مختار محمود يكتب: خطباء الخمسين جنيهًا!
أوجز النائب عبد المنعم إمام فأعجز؛ عندما قال لوزير الأوقاف تحت قبة البرلمان: "لقد كثر شاكوك وقلَّ شاكروك"؛ وليس أدل على ذلك من حالة الغضب والفوران القادمة من داخل الوزارة، حيث يشكو أصحابُها ظلمًا لا يُطاق، واضطهادًا لا يُحتمل؛ من سياسات غير منصفة.
تعوم وزارة الأوقاف فوق ميزانية تستعصي على الحصر، ولكن الوزير يتعامل مع رعاياه بالوزارة ليس من باب العدالة المطلقة؛ تأسيًا بالهدي الرباني والنبوي وبخُطبه وبرامجه ومقالاته وعظاته وخواطره الدعوية، ولكن من خلال نظرية فرعونية سائدة: "أنا ربكم الأعلى".
ورغم أن ميزانية وزارة الأوقاف تزيد على 10 مليارات جنيه سنويًا، إلا إن هناك من يحصلون على كل شيء، وهناك أيضًا من لا يحصل على شيء، وفي الصدارة من هؤلاء: "خطباء المكافأة على بند التحسين".
يتضرر هؤلاء الخطباء من تعسف وزارة الأوقاف معهم، سواء من خلال التقدير المادي الهزيل والمهين، أو من خلال عدم احترامهم أو الإنصات إلى مشاكلهم ومناقشتهم فيها؛ جبرًا لخواطرهم وإنصافهم.
50 جنيهًا فقط لا أكثر ولا أقل هي أجر الخطبة الواحدة لـ"خطيب المكافأة تحت بند التحسين/ مؤهل متوسط"، بإجمالي 200 جنيه في الشهر، وهو ما لا يشتري كيلو جرامًا واحدًا من البانيه، أو نصف كيلو من اللحم، أو نحو 5 علب تونة أو أقل قليلاً!
الغريب أن الخطيب ذا المؤهل العالي الذي يضطلع بنفس الدور يحصل على 7 أضعاف الرقم المذكور سلفًا وهو 350 جنيهًا في الخطبة الواحدة، بما يعادل 1400 جنيه، والرقمان هزيلان، ولكن الأول أشد ضعفًا وهوانًا.
هذا التفاوت الصارخ بين الرقمين يُعمق حالة الغضب والاستياء غير المبرر من جانب أصحاب الـخمسين جنيهًا الذين طرقوا كل الأبواب، واتبعوا كل الأساليب المشروعة، دون أن يحنو عليهم أحد من أصحاب العمائم البيضاء، ومنهم مَن يظهرون على شاشات التليفزيون ومحطات الإذاعة والصحف، ليتحدثوا ويكتبوا عن قيم الحق والخير والجمال، حتى نشعر أننا نعيش في المدينة الفاضلة.
كان ينبغي على وزير الأوقاف عندما لمس من النواب، باعتبارهم صوت الشعب، حالة الغضب الشديد من إستراتيجيته في إدارة الوزارة، وسياساته القائمة على: "الكيل بمكيالين"، و"الحب والكُره" أن يُغلق مكتبه على نفسه، ويعيد ترتيب أوراقه، ويسعى إلى تصويب مساره؛ لا سيما أنه يعمل ليكون آخر وزير للأوقاف، ولكنه لا يزال يتعامل بمنطق أنه "أذكى إخواته"، فعمد إلى التعمية والتشويش على ما تعرض له داخل مجلس النواب، وراح يُشغل الناس بختم القرآن الكريم خلال يوم ونصف اليوم بالمسجد الحسيني، أو فتنة الصلاة على النبي الكريم بعد صلاة الجمعة، وكأن هذا هو جوهر عمل وزارة الأوقاف ورسالتها.
لقد أثبتت فوضى سياسات وزارة الأوقاف في السنوات العشر الأخيرة ضرورة إعادة الشيء إلى أصله، بحيث تعود المساجد وشؤونها وكل ما يتعلق بالدعوة إلى مشيخة الأزهر الشريف، ولكن حتى يحدث هذا يبقى السؤال: مَن يُنصف خطباء الخمسين جنيهًا من بطش معالي الوزير ويمنحهم بعضًا من حقهم المهدور؟!