الدكتورة هند الحفناوي تكتب: عناد الطفل ما بين الاستقلال والاضطراب
العنــاد عنــد الأطفــال قــد یعــد ســلوكاً إعتیادیــا،ً خصوصـاً غیـر المبـالغ فیـه، حيث أنه وسيلة يستخدمها الطفل للتعبير عن إرادته لتكوين كيان وذات مستقلة عن الآخرين، فهو جزء من مراحل تكوين نموه النفسي واكتشافه لشخصيته. وبمرور الوقت وبالتعامل الحكيم والمرن من الكبار يصبح أكثر إطمئناناً على إستقلال ذاته، فيدرك الفرق بين الخضوع والتعاون ويتعلم أن العناد ليس الحل الأمثل للتعايش، وأن التعاون ييسر له الكثير من الأمور الحياتية.
إلا أن كثير من الأطفال يكون عنادهم أكبر من أقرانهم ويرفضون الإنصياع لتوجيه الآباء والمعلمين وممثلي السلطة عموماً، إذ أن عنـاد الطفل فـي الحیـاة الیومیـة فـي البیـت والمدرسـة يجعلـه صـعب الإرضـاء وهـو بهـذا لایُثیـر عواطـف الآخـرین معـه، بـل ربما على العكس فیتعامل معه الآخرون ببرود وإهمال، ويصل عناده إلى درجة تضر بمصلحته أو مصلحة أسرته وهنا يصبح العناد اضطراباً سلوكياً يسمي اضطراب العناد الشارد أو العناد والتحدي.
وقد عرفت الجمعية الأمريكية للطب النفسي في الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للأمراض العقلية اضطراب العناد والتحدي على أنه نمط متكرر من السلوك العدائي والسلبي والمعارض والعصياني تجاه رموز السلطة، والذي تستمر أعراضه لمدة ستة أشهر على الأقل. ويشمل ذلك سلوكيات مثل تصلب المزاج، والجدال مع الكبار، وتحدي تعليمات الكبار، ورفض القواعد والقوانين، وإزعاج الآخرين عمداً، ولوم الآخرين على أخطائه أو سوء سلوكه، والحساسية الشديدة، وسهولة الاستثارة والغضب، والرغبة في الانتقام. وقد تم تعديل التصنيف مرة أخري في الإصدار الخامس والأخير من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية والعقلية حيث أصبح يصنف كاضطراب مستقل ضمن اضطرابات السلوك الفوضوي والتحكم الاندفاعي واضطراب المسلك.
وغالباً ما يظهر اضطراب العناد والتحدي في سن مبكر أي في سن الثالثة تقريباً من العمر، ويكثر هذا الاضطراب في الذكور عن الإناث قبل البلوغ أما بعد البلوغ فيتساوى الجنسين. وإذا ما ترك بدون علاج فقد تستمر أعراضه مع الكثير من الأطفال لعدد سنين أطول. وفي بعض الحالات قد يتطور إلى اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع.
كيف يمكنني التعرف علي اضطراب العناد والتحدي ؟
طبقاً للإصدار الخامس والأخير من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية والعقلية فإن أعراض الاضطراب تكون نمط من المزاج الغاضب العصبي، والسلوك المجادل المتحدي، أو الانتقامي يدوم لفترة لا تقل عن 6 أشهر. كما يثبت بما لا يقل عن أربعة أعراض من أي من الأعراض التالية، والتي قد تصدر خلال التفاعل مع شخص واحد على الأقل من غير الأشقاء.
• يرفض بشدة الامتثال لطلبات الكبار أو القواعد التي يدعمها الإجماع.
• غالباً ما يفقد مزاجه بسهولة و ينفجر غاضباً.
• يغلب في تصرفاته تعمد فعل الأشياء التي تضايق الآخرين.
• يتحدى ويرفض أوامر الآخرين بشكل دائم.
• غالباً ما يلوم الآخرين على أخطائه هو.
