رشا محمود لاشين تكتب .. من نفسي الي أبي
لم تكن لدي أبي عنصرية أهل الريف في التمييز بين الولد والبنت .، فعندما جئت الي الدنيا بعد محاولات عديدة عند اطباء النساء والتوليد لأن أمي عانت قبل مولدي كثيرا، فمجيئي الي الحياة لم يكن سهلا أبدا ، فكانت جدتي او ستي كما نسميها في الريف تقوم بحيل السيدات الكبار او تجهيز طاسة الخضه للمرأه التي لم تحمل بعد كي يحدث المفعول العظيم وتكون النتيجه المتوقعه اعظم من نتيجة الأطباء والأدويه في حدوث سرعه الحمل وقد فعلت هذا مع امي بعد كثرة المشاوير عند معظم الدكاترة في ابو كبير وفاقوس والزقازيق .
كان ابي وقتها طالبا بكلية الشرطه مع دفعه الضباط المتخصصين وكان قد تخرج من كلية التربيه الرياضيه جامعه حلوان وعندما جئت فرح بي كثيرا ، رغم اني بنت والذي لم يفرج وكان وجهه مسودا وهو كظيم .. كان عمي " محمد " لانه يري ان البنت عار و" مشاكل " لاهلها .. ظل الجميع من اهلي لامي وابي يحملني وهو يبتسم ويضع مجامله السبوع في الشال الخاص بي الا عمي " رحمه الله عليه " فلقد رفض اعطاء ابي نقطة السبوع وهذا لاني بنت ، عصبيه الريف كانت شديدة الحده ضد البنت والتي لازالت موجوده حتي اليوم ،والذي ظل الاعتقاد ان الولد هو السند وحامل لواء الاب والعائلة ، وهو كل شيء في كل شيء فيما يخص العائله او ما لايخصها .. فلقد تمحورت الحياه في الريف حول الذكور .. لذلك لا زالت الحياة بالنسبه للانثي هناك هو حصولها علي قدر ضئيل من التعليم واحيانا لا يكون هذا مهما بل الاهم هو متي ستتزوج وليس من ستتزوج .. المهم ان تتستر وتكون زوجه وام في سن صغيرة بسرعه جدا والا ستكون مادة لكلام الجيران والعائله وجيرة الجيرة وكأنها تعيش في سباق مع مثيلاتها في العمر من الاقارب والاغراب .. زواج الريف عمليه ديناميكيه سريعه ليس لها علاقه بالمشاعر او الميل الي من يريده القلب ..
اما أبي فلقد كان له شأنا اخر فعندما كبرت كان يري انني لا استحق الا رجلا يشبهه لذلك عندما كان يتقدم لي عرسان كثيرون .. يرفض بدون سبب او ارفض انا لعدم الارتياح او القبول ، فقد كنت ملكه في عيون ابي رغم اني اخواتي الاصغر تزوجوا وانجبوا .. لكنه كان يراني من وجهه نظر أخري .. وكأن عدم زواجي وابي علي قيد الحياه هي حكمه الهيه مفادها ..أن حضن ابي لي لن يطول كثيرا .. فحضن الزوج آت لا محالة .. كان دائما يقول لي ، اذا تزوجتي من رجل يعشق النساء فاتركيه يعبث كما يريد ولا تتركي بيتك ابدا .. اتركيه يتسكع في بيوت ما يحلو له منهن لانه هو الضيف وانتي سيدة الدار وسيلهو مع تلك وتلك ويعود مثل الطفل الذي اشقي اهله معتذرا ولو بعد حين .. لا تنسي انك ستكونين جنة البيت وهو اما صائنا او ظالما وانتي الفائزة في جميع الاحوال ..
كان ابي صديقا لي في ايامه الاخيرة ، وشخصا مرعبا لي في مراهقتي ، واحن انسان علي في طفولتي المبكره ، ليس كل اب يستحق هذا الشرف .. عمله بالشرطه وحرصه الشديد علي المبالغ فيه كان سببا لعدم وجود اصدقاء لي في مراهقتي .. كان رافضا ان اعتمد علي الدروس الخصوصيه ليس بسبب مبدأ الاعتماد عليها ولكن بسبب انني وقتها قد وصلت لمرحله البلوغ وكان يخشي كثيرا فكره الاختلاط بالجنس الاخر ، علمني كيف اضع حدودا في التعامل مع الرجال حتي وصلت لمرحلة الجامعه .. وكنت اجهل فن التعامل مع الجنس الاخر حتي وصلت لكلية الاعلام جامعة القاهره وكأن التحدث مع الزملاء الشباب جرم كبير وذنب عظيم ،واعتقد انني الوحيدة من بين اخوتي كنت حالة خاصه جدا جدا في التربيه والاهتمام من قبل والدي رغم انشغاله وعمله وقتها بمديرية امن دمياط ، حتي ان زميلاتي في المدينه الجامعيه يرون خشونتي في التعامل وجديتي مع زملائي واساتذتي ، واعتقد ان احمل من هذه الصفات حتي اليوم .
الميراث الذي تركه لي ابي في نفسي هو دروس الحياة التي خضتها والتي لم اخوضها بعد .. المال زائل وفاني اما تربيته لي فكانت خير معين لي ومجدافا وسط امواج متلاطمه تحملني هنا وهناك ..
لذلك فان حديثي عن ابي لن ينتهي .
اعلم انك محور حياتي رغم عدم وجودك بجواري وان وريقاتي لن تتحدث عنك كلها بل ستتحدث عن كل من احببتهم والاقربون الي قلبي وانت سيدهم .. اعلم انك عظيما بعيوني مهما اخطأت ومهما داريت لان حبي لك دائما يحتمل المغفرة والذي اعتبره اضعاف حبك لي بكثير ، ارسل اليك قبلاتي واكتب اليك مثلما كان اجدادنا يفعلون ، فعصر الانترنت سهل الامر ولكنه لن يمنع قلوب المحبين عن النبض .
تحياتي يا أبي حتي ألقاك