محمد عبد الظاهر محافظ القليوبية والاسكندرية الاسبق يكتب.. عن انتخاب المحافظ
مع قرب اجراء حركة تعين المحافظين يكثر الكلام عن آليات اختيار المحافظين ويطالب البعض بانتخاب المحافظ علي اعتبار ان الانتخاب افضل من تعيين المحافظ خاصة ان الدستور ترك للقانون حرية الاختيار
وهو كلام محترم ووجهات نظر تحتاج الي شرح وتوضيح لبعض النقاط المهمة حتي يكون اختيار المحافظين سواء كان بالانتخاب او بالتعيين علي أساس دستوري وقانوني سليم وفي إطار الأنظمة المحلية المستقرة بعد ان تكرر السؤال في محافل ومواقع كثيرة
وهذا المقال ليس رأيا شخصيا في انتخاب المحافظ او تعيين المحافظ فانا لست مع او ضد انما الهدف من المقال هو شرح اليات الوصول لنظام محلي محترم يتوافق مع الدستور أسوة بما هو مطبق من الانظمة المحلية في كل دول العالم وهي انظمة مستقرة وناجحة في دول كثيره سافرنا اليها ودرسنا انظمتها المحلية وانبهرنا بها وعرفنا ان اي فشل في اي نظام محلي هو فشل في التطبيق بسبب تدخل الهواه وأصحاب المصالح بما يعني انه ليس فشل في النظام المحلي نفسه.
وقد جاء هذا المقال من اجل توضيح بعض النقاط التي تساعد المواطن قبل المشرع علي فهم الأنظمة المحلية في العالم عند اعداد القانون الجديد ويتعرفوا علي آليات العمل المحلي وفقا للانظمة المحلية العالمية حتي يكلل الله جهودنا جميعا بالنجاح في اصلاح الادارة المحلية وتحقيق رضاء شعبي في كل ربوع مصر وعمل تنمية محلية حقيقية تساعد في زيادة الناتج المحلي الاجمالي وتقديم خدمات افضل للمواطنين بشفافية وحرفية .
فالجميع يعلم ان النظام المحلي في كل دول العالم عبارة عن جناحين اساسين «الجناح الاول يدير الجهاز التنفيذي ، والأخر يراقب ويحاسب ويتابع عمل الجهاز التنفيذي»
فنجد في كل الانظمة المحلية ان هناك محافظ معين من الحكومة المركزية ، ومجلس محلي منتخب من ابناء المحافظة ولا يوجد محافظ منتخب ومجلس محلي منتخب في اي دولة إلا في النظام الفيدرالي مثل الموجود في امريكا وهذه النظام مختلف وخارج الحسابات الان لاسباب كثيرة مش وقتها حاليا
وبعيدا عن الفيدراليه فان الدستور في كل دولة مسئول عن تحديد اي من جناحي الادارة المحلية يكون مسئولا عن ادارة الجهاز التنفيذي ، وايهما يكون مسئولا عن الرقابة والمتابعة والمحاسبة .. ولابد أن يلتزم القانون بذلك ويحدد الاختصاصات والصلاحيات لكل منهما
فنجد ان الدستور الفرنسي مثلا اختار للنظام المحلي الفرنسي ان يكون الجناح المنتخب هو المسئول عن الادارة ، بمعني ان المجلس المحلي المنتخب في فرنسا ورئيسه المسمي بالعمدة هو المسئول ادارة الجهاز التنفيذي طبقا لدستورهم في اطار نظام واليات وضعها القانون عندهم .. وبذلك وتلقائيا اصبح المحافظ المعين من الحكومة المركزية هو الجناح الاخر المسئول عن المتابعة والرقابة والمحاسبة لضمان ان العمدة المنتخب يقوم بالعمل ويدير في إطار السياسة العامة للدولة وملتزم بقوانينها ، ويتولي المحافظ ايضا مهمة التواصل بين الحكومة المركزية والمحافظة بمجلسها المحلي وعمدتها الذي يدير المحافظة طبقا لدستورهم ، كما يقوم المحافظ بالتنسيق بين محافظات الاقليم في المشروعات المشتركة
وفي النظام المحلي المصري اعطي الدستور للمجلس المحلي المنتخب مسئولية الرقابة والمتابعة والمسائلة والتواصل مع المواطنين ونقل رغباتهم وطلباتهم واحتياجاتهم في كل مركز وقرية ونجع الي الجهاز التنفيذي لحلها وتعديل ألاولويات طبقا لاحتياج الفعلي المواطنين .. وبالتالي يكون المحافظ المعين وبدون نص هو المسئول عن ادارة الجهاز التنفيذي
ومن هنا يتاكد للجميع ان المحافظ في كل الاحوال معيين من الحكومة المركزية سواء كان هو المسئول عن ادارة الجهاز التنفيذي مثل مصر او مسئول عن الرقابة والمتابعة مثل فرنسا ..
