”أهمية الاجتهاد”.. محور النقاش الرئيسي بالجلسة العلمية الأولى لمؤتمر ”الاجتهاد ضرورة العصر”
ناقش المشاركون في الجلسة العلمية الأولى لمؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الثالث والثلاثين بعنوان : الاجتهاد ضرورة العصر (صوره.. ضوابطه.. رجاله.. الحاجة إليه)، "أهمية الاجتهاد" باعتبار أن العمل به أصبح ضرورة من الضرورات التي يجب على العلماء العمل بها.
كما توجه المشاركون في الجلسة العلمية الأولى من المؤتمر بالشكر إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي على رعايته للمؤتمر ولوزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة على حسن اختيار عنوان المؤتمر الذي يناقش قضية من أهم القضايا الفكرية في هذا العصر.
وانطلقت الجلسة العلمية الأولى برئاسة الدكتور عبد الله معتوق المعتوق المستشار بالديوان الملكي والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة - الكويت، وتحدث فيها،الدكتور محمد بن سعيد بن خلفان المعمري وزير الأوقاف والشئون الدينية بسلطنة عمان، والأستاذ الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع - جامعة الأزهر - مصر، والمستشار الدكتور على عمارة الرئيس بمحكمة الجنايات وأمن الدولة العليا بمحكمة استئناف القاهرة - مصر ، والدكتور عبد الحميد متولى رئيس المركز الإسلامي العالمي للتسامح والسلام - البرازيل.
وفي بداية الجلسة، أعرب الدكتور عبدالله معتوق المعتوق المستشار بالديوان الملكي والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة - الكويت عن شكره لوزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، معربًا عن امتنانه لمواصلة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية هذه الجهود العلمية المباركة، وعلى حسن اختيار عنوان المؤتمر الذي يناقش قضية من أهم القضايا الفكرية في هذا العصر.
وفي كلمته، قدم محمد بن سعيد بن خلفان العمري وزير الأوقاف والشئون الإسلامية بسلطنة عمان الشكر إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي على رعايته لهذا المؤتمر، مؤكداً أن العمل بمبدأ الاجتهاد أصبح ضرورة من الضرورات التي يجب على العلماء العمل بها في عالم تتسارع فيه الأمور يوما بعد يوم بل ساعة بعد ساعة ولم يعد مجاراته ومواكبة متغيراته أمر يسير.
وأوضح أن الفترة القادمة ستشهد تحديات كبرى ومنعطفات جسيمة فإذا لم يبدأ علماء اليوم في التفكير فيها والعمل بمبدأ الاجتهاد في إيجاد المخارج والممدوحات، فإن الوضع سيتأزم على الأفراد ويصعب على المجتمعات والدول سواء، وإننا نأمل ونرجو من هذا المؤتمر ومن أمثاله في الأقطار الأخرى أن يجتمع الراسخون في العلم في مختلف التخصصات من أجل النظر وإعمال العقل والعلم والتجربة حتى تتمكن مؤسساتنا من آداء رسالتها الحضارية وتتفاعل مجتمعاتنا مع العالم على مبدأ الشراكة الفاعلة وتحقيق المصالح المشتركة.
وأفاد بأن الاجتهاد بمفهومه الأوسع والشامل لكل مجالات الحياة ليس من أجل التأليف والتنظير والتقعيد فحسب بل من أجل التغلغل في الواقع المعاش وإيجاد البدائل، والتيسير على المجتمع، وتعزيز العمل بالجوامع المشتركة بين المدارس الإنسانية، وأن الاضطراب الكبير في العالم اليوم قيميًا وأخلاقيًا يدفعنا إلى التفكير بعمق في مآلات العلاقات الإنسانية بشكل عام، وشكل تلك العلاقات في المستقبل القريب أو البعيد، مضيفًا أن علينا مسئولية إنسانية وأخلاقية للمساهمة في وضع نهج يعيد التوازن بين المصالح ويدعوا إلى اقتراح منهج عمل للعالم ليعينه على النهوض من جديد واستشراف حياته المتوازنة التي يحيا فيها الناس على أساس من الكرامة والحقوق الأساسية والأمان النفسي.
وأشار إلى أنه يلزم لإعادة التوازن في المصالح المختلفة والمتضادة بين البشر الاتفاق على جعل الهدف من الأخلاق السعي لتحسين حياة الناس وتحقيق المستوى الأساسي من الكرامة والحقوق، وإذا تحقق ذلك فسيتبعه تحسن واضح في منظومة العلاقات الإنسانية وعلاقة البشر بالبيئة والحياة والكون، منوها إلى أن الاختلافات الدينية والثقافية إن وجدت فإنها لا تمنع وليست عائقًا عن الإيمان لوجود أرضية مشتركة وقيم متحدة، وأن الضرورة تقتضي السعي لإعادة الاعتبار لمنظومة القيم الروحية مع حركة إعمال العقل والمنطق لأن الأجيال القادمة ستتمتع بعقل منطقي وسرعة في الحصول على المعلومة مما ستدعي مستوى أعلى في مخاطبة العقل والروح.
