شوقي علام: المفتي يحتاج إلى نهج علمي لتأسيس فتواه وخطابه الديني
أكد الدكتور شوقي علام - مفتي الجمهورية، ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن إثراء العلوم وتوليدها يحتاج دائمًا إلى كل جهدٍ من العلماء والباحثين الجادين؛ ذلك أن دراسةَ المناطق المشتركة بين العلوم فيما بينها هو الطريق إلى تحقيق النتائج المستهدفة من هذه العلوم على أرض الواقع؛ وفي هذا السياق يأتي التلاقح بين الفتوى والبحث الاجتماعي، خاصةً وأن هناك نطاقًا واسعًا من التأثير والتأثر بينهما.
تأسيس فتواه وخطابه الديني
وأوضح د.شوقي علام ، أن المفتي في حقيقة الأمر يحتاج إلى سلوك نهجٍ علميٍّ في تأسيس فتواه وخطابه الديني، وهذا النهج العلمي الذي ينحو إليه يقترب في بعض خطوطه من البحث الاجتماعي؛ وهذا يوضح الاحتياج الحقيقي للبحث الاجتماعي في المجال الإفتائي؛ بل واحتياج البحث الاجتماعي للإفتاء أيضًا بوصفه خطابًا خاصًّا محوره الإنسان في ظل سياقه المجتمعي؛ ولذلك فإن الوصول إلى التكامل بين البحث الاجتماعي والفتوى أصبح غايةً علميةً لا يمكن النظر إليها باعتبار كونها أمرًا تحسينيًّا يزيد من جودة المنتج الإفتائي فحسب، أو يُعمِّق من نظرة العالِم والباحِث الاجتماعي فقط؛ بل صار بيان نقاط التلاقي والتأثير والتأثر والاستفادة بذلك أمرًا لا بد منه للمتصدر للفتوى حتى يقوم بدَوره الديني المهم.
جاء ذلك خلال كلمة المفتي التي ألقاها في الحلقة النقاشية التي نظَّمها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حول: "الفتاوى الدينية وقضية تنظيم الأسرة" برئاسة الدكتورة هالة رمضان مدير المركز.
وأكد مفتي الجمهورية، أن تعاون مؤسسات الدولة يعد إحدى دعائم النهوض بأدائها لأدوارها؛ فكل مؤسسة لها دورها المحوري في دعم غيرها من المؤسسات في سبيل النهضة الحضارية للجمهورية الجديدة.
وثمَّن المفتي، ما قام به المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية من دراسة أحد أهم مبادرات دار الإفتاء المصرية في 2021 وهو هاشتاج "تنظيم الأسرة جائز" الذي أطلقته الدار عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك في فبراير 2021، وتُعد هذه المبادرة في طليعة ما أطلقته دار الإفتاء المصرية من الهاشتاجات التي خاضت بها الدار غمار قضايا الأسرة في المجتمع المصري، واستطاعت بواسطتها أن تدرِس مدى تأثير جهودها السابقة في تغيير بعض القناعات الخاطئة لدى المواطنين نحو تنظيم الأسرة.
وبيَّن أن مبادرة هاشتاج "تنظيم الأسرة جائز" أفرزت جوانبَ عدةً ساعدت دار الإفتاء المصرية على تعظيم دور صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لعل من أهمها زيادة التنسيق مع مختلف المؤسسات الدينية والإعلامية لتوجيه الجمهور المعني باستقاء معلوماته الشرعية من خارج شبكة المعلومات الدولية إلى أنشطة الدار على الشبكة ومواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف أن مما أنتجته الدراسة أيضًا قوة تأثير المبادرة بالفهم والمعرفة لجواز تنظيم الأسرة بأدلته؛ ويدعم ذلك توجُّه دار الإفتاء المصرية نحو تعميق الوعي بمثل هذه القضايا من خلال وسائل التواصل؛ لأن التأثير على الاتجاهات والسلوك إنما ينبُع من بناء الوعي الصحيح؛ فالوعي أولى خطواته. ويؤكد نجاح دار الإفتاء في القيام بدورها ما أنتجته الدراسة من أن نسبة 90٪ من المتزوجين بعيِّنة الدراسة اعتقدت أن "تنظيم الأسرة جائز"؛ فيما اعتقدت 10% حُرمته، وهذا يتطلب ضرورة بذل المزيد من الجهد لمحاولة تغيير فهم هذه الفئة.
وتابع فضيلته أن دار الإفتاء المصرية على يقين من أن الخطة الأخيرة للاستراتيجية القومية للسكان (2015–2030) عندما وضعت من بين أهدافها ضرورة صياغة خطاب ديني معاصر قد وقفت بذلك على أحد أساسيات تغيير قناعات المواطنين المصريين وأفكارهم نحو فهم الواقع وإعادة تشكيل التصرفات والتوجهات بناءً على ذلك، وبعيدًا عن العادات والتقاليد الموروثة التي لا تناسب العصر الحديث.
وأشار إلى أنَّ مما تُفيده الدراسة أيضًا توجيه النظر إلى استهداف فئة المتزوجين التي لديها أقل من ثلاثة أولاد لإقناعهم؛ لا بمجرد جواز تنظيم الأسرة؛ بل بحتميته في ظل الظروف العالمية الحديثة وقلة الموارد والتوجيه الشرعي نحو بناء أمة قوية علميًّا ومعرفيًّا لا عدديًّا، ولا شكَّ أن دار الإفتاء المصرية ستضع ذلك في قائمة أهداف خطتها الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي.
وهناك الكثير من النتائج التي توصلت إليها الدراسة مما يمكن الاستفادة بها في التحسين الدائم والمستمر لحملات ومبادرات مواجهة الانفجار السكاني ودعم تنمية الأسرة المصرية؛ فوافر الشكر للقائمين على هذه الدراسة.
