ومن الفاجر إذا عاشرته، وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك، أو تسأل من لا يجيبك، أو تحدث من لا ينصت لك“.
ومع مسك الختام علينا أن نتذكر نصيحة إمام العارفين الشيخ متولى الشعراوى عندما قال أفعل الخير لوجه الله تعالى، فإن حدث نكران الجميل فالجزاء عند الله ـ عز وجل ـ محفوظ ولا يُنكر أبدًا، فالله تعالى يغار على عباده، ويحفظ الجميل ويدّخره عنده، ويرزق صاحبه بالخير في الدنيا والآخرة من أجله.