وفي كلمته، أعرب الأستاذ الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع - جامعة الأزهر – مصر عن شكره للرئيس عبدالفتاح السيسي على رعايته هذا المؤتمر شاكرًا إياه على إنقاذه مصر من الفاشية المتطرفة الإرهابية ونهوضه بمصر نهضة في سنوات قليلة لا يمكن أن تتحقق في أربعين أو خمسين سنة.
كما تقدم بالشكر إلى وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة الوزير المجدد الذي نهض بوزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية نهضة لم يُعهد مثلها من قبل.
وأشار إلى أن المجتهد لا يمكن أن يعمل منعزلًا عن محيطه المجتمعي، بل لابد من الإلمام بالواقع المجتمعي ولابد أيضًا من معرفة فقه الشرع وفقه الواقع، مؤكدًا أنه يجب على علماء كل عصر أن يفتوا لزمانهم بمستجداته الحضارية ومشكلاته الجديدة، بشرط التسلح بأدوات الفتوى، وهي التمكن من فقه الشرع: منظومة العلوم الشرعية، وفقه الأقدمين، وفقه الواقع: منظومة العلوم الاجتماعية التي تحقق الفهم العلمي للمجتمع وجمهور المخاطبين في مختلف الجوانب الفكرية والمهنية والاقتصادية، والنفسية، والاجتماعية ، وغيرها.
وشدد على أنه يجب أن يركـز الخطاب الإسلامي على أن العلم والتعلم والتعليم والتفكير والبحث العلمي وإعمال العقل للوصول إلى سنن الله (عز وجل) في الكون والإنسان والمجتمع والتاريخ والحياة، كل هذه فرائض إسلامية، وهي فروض إسلامية واجبة، فإنه يجب أن نؤكد على فضل العقل المسلم وعلماء المسلمين في إبداع علوم طبيعية جديدة، وإبداع علوم اجتماعية جديدة، مثل: علم الاجتماع والعلوم السياسية والتربوية، وإبداع آداب وفنون عالمية، وإبداع المنهج العلمي التجريبي، كما يجب أن نؤكد أن هناك مصالح مرسلة وهي التي تتناسب مع كل عصر، وتتغير بتغير الزمان والمكان والثقافات في المجتمعات، ومن ثم فهي تحتاج إلى اجتهاد علماء المجامع الفقهية المعتمدة، ويجب الوصول بشأنها إلى أحكام شرعية، هذا مع الانضباط والتقيد بالثوابت والأصول الشرعية.
وفي كلمته، قدم المستشار الدكتور علي عمـارة الرئيس بمحكمة الجنايات وأمن الدولة العليا بمحكمة استئناف القاهرة الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي على رعايته لهذا المؤتمر، مؤكداً أن القضاء له دور مهم في الاجتهاد فالقاضي الجنائي ليس بعيدا عن الاجتهاد، حيث أعطاه المشرع سلطة تقديرية تجعله يجتهد ليقيم الدعوى، مبيناً أن الحقيقة مطلب بشري من قديم الزمان والحكم القضائي هو عنوان تلك الحقيقة التي يفهمها القاضي بناء على القواعد العلمية، وعلى القاضي أن يبحث ويجتهد لفهم أوراق الدعوى ليتمكن من طرح ما يخالف الحق وتطبيق القانون والشرع بما يوافق العقل والمنطق، فاجتهاد القاضي يؤدي إلى الاقتناع بالأدلة المطروحة في الدعوى قبل المدعى عليه فإذا ثبت لديه صحة الدعوى وجب الحكم بالإدانة للمتهم لصحة الإدانة المسندة إليه.
وأشار إلى أن اجتهاد القاضي يكون في تحقيق العدالة في إيقاع العقوبات ، وأن جميع العقوبات لها حد أدنى وأقصى، وعلى القاضي أن يجتهد في إنزال حكم القانون على واقع صحيح ، وأن القاضي ليس لديه سلطة تحكمية لإنزال العقوبة حسب هواه، وإنما بناء على خطورة الجريمة ومساسها بالمصلحة المحمية جنائيًا ، فعلى قدر فحش الفعل يشدد العقاب على الجاني، وأن إزالة آثار الجريمة أو التخفيف منها أو التصالح مع المجني عليه يتيح للقاضي تخفيف العقاب.