وأوضح مفتي الجمهورية أن دار الإفتاء المصرية لا يقف دَورها عند الإجابة عن الأسئلة الواردة لها في الوقائع التي تحدُث للأفراد؛ بل يتعدى ذلك إلى طرح القضايا المتعلقة بالشريعة التي يتوجب على المجتمع معرفة التوجه الديني الصحيح في معالجتها، وخاصة تلك المسائل والقضايا التي لا تؤثر على الأفراد فحسب، بل على المجتمع بأسره، وكذلك المسائل والوقائع التي تُثار حولها التساؤلات والجدل بما يؤثر على وحدة الصف المصري والالتفات نحو قضايا العبادة والعمران؛ فتُعنى دار الإفتاء المصرية بطرح هذه القضايا وتوجيه المواطنين نحو الأحكام الشرعية الصحيحة والممارسات التي ينبغي عليهم أن يسلكوها لمجابهة هذه المسائل.
وأشار إلى أنَّ دار الإفتاء المصرية قد استعانت في أداء رسالتها بسائر وسائل التكنولوجيا الحديثة ومختلف الإجراءات والآليات التي توصَّل إليها الباحثون واحتَرَفَها المهنيُّون في مجال التأثير المجتمعي؛ سواء باستخدام الوسائل التقليدية أو الإلكترونية؛ واستعانت بالآليات المختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها والصفحات الإلكترونية والموشن جرافيك، والإجراءات المتعددة كالهاشتاجات والبوستات وجميع ما يُستخدم حديثًا من آليات وإجراءات التواصل؛ إلى جانب لقاءات شباب الجامعات ودورات المقبلين على الزواج وإنشاء إدارة مخصصة للإرشاد الزوجي وإدارة خاصة بالحوار وغيرها من المبادرات المهمة في ذات الشأن.
وأوضح أنَّ صفحة دار الإفتاء المصرية على الفيس بوك تُعد من أقدم وأكبر صفحات التواصل الاجتماعي لمؤسسةٍ دينيةٍ حول العالم؛ وقد بنَتْ دار الإفتاء جمهورها المستهدَف في هذه الصفحة وغيرها من صفحات التواصل الاجتماعي عبر استراتيجيةٍ محددةٍ؛ تمَّت مراجعتها على مدى السنوات الماضية ودراسة نتائجها وتقييمها وتحسينها بصورة متكررة، ولا زال التحسين مستمرًّا.
وقال : "لعل أبرزَ ما يُعنَى بنطاق حديثنا هنا من هذه الاستراتيجية أنه من بين أصناف جمهور صفحة الدار على الفيس بوك طائفةٌ تعدُّ الدارَ المصدرَ الأساسيَّ لاستقاءِ الأحكام الشرعية، وطائفةٌ أخرى تأخذ منها ومن غيرها، وتستهدف الدار هذه الطائفة الأخيرة بأن تكون الدار مصدرها الأول لاستقاء الأحكام الشرعية، وقد بينت إحصائيات هاشتاج "تنظيم الأسرة جائز" في 2021 أنَّ قطاعًا كبيرًا من متابعي صفحة الدار تعدُّ هذه القضية إحدَى المسلمات، وقد ساعد في ذلك ما سبق ونشرته دار الإفتاء المصرية قبل 2021 من فتاوى حول جواز تنظيم الأسرة".
أما الطائفة الثانية من الجمهور المستهدَف فلعل هؤلاء هم مَن تفاعلوا مع الهاشتاج بعدد يصل إلى 10 آلاف، كان منهم عددٌ كبيرٌ تفاعلَ تفاعلًا إيجابيًّا بالتأييد أو علامة الإعجاب أو إعادة النشر على صفحاتهم الشخصية، وقليلٌ هم مَن تفاعلوا تفاعلًا سلبيًّا معها.
وأكَّد أن الربط بين استراتيجية الدار الموضوعة لصفحاتها على الفيس بوك وما حددته دراساتها من طبيعة المتابعين لصفحاتها ومقارنتها بنتائج الدراسة يُوقفنا على وضعِ حكمٍ دقيقٍ على مدى التفاعل مع الهاشتاج، ولكن القَدر الذي يمكن تَبنِّيه أن القضيةَ بالنسبةِ لعددٍ كبيرٍ من متابعي الصفحة تُعدُّ من القضايا التي لا تستدعي التأكيد، وهذا نابعٌ عما سبق للدار وأسسته من قناعاتٍ لمتابعيها حول هذه القضية، وهو ما كشفه هذا الهاشتاج.
وأشار إلى أن الهاشتاجات والمبادرات والحملات التي قامت بها دار الإفتاء المصرية على صفحات التواصل الاجتماعي قد توالت وهي تستهدف القضايا المختلفة للأسرة المصرية؛ وعلى رأسها تنظيم الأسرة، ومنها هاشتاج "من أجل حياة سعيدة" وهاشتاج "لتسكنوا إليها" القائم حاليًّا في صفحة الفيس بوك الخاصة بالدار.
واختتم مفتي الجمهورية كلمته بقوله: "إنه مما لا شك فيه أن النهضة المصرية وتحقيق رؤية الدولة في تحقيق التنمية تكون بالعمل الدءوب وَفقًا لتخطيطٍ حكيمٍ لن يتحقق إلا بتشكيل وعيٍ شامل في المجتمع؛ وذلك لأن العمل الناجع فرع الوعي الرشيد، ومؤسسات تكوين الوعي تلعب دورًا حيويًّا في توعية المواطن بخطورة إهمال الأسرة وأهمية مساندة الدولة في تحقيق تنمية الأسرة الشاملة والمستدامة ومواجهة جميع عوائقها ويأتي على رأسها الانفجار السكاني".