الاعلامية مها عبد الفتاح تكتب .. النكلة والتعريفة والقرش
" ليت الزمان يعود يوماً " جملة تتردد كثيراً على الألسنة، وخاصة بعد الارتفاع المستمر للأسعار الذى طال جميع السلع الأساسية، وعجزت الأسر المصرية عن مواكبته، بدء الجميع في سرد حكاويهم واستعادة ذكرياتهم عن جيل عاش " ثمن العشر بيضات بقرش "، وتحسروا على هذا الزمن الذى لم يعد موجوداً سوى فى أفلام الأبيض والأسود الكفيلة باستفزاز مشاعرك عندما تستمتع لمحادثة يتخللها جمل من نوعية "دفعت الإيجار ب50 قرش"، أو اشتريت شقة ب 20 جنيه، وغيرها من الأسعار التى كانت قديماً عادية، وأصبحت فى زمننا الحالى خيال علمى، وأخذت عيدية شلن (خمسة قروش) أو بريزة (عشرة قروش) أو ريال (عشرين قرشا) دفعة واحدة كان بمثابة عيد إضافي لنا، كانت بحق النكلة والتعريفة والقرش عيدية زمان مليئة بالبركة .
أما سعر الدولار، فهو أكثر أسباب حسرة المصريين إذا تم مقارنته بالماضى، فقديماً لم يكن للدولار وجود بجانب الجنيه المصرى، ففى أربعينيات القرن الماضى على سبيل المثال وأثناء الحرب العالمية الثانية كان الجنيه المصرى هو أقوى عملة نقدية فى العالم، وتغلب قوته الشرائية الجنيه الاسترلينى آنذاك، وفى عهد الملك فؤاد الأول كان يتم تعيين المعلم حديث التخرج براتب شهرى يبدأ من 4 جنيهات تكافئ قوته الشرائية حالياً حوالى 7 آلاف جنيه.
وفى عام 1952 بعد خروج مصر من الحرب العالمية الثانية وصل سعر جنية الملك أو " الجنيه الذهب " والذى كان يزن 8 جرامات إلى 518 قرشاً، بمحلات السرجانى بالصاغة، فقديماً كان الموظف الذى يقبض راتبه 20 جنيه، يستطيع أن يعيش حياة كريمة دون الاحتياج الى السلف والدين، بل كان يدخر جزء من راتبه فى نهاية الشهر.
وفى مقارنة سريعة اعتمدت على إعلانات الزمن الجميل، يمكننا التعرف جيداً على ما وصل إليه الحال، فعلى سبيل المثال توضح إحدى إعلانات زمان سعر الشقق السكنية على النيل مباشرة تبدأ من 18 إلى 20 جنيه فقط، و يمكن فرشها بالكامل بـ 5 جنيهات شهرياً بالتقسيط، هذا بالإضافة إلى أن الكشف في عيادات المستشفيات وفقاً للإعلانات نفسها يبدأ بـ 30 قرش فقط .
أما العروس التى تحتاج اليوم لميزانية دولة كاملة لكى تتم زيجتها فى أمان، اختلف حالها عن العروس قديماً، وهو ما توضحه إحدى الإعلانات الخاصة بتفصيل فساتين الزفاف، فستان زافاف كامل بداية من القماش وحتى التفصيل لا يتجاوز سعره الـ15 قرش، أما عن شهر العسل الذى تحول اليوم إلى خيار ما بين الزفاف أو السفر كما يفعل معظم العرسان اليوم، فكان السفر لواحدة من الدول الاوروبية لمدة 16 يوم ممكناً ومتاحاً بتكلفة لا تتجاوز الـ60 جنيه، وتشمل كافة مصاريف السفر.
وعن رائحة التاريخ تتسلل إلى أنفك وبريق الماضى يضئ أمام عينيك وأنت تتابع بشغف عملات مصر "أيام زمان" على أرصفة وسط البلد، فشاهدنا بائع عملات معدنية عشق التراث المصرى،سعر الدولار لم يتجاوز ال 32 قرش في معاملات بنوك القاهرة سنة 1950 ،الجنية كان يشتري 3 دولارات،نعم لم تستطع عملة علي مستوي العالم كانت بإستطعاتها كسرالجنية المصري.
بصراحة نفسي الأسعار ترجع تاني زي زمان... مش زي زمان قوي يعني... ممكن نقول زي من عشر سنين فاتوا، لما كنت باسمع الراجل بياع الطماطم عمّال ينادي الـ 3 كيلوا بجنيه او بتاع البلح لما كان بيقول الكيلو بجنيه وياسلام لما كانت اللحمه بـ 68 قرش وفاكرين لما كان الخمس بيضات بـ خمسة قروش، الله يرحمك ياجنيه!!
نفسي المرتب يكفيني لغايه يوم 23 في الشهر ،يعني لما الواحد يفكر سبع ايام احسن ما يفكر 30 يوم وكمان عشان الواحد ما ينساش ايام الكرب دي!! الله يرحمك يا جنيه!!
نفسي بدل ما كل يوم عمالين ننم ونغتاب في الأسعار وارتفاعها وعمالين ناخد سيئات علي الفاضي... نفسي بقا يجي اليوم اللي ندورعلي فقير او شحات نديله صدقه ، ومنلاقيش!!!
نفسى ترجع للجنية عافيتة وقوتة ، لان الجنية معناة ، المأكل ،والمشرب ،والمسكن ،والكرامة لملايين المصريين،يمثل الغاية والوسيلة في آن واحد، هو الحياة في نظر الفقراء والأغنياء على السواء.
الواقع والتاريخ يظهر أن الجنيه المصري كان دومًا أقوي وأكبر قيمة من الدولار الامريكي، وأن الوضع بدأ يختلف تمامًا خلال العشرين عامًا الماضية،فمنذ بدأ الجنيه في التداول منذ عام 1836، كان الدولار يساوي 0,14 جنيه، ليرتفع مع نهاية عام 1939 إلى 0,20 جنيه.
وفي العهد الناصري، كان الدولار الأمريكي يساوي 0,36 جنيه فحسب،ليرتفع عقب النكسة في عام 1967، إلى 0,40 جنيه، وهوم ا أستمر حتي عام 1978،وظل الدولار أقل من 1 جنيه حتي عام 1989، ليبدأ رحلة الصعود الكبير بدءًا من 1990، حيث بلغ 1,50 جنيه، ليتضاعف قيمته خلال عام واحد ويصل إلى 3 جنيه،وبنهاية تسعينات القرن الماضي، ومع استهلال الألفية الثالثة، وصلت قيمة الدولار إلى 3,40 جنيه،وتجاوز الدولار مستوي الـ 4 جنيهات خلال عام 2001، بتأتي القفزة الأكبر في عام 2003، والتي انتهت بوصول الدولار إلى مستوي 6,2 جنيه،ومنذ هذا التاريخ.. والدولار فى تزايد مستمر.
الجميع الان يتبادر في ذهنه السؤال التالي: "الجنيه رايح فين؟" الحقيقة أنه لا توجد توقعات من الممكن أن تجيب بدقة علي هذا السؤال، لكن من المتوقع انخفاض الجنيه أمام الدولار حتي نهاية العام، وهذا يعنى أنه من الممكن أن يصل الجنيه إلي 35 جنيهاً.
فى النهاية يا رب " مصر" التي أرسلت لها يوسف ليحفظها من سنوات العجاف ، يا رب مصر التي أرسلت لها موسي ليحفظها من عبادة الأصنـام ، يا رب مصر التي أرسلت منها هاجر زوجة ابراهيم عليه الســـلام ، يا رب مصر التي جعلت منها مارية القبطية زوجة لحبيبك العدنان ، يا رب مصر التي أرسلت فيها عيسي بإنجيلك عليه الســــــلام ، يا رب مصر التي ذكرتها في قرآنك ووصفتها بالأمن والأمــــــــان ،اللهم بحق كل نبي وضع عليها قدمه ، وذكر فيها اسمك ، وتلى فيها كتابك ، واثنى عليه خيراً كما اثنى عليها سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ووصفها بخير أجناد الأرض أن تحفظ مصر من كل سوء وشر يا أرحم الراحمين ، ومن أراد بأهلها كيداً فعليك به يا رب العالمين .