ومن اهم اسباب تعيين المحافظ في كل الأنظمة المحلية هو ضمان استقرار المحافظة واستمرارها تحت سيطرة الحكومة المركزية بما يؤكد وحدة الدولة ومن اجل ذلك يصبح من الضروري ان يكون المحافظ تابع للحكومة المركزية ويتم تعينه بمعرفتها ويقسم قسم الولاء أمام رئيس الدولة ويمثل الحكومة في الإقليم وينفذ سياستها حتي لا تفقد الحكومة المركزية السيطرة علي المحافظات البعيدة بمعني ان المحافظ هو رجل الدولة القوي في المحافظة ويدين للحكومة المركزية بالولاء ويتواصل معها ، ويكون المجلس المحلي المسئول عن الرقابة الشعبية منتخب من المواطنين في المحافظة ويدين لهم بالولاء ويعمل علي حل مشاكلهم وينقل طلباتهم واحتياحاتهم للمحافظ ويتابع حلها مع الجهاز التنفيذي وتعديل أولويات العمل في المحافظة طبقا للواقع والاحتياج الفعلي
فلو كان المجلس المحلي منتخبا والمحافظ منتخبا وتكون من صلاحيات المجلس المحلي سحب الثقة من المحافظ كما اشار القانون الجاري إعداده فلن يكون هناك ولاء من المحافظ للحكومة المركزية ويتفرغ لأرضاء ناخبيه والمجلس المحلي صاحب القرار في سحب الثقة منه وتفقد الدولة السيطرة علي المحافظات وقد يؤثر ذلك علي استقرارها وامنها وتتزايد الصراعات بين المحافظ المنتخب والمجلس المحلي المنتخب والمتضرر دائما هو المواطن
وبذالك يتاكد لنا ان المادة 179 من دستور 2014 التي يستند اليها البعض لانتخاب المحافظ والتي تنص علي ان "يحدد القانون طريقة اختيار المحافظ بالانتخاب او بالتعين" قد جاءت للترضية فقط ولا تتوافق مع اي نظام محلي في العالم وما كان يجب أن توضع في الدستور خاصة بعد ان اعطي الدستور للمجلس المحلي كل صلاحيات المحاسبة والمراقبة والمتابعة واختصه بها ، فتلقائي تكون اداره الجهاز التنفيذي للمحافظ المعين دون تفكير ودون نص حتي يكتمل النظام المحلي اسوة بكل دول العالم فنحن في غني عن خلق نظام محلي جديد بوجهات نظر تختلف عن الانظمة المحلية المستقرة والناجحة في دول كثيرة
وقد تابعنا جميعا النظام المحلي الفرنسي ونشاهد عمدة باريس المنتخب وهو نفسه رئيس المجلس المحلي المنتخب وصاحب صلاحيات الادارة طبقا لدستورهم . ونسمع ايضا عن محافظ الإقليم وهو المحافظ المعين من الحكومة الفرنسة ويمثلها في الاقليم ويكون له صلاحيات الرقابة والمتابعة والمحاسبة لضمان ان العمل يتم في إطار القرارات والقوانين المركزية وفي نفس الوقت يقوم بالتواصل مع الحكومة المركزية والتنسيق معاها
وقد سبق ان كتبت مقالات كتيره تم نشرها بالجرائد وموجودة علي صفحتي اوضحت فيها الكثير عن الانظمة المحلية وكيف ان انتخاب المحافظ سوف يتأثر بسيطرة رأس المال والقبلية والحزبية دون النظر للكفاءة الادارية والعلمية
وقد رفضت في كل كتاباتي عن الادارة المحلية النص الخاص بان تكون وحدات الادرة المحلية هي "المحافظة ، والحي ، والمدينة ، والقرية" وان يتم تعديل ذلك ليصبح النص البديل .. تتكون المحافظة من وحدات محلية هي "الحي والمدينة والقرية" حتي نعطي للمحافظة وضعها كمسئولة عن ادارة هذه الوحدات المحلية وحتي لا نقلل من قيمة المحافظه ومنصب المحافظ وصلاحياته حتي لا يتساوي مع رؤساء الوحدات المحلية الاخري التي يرأسها .. وقد ورفضت ايضا ان يقوم المجلس المحلي بسحب الثقة من المحافظ مثله مثل رؤساء الوحدات المحلية التابعة له والاسباب كثيرة منها ان المحافظ معيين من رئيس الدولة والرئيس هو الوحيد الذي يقيله ، فمن مسئوليات المحافظ مثلا التواصل مع الحكومة المركزية ويلتزم بتعليماتها وقونينها وميزانياتها وهي التي قامت بتعينه وخصصت له الميزانيات وحددت له اولويات العمل ووضعت اجهزة لمراقبته هو وجهازه التنفيذي بالاضافة إلي الرقابة الشعبية الممثلة في المجلس المحلي ووارد جدا ان يحدث خلاف بين المحافظ والمجلس المحلي بسبب تنفيذه لسياسة الدولة والالتزام بتعليماتها فلابد وجود آليات للعرض علي رئيس الوزراء للفصل في هذا الخلاف وبما ان رئيس الجمهورية هو الذي قام بتعين المحافظ فيكون الرئيس هو الوحيد الذي يستطيع اقالته بناء علي عرض من رئيس الوزراء محدد فيه اسباب الإقالة
ونامل ان ينص القانون الجديد ايضا علي صلاحيات واضحة للمحافظين يتم محاسبتهم بناء عليها ، مع وضع اليات محددة لاختيارهم ومدة بقائهم ، ووضع ضوابط وأسباب محددة لاقالتهم في حالة استبعاد اي منهم قبل انتهاء مدته حتي يثق الجميع في الدولة وفي نظامها المحلي اسوة بكل دول العالم
وقد أوضحت ايضا عن ضرورة وجود آليات قانونية واضحة لسحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية او مدريات الخدمات وعن امكانية انتخاب رؤساء البلديات ومسؤلي النظافة وغيرها من الامور المحلية المهمة
وكما أكرر دائما ان موضوع الادارة المحلية كبير ومهم جدا ولا يمكن أن ينتهي بمقال فنحن الان أحوج ما نكون الي الخبراء المتخصصين لعمل قانون ادارة محلية جديد يؤسس لنظام محلي محترم يليق بمصر اسوة بما هو موجود في كل دول العالم وبما يتوافق مع الدستور من أجل مستقبل أفضل لبلادنا واولادنا وهي انظمة محلية مستقرة وناجحة في دول كثيرة سواء كان المنتخب هو الذي يدير او المعين هو الذي يدير ، المهم يكون النظام المحلي يتوافق مع الدستور ومستند الي الانظمة المحلية العالمية ويكون التطبيق صحيحا ويحقق اللامركزية المالية والادارية ودون تعدد في الولايات والاختصاصات وبدون تدخلات بوجهات نظر من غير خبرة محلية عملية وعلمية.
ولابد ان يتم الإصلاح المحلي سريعا كي تصبح الادارة المحلية كما نتمني جميعا وتستطيع ان تساعد في حل مشاكل التعليم والصحة والاستثمار المحلي وتقديم خدمات افضل للمواطنين وان تحافظ علي الإنجازات والمشروعات العملاقة التي تنفذها الدولة في كل مكان ، وتقلل الضغط علي الحكومة المركزية .. ولن يتحقق ذلك إلا باصلاح شامل للادارة المحلية واصدار قانون ادارة محلية يراعي احوال العاملين في الادارة المحلية ويساعد في خلق نظام محلي محترم ومؤسسات محلية فاعلة وقادرة علي تقدم خدمات افضل للمواطنين وعمل كادر محلي مدرب ومؤهل يتم من خلاله اختيار قيادات محلية متميزة وقادرة علي تنفيذ القانون علي الجميع .. مع ضرورة وضع الضوابط والاليات التي تساعد علي اختيار محافظين مؤهلين وقادرين علي ازالت المعوقات المحلية وتشحيع الاستثمار وانتخاب مجلس محلي قوي قادر علي الرقابة والمتابعة والمساءلة والتشريع المحلي والتواصل مع المواطنين وتطبيق اللامركزية المالية والادارية وتقليل حجم المحافظات وخلق محافظات جديدة
وفي الختام اتمني من الله ان يوفق الرئيس في اصلاح ما افسده الزمن والاهمال وان يتمكن مجلس الشعب من اصدار قانون محلي يليق بمصر
كاتب المقال محمد عبدالظاهر الامين العام السابق للحكم المحلي محافظ القليوبية والاسكندرية الاسبق