ونوه إلى أن من العناصر التي تؤثر في السلطة التقديرية للقاضي لتشديد العقاب وقت ارتكاب الجريمة والأداء المستخدمة في الجريمة والخطورة الاجرامية للجاني، فاجتهاد القاضي في أوراق الدعوة لاستخلاص الخطورة الإجرامية من عناصر متعددة منها الماضي الاجرامي للجاني الذي لا يرتدع من توقيع العقوبة وعدم ندمه على ارتكاب الجريمة.
ولفت إلى أن تقدير العقوبة يتطلب من القاضي إلماما كافيا بالعناصر التي يقوم عليها التقدير مما يحتاج إلى اجتهاد القاضي في تحقيق عناصر الدعوى وتمحيص أدلتها والتوفيق بينها وبين دفاع المتهم للوصول إلى وجه الحق لتقدير العقاب على أساس سليم، فقيمة الشيء المسروق إذا ارتفعت تشدد القاضي في إيقاع العقوبة، وإذا كانت بسيطة يميل القاضي إلى التخفيف، وكذلك ينظر القاضي إلى مدى الفحش في ارتكاب الجريمة، وكذلك آثار الجريمة لها دور في تحديد مدى العقاب، فكلما اتسع نطاق تلك الآثار كان القاضي أكثر ميلًا للتشديد، ومهما يكم من أمر فإن استخدام السلطة التقديرية في تقدير العقاب يتطلب من القاضي إلمامًا كافيًا بالعناصر التي يقوم عليها التقدير مما يحتاج إلى اجتهاد القاضي في تحقيق عناصر الدعوى وتمحيص أدلتها.
وفي كلمته، قدم الدكتور عبد الحميد متولي رئيس المركز الإسلامي العالمي للتسامح والسلام - البرازيل، الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسي على رعايته لهذا المؤتمر، مؤكداً أن الاجتهاد قضية العصر خاصة في ظل الترويج لنظرية الفوضى الخلاقة وهي نظرية قديمة ولكن كلما ضعفت القوة الإيمانية عند الشعوب ظهرت نداءات لأصحاب هذه النظرية الهدامة ، لكن أمتنا الإسلامية مؤيدة بعلمائها المخلصين.
وأوضح أن موضوع الاجتهاد في غاية الأهمية نظراً لتسارع الأحداث في واقعنا المعاصر، فلا يمر يوم على الإنسانية إلا وفيه جديد، كما أشار إلى أن الدنيا بأسرها عرفت الحضارة الإسلامية بفضل العلم الذي انتشر في أرجاء العالم، مشددا أننا يجب أن نقف بالمرصاد لكل من أراد أن ينل من هذه الحضارة ولا يأت هذا إلا بالاجتهاد في العلم ورد كل شيء لأهله، ولا بد من الوقوف والتصدي لأصحاب الآراء الشاذة، واحترام المؤسسات الرسمية والتي تعد مرجعية معتمدة، فالداعية يبلغ رسالة الإسلام ولا يصح له أن ينصب نفسه مفتيا، حيث إن الإفتاء له شروطه، وعدم احترام الضوابط يؤدي إلى فوضى خلاقة.
وشدد على أن المفتي لابد أن يكون موسوعيًا يجيد مختلف العلوم ، فإذا لم يكن كذلك لزم أن يستشير أهل التخصص ، موضحا أن اليسر مراد الشارع من الشرع وتعبدنا بذلك لقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وسَكِّنُوا ولا تُنَفِّرُوا" وقول الله (تبارك وتعالى ) " وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ " وقوله تعالى " وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ" فالاجتهاد لا بد أن يكون من المؤسسات التي تقوم على أهل التخصص لنحمي أبنائنا من الفتاوى التي كانت سببا في تدمير شبابنا ، كما أن الاجتهاد يوضح مدى استجابة التشريع للنوازل الطارئة والمتجددة لصلاحية ديننا لكل زمان ومكان بمعرفة المتخصصين.
وأكد أن انتشار الجهل والخرافة هو سبب ضياع الدين، وأنه يجب محاربتهما إذا أردنا أن تنهض أمتنا، مشيرًا إلى أننا كنا في أوج عزتنا عندما تمسكنا بديننا وتمسكنا بالعلم النافع وأن الإسلام كان سبب عزتنا وأن الالتجاء يكون للكتاب والسنة وليس لشخص ولا إلى كهنوت، وأنه إذا أردنا فهم الكتاب والسنة فعلينا الاجتهاد في فهمهما فهمًا صحيحًا من ذوي التخصص.