جماعة الدم ” ٥” حين إلتهمت نار الإخوان مدينة القاهرة
تمر هذه الأيام ملحمة الإسماعيلية تلك البطولة التى ستظل خالدة فى ذاكرة الوطن .. حين تصدت قوات الشرطة الباسلة لقوات الإحتلال البريطانى الغاشم .. نحو ٨٠٠ ضابط جندى تحصنوا بمبنى محافظة الإسماعيلية رفضوا الإنذار البريطانى بتسليم أسلحتهم والسماح لقوات الإحتلال بالقبض عليهم .. واجهوا بكل شجاعة نحو ١٥ ألف جندى من قوات الإحتلال مدججين بأعتى الأسلحة الحديثة فى ذلك الوقت .. وقاوموا ببسالة ووطنية نادرة حتى آخر رصاصة فى بنادقهم وأستشهد عدد كبير من رجال الأمن وألقى القبض على الباقين.
أعقب هذه الجريمة السافرة من جانب أباطرة الإحتلال واقعة أخرى لا تقل إجراماً عما إرتكبه الطغاة الإنجليز بالإسماعيلية ولكن هذه المرة فى محافظة القاهرة ، أما الجناة فى هذه المرة كانوا أباطرة تنظيم الإخوان.
تفاصيل هذه الجريمة الشهيرة بـ " حريق القاهرة " تنشرها " بوابة الدولة الإخبارية " فى إطار عرضها لكتاب جماعة الدم للكاتب الصحفى عبد الناصر محمد والذى سوف يتم عرضه فى معرض القاهرة الدولى للكتاب والذى صدر عن دار العالمية للصحافة والنشر والتوزيع برئاسة الكاتب الصحفى هشام جاد وسوف يعرض الكتاب بجناح دار المعارف .
حين التهمت نيران الإخوان مدينة القاهرة
الجماعة المشبوهة نفذت المؤامرة الإنجليزية وحرقوا العاصمة
من لا يعرف شيئا عن حريق القاهرة يوم ٢٦ يناير ١٩٥٢ فعليه أن يسترجع ذكرياته عما يسمى بجمعة الغضب يوم ٢٨ يناير ٢٠١١ وسيجد الجريمتين وجهان لعملة واحدة ويكتشف ببساطة أن المجرم واحد.
البداية :
نحن الآن يا سادة في مساء يوم ١٨ أكتوبر سنة ١٩٥١ حيث فجر مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء مفاجأة من العيار الثقيل، وأعلن وسط تصفيق هيستيري من نواب البرلمان إلغاء معاهدة ٣٦ مع المملكة البريطانية. إلغاء المعاهدة جرد المستعمر الإنجليزي من الامتيازات والإعفاءات التي كانت تتمتع بها القوات البريطانية في مصر مع منع دخول الرعايا البريطانيين ما لم يكونوا حاصلين على تأشيرات دخول من السلطات القنصلية المصرية. على الفور قررت قوات الاحتلال اتخاذ خطوات انتقامية للرد على هذه الخطوة الجريئة من جانب حكومة الوفد، والتي اعتبروها إهانة للذات الملكية البريطانية، خاصة أن هناك غطاء دولي بعد استنكار فرنسا وأمريكا القوة الإمبريالية الجديدة وحلف الأطلنطي لقرار إلغاء المعاهدة، وإعلان تلك الدول الغاشمة تأييدها التام لأي خطوة تتخذها قوات الاستعمار للرد على هذا القرار.
بدأت خطوات تنفيذ مؤامرة إسقاط حكومة الوفد، ووضعت المخابرات الإنجليزية مخطط مشبوه لتخريب القاهرة بعد أن تم الاتفاق مع الملك فاروق الذي سيكون له دور خلال تنفيذ المؤامرة، والذي رحب بالمخطط، خاصة وأنه وجدها فرصة هو الآخر للتخلص من حكومة الوفد الكاره لها. وفى الوقت نفسه عقدت جنرالات الاحتلال اجتماعا سريا مع حسن الهضيبى مرشد عام الجماعة في ذلك الوقت، والذي واصل مسلسل العمالة عقب مقتل حسن البنا في ١٢ فبراير ١٩٤٩ ، وتم الاتفاق على استخدام عناصر التنظيم الخاص الذي كان يرأسه في ذلك الوقت سيد فايز أحد العناصر المدربة جيدا في ارتكاب أعمال التخريب، وأحد تلاميذ عبد الرحمن السندي الذي كان مغضوبا عليه عقب خروجه من السجن بعد تنفيذ الحكم لمدة عامين في قضية السيارة الجيب .. وكانت المفاجأة أن الإنجليز ألمحوا للإخوان أنهم قد يضحون بالملك فاروق، ومن ثم أعتقد الإخوان أنها فرصة للقفز على الحكم؛ لذلك صدرت أوامر لجميع أعضاء التنظيم السري والذين تجاوزت أعدادهم نحو ٥ آلاف عنصر بأن يكونوا على أهبة الاستعداد، مع تكثيف تدريباتهم القتالية وتدريبهم على عمليات التخريب.