• يتعمد استفزاز الآخرين وافتعال المشاكل.
• كثيراً ما يغضب ويعاند.
• غالباً حقود ومحب للإنتقام.
• كثيراً ما يحلف أو يستخدم ألفاظ سوقية.
• غالباً ما يجادل الكبار والراشدين.
• غالبا ما يسهل استثارته.
كيف يمكن تحديد شدة الاضطراب؟
• خفيف: حيث تقتصر بعض الأعراض علي موضع واحد فقط مثل: المدرسة أو البيت أو مع الأقران
• متوسط: حيث تكون بعض الأعراض موجودة في إثنين علي الأقل من المواضع.
• شديد: حيث تكون بعض الأعراض موجودة في ثلاثة أو أكثر من المواضع.
عوامل ظهور إضطراب العناد المتحدي:
حتي الآن لم تتوصل الدراسات الي السبب الرئيسي لظهور الاضطراب، والرأي الأكثر شيوعا هو أنه يظهر نتيجة لخليط من العوامل الوراثية والإجتماعية والنفسية لدى الأفراد. وطبعاً قلة الدفء والإشراف الأسري تزيد من إحتمالية ظهور الاضطرابات السلوكية في العموم.
كيف يمكنني مساعدة طفلي الذي يعاني من اضطراب العناد والتحدي؟
• كن دائماً مصدر للأمان والثقة لطفلك واعمل علي إحترام شخصيته وتأكيد ذاته.
• قم بتوعية طفلك بتعاليم الحياة، حدثه عن حقوقه وواجباته تدريجياً منذ الصغر.
• قم دائماً بالبناء على الإيجابيات، وامدح الطفل ودعمه بإيجابية عندما يُظهر المرونة أو التعاون.
• حث طفلك دائماً علي التحدث عما يزعجه واستمع له.
• لا تستسهل الاستجابه لعناد الطفل و طلباته الخاطئة، بل تناقش معه بهدوء في الأمر وعواقبه.
• خذ إستراحة إذا كنت على وشك جعل الخلاف مع طفلك أسوأ. هكذا تكون نموذج جيد لطفلك لمنع المبالغة في رد الفعل.
• قم بتكليفه بمهمة ما تتناسب مع سنه لكي يشعر بأهميته ويسعي للتعاون.
• إختر الوقت المناسب للنقاش وذلك نظراً لأن الطفل المصاب باضطراب العناد المتحدي يواجه صعوبة في تجنب صراعات القوة.
• إحرص علي المساواة في المعاملة بين جميع الأبناء.
• ضع حدودًا معقولة ومناسبه للعمر مع عواقب يمكن فرضها باستمرار واحرص علي فرض العقاب الفوري حتي يدرك الخطأ وعواقبه، وذلك طبعاً بعد الإنذار والتنبيه.
• حافظ على إهتماماتك بخلاف طفلك المصاب باضطراب العناد الشارد، بحيث لا تستهلك طاقتك بالكامل وتذكر دائماً أنك القدوة الأساسية لطفلك.
• قم بالتنسيق مع المدرسة والمؤسسات الاخري عن كيفية التعامل مع وضع طفلك واحرص علي المتابعة.
• أطلب المساعدة من المختصين لدعمك ودعم طفلك.
قد يشمل علاج اضطراب العناد والتحدي:
• تدريب الوالدين على إدارة سلوك الطفل.
• اللجوء إلي العلاج النفسي الفردي لتطوير إدارة التحكم في الغضب عند الطفل.
• العلاج النفسي الأسري لتحسين التواصل والتفاهم المتبادل.
• التدريب على مهارات حل المشكلات المعرفية لتقليل السلبية تجاه الإضطراب.
• التدريب على المهارات الإجتماعية لزيادة المرونة وتحسين تفاعل الطفل مع الأقران.
كاتبه المقال هند الحفناوي دكتورة علم النفس تخصص الصحة النفسية