ما لم تعرفه عن الشاعر ابن الرومى ، و كيف قتله سعره ،، و قصيدته رأيت الدهر يرفع كل وغدٍ ..
هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج، المعروف بابن الرومي شاعر من شعراء القرن الثالث الهجري في العصر العباسي، تميز ابن الرومي بصدق إحساسه، فأبتعد عن المراءاة والتلفيق، وعمل على مزج الفخر بالمدح، وفي مدحه أكثر من الشكوى والأنين وعمل على مشاركة السامع له في مصائبه، وتذكيره بالألم والموت، كما كان حاد المزاج، ومن أكثر شعراء عصره قدرة على الوصف وابلغهم هجاء .
عاصر ابن الرومي عصور ثمانية من الخلفاء العباسيين، وكان معظمهم يرفضون مديحه ويردون إليه قصائده، ويمتنعون عن بذل العطايا له.
تتلمذ ابن الروميّ على يد محمد بن حبيب، فقد كان يرجع إليه في بعض مفرداته اللغوية، وقد رُزق بثلاثة أبناء، وهم: هبة الله، ومحمد، وثالث لم يُذكر اسمه، وقد توفوا جميعاً في طفولتهم، كما كتب العديد من الكتابات النثريّة، ومنها رسالته إلى القاسم بن عبيد الله،[٢] ويتّصف ابن الرومي بعدة صفات، من أهمّها: دقة الحس، وحدّة المزاج، وسرعة الرضا، وصدق المودة، وحبّه لأولاده وأهله، وعطفه على الفقراء والمساكين.
عرف ابن الرومي بإجادته الكثير من الأشكال الشعرية والتي جاء على رأسها الهجاء، فكان هجاؤه للأفراد قاسي يقدم الشخص الذي يقوم بهجاؤه في صورة كاريكاتورية ساخرة مثيرة للضحك.
يتصف ابن الرومي بأنه كان مولعاً بالعلم، فقد انصرف لمتابعة تعليمه في مجالس العلماء، والفقهاء، والأدباء، والرواة منذ صغره، وقد تتلمذ على يد العديد من المعلمين، ومن ضمنهم أبي العباس ثعلب الذي تتلمذ عن حماد بن المبارك، وقد اهتمّ بتعلّم الفلسفة، بالإضافة إلى أنّه اتجه لتعلّم الثقافة المعاصرة، والشعر، ورواية القديم والحديث.
شهدت حياته الكثير من المآسي والشدائد التي جعلت منه شخصية مزاجية تميل إلى الكآبة والانغلاق، ومن هذه المحن التي عصفت به وفاة والديه وأخيه الأكبر، وبعد زواجه توفيت زوجته وأولاده الثلاثة، وفي ذلك يقول الناقد المصري الراحل طه حسين "كان سيء الحظ في حياته، ولم يكن محبباً إلى الناس، وإنما كان مبغضاً إليهم، وكان مُحسداً أيضاً، ولم يكن أمره مقصوراً على سوء حظه، بل ربما كان سوء طبيعته، فقد كان حاد المزاج، مضطرباً، معتل الطبع، ضعيف الأعصاب، حاد الحس جداً، يكاد يبلغ من ذلك الإسراف" فكان نتاج ذلك كله أن خرج إلى العالم بقصائد تنوح، وتبكي، وكانت أشعاره بمثابة المساحة الحرة التي يفرغ فيها كبته وحسرته.
قصيدته " رأيت الدهر يرفع كل وغدٍ " ...
رأيت الدهر يرفع كل وغدٍ .. ويخفض كل في شيم شريفَه .
كمثل البحر يغرق فيه حيٌّولا ينفك تطفو فيه جيفَهْ
أو الميزان يخفض كل .. وافٍويرفع كل ذي زنة خفيفه
كذلك دأبه فينا وإناعلى ما كان في حصُنٍ مُنيفه
بناها أولونا فاعتصمنابها وبأنفس فينا عفيفه
إذا ما جهله أربى عليناحملناه بألباب حصيفه
وندرأ بؤسه بالصبر حتى نفرجه بأذهان لطيفه
إلى أن يرحم الله المرجَّى لكل شديدة منه عنيفه .
و كتب أيضاً قصيدته المعروفه وجاءت حكمة ابن الرومي كنتيجة منطقية لمسيرة حياته، فقال: " عدوك من صديقك مستفاد "
عدوك من صديقك مستفاد
فلا تستكثرنَّ من الصِّحابِ
فإن الداءَ أكثرُ ما تراهُ
يحول من الطعام أو الشراب
إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً
مُبيناً، والأمورُ إلى انقلابِ
ولو كان الكثيرُ يَطيبُ كانتْ
مُصاحبة ُ الكثيرِ من الصوابِ
وما اللُّجَجُ المِلاحُ بمُروياتٍ
وتلقى الرِّيّ في النُّطَفِ العِذابِ .
توفي الشاعر ابن الروميّ في تاريخ الثامن والعشرين من شهر جمادى الأولى من عام 283 هجري، الموافق للثالث عشر من شهر تموز من عام 896 ميلادي، وقد عُرف بقدرته الكبيرة على الوصف والشعر، وتوليد المعاني المبتكرة، بالإضافة إلى أنه اشتُهر بديوانه الذي يعدّ من أكبر الدواوين الشعريّة، وقد قيل بأنّه مات مسموماً بسبب هجائه للوزير القاسم بن عبيد الله .
وقد كان التخلص من ابن الرومي مطلباً للعديد من الوزراء والحكام، حتى يتخلصوا من لسانه الحاد المسلط عليهم، فما كان من وزير المعتضد القاسم بن وهب إلا أن خطط لقتل ابن الرومي مسموماً خوفاً من أن تطاله سهامه بالهجاء، وقد دس السم في الحلوى المقدمة لابن الرومي في إحدى المجالس عن طريق شخص يدعى ابن الفراش، ثم تناول ابن الرومي السم، وبدأ يسري في جسده، ويعطي مفعوله، فقرر ابن الرومي ترك المجلس، فسأله الوزير ساخراً : إلى أين أنت ذاهب؟ فأجابه: إلى المكان الذي بعثتني إليه! فقال له الوزير: سلم على والدي، فأجابه ابن الرومي: ليس طريقي النار! ثم توفي، ليثبت للجميع أن لسانه لا يكلّ من التسلط على الآخرين، حتى عند آخر أنفاسه، ليختتم حياته على ما كانت عليه دوماً، ويترك لنا إرثاً أدبياً عظيماً لا مثيل له، جعل منه واحداً من عمالقة الشعر عبر التاريخ.