بداية تنفيذ المؤامرة :
بدأ الإنجليز في اتخاذ خطوات استباقية عدائية، ففي أول ديسمبر ١٩٥١ ارتكب رجال المستعمر الغاشم جريمة في حق الإنسانية، حيث تم هدم كفر " أحمد عبده " بالسويس في عملية استعراضية ضخمة اشتركت فيها ٢٥٠ دبابة و٥٠٠ مصفحة بحجة وجود فدائيين بالكفر، ولكن كان الهدف إحراج حكومة الوفد، وظهورها بمظهر الضعيف أمام الشعب، وردت الحكومة بسحب السفير المصري من بريطانيا، وطرد جميع البريطانيين العاملين بالدواوين الحكومية المصرية. وفى نهاية ديسمبر من العام ذاته نشأت حركة جديدة أطلقت على نفسها اسم " إخوان الحرية "، وهى نفسها التنظيم الخاص للإخوان، وفى ٤ يناير ١٩٥٢ قامت هذه الحركة بحرق كنيسة بمدينة السويس، وحاولوا إلصاق التهمة بالفدائيين لزرع الفتنة الطائفية.
مجزرة الإسماعيلية :
اليوم .. الجمعة ٢٥ يناير ١٩٥٢ بمحافظة الإسماعيلية - الحكاية جريمة استعمارية سافرة تعد وصمة عار في جبين الطغاة الإنجليز :
البريجادير " أكسهام" قائد القوات البريطانية بمنطقة القناة يستدعى ضابط الاتصال المصري ويسلمه بدون مبرر إنذارا بأن تسلم قوات البوليس المصري بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وتجلو عن المحافظة والثكنات وترحل عن منطقة القناة كلها. بكرامة واستبسال قوبل الإنذار الإنجليزي السافر بالرفض، وطلب فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية آنذاك من قوات البوليس المصري بالإسماعيلية المقاومة والصمود حتى آخر جندي وآخر رصاصة. تحصنت قوات البوليس المصري، وعددهم حوالي ٨٠٠ ضابط وجندي، داخل مبنى المحافظة، وقبل غروب هذا اليوم حاصر٧ آلاف جندي بريطاني مدججين بالأسلحة الثقيلة ديوان المحافظة، وتم قصفها، واستمر رجال مصر الشرفاء في المقاومة لمدة تتجاوز ساعتين، سقط منهم ٥٠ شهيدا وأصيب ٨٠ آخرون حتى نفدت الذخيرة وأسر باقي الرجال البواسل. في هذه الأثناء وبناء على الأوامر الإنجليزية انتشرت العناصر الإخوانية في شوارع وحواري القاهرة تذيع خبر المجزرة، وتدعو للتظاهر غدا السبت الموافق ٢٦ يناير ١٩٥٢، وتم التركيز على طلبة الجامعات وعمال المصانع على أن يكون التمركز الرئيسي بميدان العتبة بوسط البلد ظهر ذلك اليوم. وفى الوقت نفسه قامت عناصر التنظيم الخاص بتجهيز زجاجات المولوتوف بعد استخدام مواد شديدة الاشتعال، والتي كانت تستوردها فقط شركة " شل " الإنجليزية - لاحظ التشابه مع أحداث يناير ٢٠١١ - واستعان فريق التخريب الإخواني بالخريطة التي سبق وأن أعدها السندي للمواقع المستهدفة بالقاهرة عام ١٩٤٨ ، والتي ضبطت نسخة منها في حقيبة مصطفى مشهور، وتم ضمها لملف قضية السيارة الجيب، والتي تعد دليلا قاطعا على تورط العناصر الإخوانية العميلة في حريق القاهرة.
