دكتور محمد عشري يكتب:الاعلام .. وحرب الوعي والإداراك
لم تعد الحروب كسابق عهدها تندلع شرارتها مع تلاقي جيشان في ساحات المعارك وجهاً لوجه وتطورت سبل وأساليب الحروب في شتى بقاع الأرض ومع التطورات التكنولوجيا المتلاحقة أصبحت طبيعة الحروب مختلفة عن ذي قبل ووصل بنا الحال الى حروب الجيل الخامس وبعيداً عن التنظير لطبيعة كل مرحلة من مراحل تطور الحروب ففي النهاية نحن نعيش في عصر حروب الجيل الخامس تلك الحروب التي تتسع خطورتها وتتعد وسائلها وتتلون رسائلها وتتغلل آلياتها في نسيج الشعوب ووتعمل على تفتيت الموروثات وإشاعة روح الفشل وزعزعة الاستقرار وهدم العادات والتقاليد وتشويش الأفكار والرؤي وتغيير مفاهيم العدل وما هو متعارف عليه من أخلاقيات العمل لتنتزع القيم وتزرع مكانها قيما فاسدة وتعد زراعة القيم والمبادئ من أصعب الأشياء لما تتطلبه من وقت وجهد وتكرار وحينما تستطيع أن تزرع القيم فانك بلا شك تمتلك ثمار قد أرتوى وتغذي على ما تبثه وتضخه من سموم في الجذور.
حروب الجيل الخامس استخدمت من الشائعات والتضليل ما يمر مرور الكرام عليك في ساحات وسائل التواصل الاجتماعي وفي المضامين الدرامية وغيرها وقد تزرع تلك الشائعات والمعلومات المضللة أفكار ووعي زائف حصاد التوجيه الإعلامي المتنكر في زي النكتة على سبيل الفكاهة والتنفيس عن المكنونات الاجتماعية والبوستات الهزلية وبعض الفيديوهات المسلية وبعض المدونات لأصحاب الفكر والتنظير وهم لا يمتلكون الا وقتا طويلا وفراغا مميتا ووسيلة مجانية يبثون فيها سموم الإحباط والملل وروح الهزيمة والفقر كمثل الشيطان الذي قال الله عنه عز وجل يعدكم الفقر بل أن اللصوص أيضا أصبحوا أكثر ذكائا وتطورا واستخدموا حروب الجيل الخامس للسطو على الممتلكات وأرصدة البنوك لمن يقع ضحية الجهل بأمن المعلومات والبيانات وسرية وخصوصية المعاملات وضرورة حماية الأرقام السرية والحسابات عبر الايميلات وغيرها مما استدعى مجموعة من الحملات التوعوية التي حمل لوائها أحد البنوك الوطنية لحماية العملاء من أشكال النصب والاحتيال، وستجد في جميع القطاعات حروب الجيل الخامس تتسلح بأحدث وسائل التكنولوجيا التي تصب جميعها في هدف واحد خبيث وهو هدم الدول من الداخل بتزييف الحقائق وقلب الموازين وقمع الفكر السوي وإشاعة جو الإحباط واليأس والتأكيد على أن كل الطرق تؤدي الى الفشل ومنع محاولات السعي الشريف الذي وعدنا الله بنتائجه في قوله عز وجل وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ .
اننا مطالبون بمجهودات جبارة في هذا الصدد تبدأ من صياغة رؤية طموحة يحمل لؤاها قادة الفكر والتنوير والمسئولين تبدأ مسيرتها من التوعية في المدارس بأهمية حماية خصوصية البيانات وأمن المعلومات فلم تعد مهمة برامج الأطفال التسلية والترفيه فالاطفال في عهد الطفولة يتعرضون لعدد هائل من الاختراقات والرسائل التي تعرف طريقها اليهم عن طريق التطبيقات الدراسية وحتى الألعاب الالكترونية التي يستخدمونها عبر الهواتف المحمولة وحتى تلك الألعاب نفسها لا تروج الا كل ما هو مستورد ولا تبث الا السطحية وتضييع الوقت ولا تغذي الا العدوانية والعشوائية، واتعجب من عدم وجود مضامين كرتونية ترافق هؤلاء الأطفال وترشدهم بطريقة جذابة وبسيطة وتبني في نفوسهم روح التحدى والنجاح وتزرع في وجدانهم حب الوطن ومواجهة الأفكار الهدامة وزرع قيمة الانتماء والولاء في قلوبهم وبناء شبكة من التحصينات القوية لمواجهة الأفكار المتطرفة ، وتعد المرحلة الجامعية النداء الأخير للحاق بقطار العمل وفي هذه المرحلة يتشكل النضج الفكري والقناعات الأيديولوجية والتي تتطلب منا فتح الباب أمام هؤلاء الشباب للتعبير عن أنفسهم وطموحاتهم وتمييز المتفوقين بينهم لاشاعة روح التنافس وتتعطش الشاشات والبرامج الإذاعية لمثل هذه اللقاءات في ظل اهتمام إعلامي غير مسبوق ببعض مطربي المهرجانات وغيرهم ممن أشاعوا جمل البلطجة والإرهاب الفكري والتنمر واليأس والإحباط في نفوس الشباب الذي يري بعينيه حفاوة بالمبتذلين والأميين الذين يبثون كلمات كانت في قاع المجتمع تدهسها اقدام المثقفين وأصحاب الكلمة .
اننا وفي ظل الاحتفال بذكرى انتصار حرب أكتوبر 1973 وبعد مرور 50 عاما على هذا النصر العظيم أحوج ما يكون الى استدعاء روح الانتصار على اسطورة الجيش الذي لا يقهر وهو ما كان شائع وقتها لجيش مدعوم بأحدث معدات وتكنولوجيا الحروب وساتر ترابي تعجز عن هدمه القنابل النووية وتكمن أهمية استدعاء هذه الروح للتأكيد على أنه لا يوجد شيء اسمه المستحيل وان القناعات الفكرية التي يتم ترويجها والتأكيد على أنها حقائق مسلم بها لا يمكن كسرها