النيران تحاصر القاهرة :
في صباح يوم السبت ٢٦ يناير ١٩٥٢ فوجئ جميع ضباط الحربية والبوليس بالقاهرة بدعوة من الملك فاروق لحضور مأدبة بحجة الاحتفال بقدوم ولى العهد أحمد فؤاد، ومن ذا الذي يجرؤ على عدم الاستجابة لدعوة الملك؟! فتوجه الجميع إلى قصر عابدين لتلبية الدعوة ، والغريب أنه لم تتم دعوة حيدر باشا وزير الحربية، وفؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية، وكان الهدف بالطبع كما هو متفق عليه بين الملك الفاجر ورجال الاستعمار من هذه المأدبة المفاجئة غير المبررة هو إحداث فراغ بالعاصمة حتى يتم تنفيذ المؤامرة بلا أية مضايقات لقراصنة التخريب من الجهات الأمنية.
وفى الوقت نفسه وفى تمام الساعة الحادية عشرة ظهرا تجمع بالفعل عدد كبير من المواطنين خاصة بلوكات النظام التابعين لوزارة الداخلية، وطلبة الجامعات، وعمال المصانع، واندس بينهم أباطرة تنفيذ المخطط المشبوه من العناصر الإخوانية كما هو متفق عليه في ميدان العتبة، فيما تمركزت عناصر أخرى في عربات جيب ودراجات بخارية عند بعض المواقع المستهدفة منتظرين إشارة بدء الخراب، وهى حين تشتعل المظاهرات، وتعم الفوضى وذلك بناء على أوامر سيد فايز زعيم التنظيم الخاص. واستمرت المظاهرات الغاضبة تندد بمجزرة الإسماعيلية، وعلى الفور اتجهت عناصر إخوانية إلى كازينو أوبرا وألقت زجاجات مولوتوف محملة بمواد شديدة الاشتعال فأكلت النيران في ثوان معدودة محتويات الكازينو بأكمله، وبنفس الطريقة اتجهت فرقة أخرى إلى فندق شبرد الذي كان يقع في ذلك الوقت في شارع إبراهيم باشا " الجمهورية حاليا"، وبنفس أساليب الخسة والوضاعة تم حرقه بالكامل مما تسبب في انهياره .
وبنفس الأسلوب المشين انقض محترفي الحرق على قلب العاصمة بأعصاب باردة إلى الأماكن المحددة سلفا، حيث تتقدم مجموعة لاقتحام الأبواب، إما بأنفسهم أو بعمل فجوة بمواقد الإستيلين، ومجموعة ثانية تقذف في جوف المبنى المواد الناسفة والحارقة، وتندفع خارجه وبعد ثوان معدودة وفى لمح البصر يكون المبنى شعلة من النيران، وبعد أقل من دقيقة تنتقل فرق التخريب إلى مبنى آخر، وقد استولت عناصر الإخوان على سيارة جيش كانت تابعة لليوزباشي فؤاد عبد القادر أحد المدعوين للمأدبة الملكية، وقاموا بتحميلها بجالونات البنزين والكيروسين، وتم استخدامها في الحريق، وهو ما أعطى انطباعا للبعض بأن الجيش وراء الحريق. وهكذا تحولت القاهرة إلى قطعة من جهنم، فأتت النيران على نحو ٧٠٠ منشأة في وسط البلد، أبرزها فنادق شبرد، وميتروبوليتان، وفيكتوريا، وبنك باركليز، ودور سينما مترو وميامى وريفولى، والعديد من الحانات والمكاتب الأجنبية، والمتاجر الكبرى صيدناوى وفيردى وشملا وشيكوريل.
والغريب أنه رغم كل هذه الأدلة القاطعة نجد بعض المؤرخين حتى الآن يزعمون أن الجاني في حريق القاهرة لازال مجهولا .. عجبا لمؤرخين لم يقرؤوا تاريخ بلادهم !!!
المراجع
مذكرات فؤاد سراج الدين .
مذكرات عواد حسن جاسوس للإنجليز كان يعمل لحساب الفدائيين .
مذكرات مرتضى المراغي أول وزير داخلية بعد الحريق .
اقرأ ايضاً
جماعة الدم .. إصدار جديد لدار العالمية للصحافة والنشر والتوزيع
” بوابة الدولة ” تبدأ نشر حلقات كتاب ” جماعة الدم ” للكاتب الصحفى عبد الناصر محمد
” بوابة الدولة ” تواصل نشر حلقات كتاب جماعة الدم للكاتب الصحفى عبد الناصر محمد ” الحلقة الثالثة ”
البركان الخامد : الحلقة الثانية من كتاب جماعة الدم للكاتب الصحفى عبد الناصر محمد
كتاب جماعة الدم ” ٤ ” .. رصاصات الغدر الإخوانى على حائط منزل المفكر العظيم ” عباس العقاد ”