سمر مجاهد تكتب «عقوق الآباء للأبناء والتفكك الأسري»
ليس من الحكمة أن يمرض الإنسان ويخفي مرضه خوفا منه، فذلك يعني أنه سوف يستمر المرض ويستشري ويفتك بجسده ويصل به إلي حد الهلاك فإن مثل هذا هو السكوت عن مواجهة أمراض المجتمع فتركها يكاد يمزق بنية المجتمع وكيانه ، فقد كان من هدي النبي صلي الله عليه وسلم إذا انتشر مرض في المجتمع جمع الصحابة وخاطبهم قائلا "مابال أقوام يفعلون كذا وكذا " حتي يلفت الإنتباه إلي الخطر ويقدم العلاج للناس.
وإقتضاءاً بالهدي النبوي ربما يكون طرحاً جديداً أن نتحدث عن عقوق الآباء تجاه أبنائهم وذلك انطلاقاً من مسئولية الآباء تجاه الإبناء والتي قال عنها النبي صلي الله عليه وسلم
"(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)" ، يظل عقوق «الآباء» أحد أمراض المجتمع المخفية لعدم رغبة المجتمع بالاعتراف بها، فعند سماع كلمة «عقوق» ينصرف الذهن مباشرةً إلى عقوق الأبناء للآباء والأمهات، إلا أن كثيراً من الناس لا يعلمون أن هناك نوعاً آخر من العقوق في العلاقة بين الآباء والأبناء، وهو عقوق الآباء للأبناء، وللأبناء على الآباء كثيراً من الحقوق إذا ما وفوا بها كانوا بارين بأبنائهم وإذا أخلوا بها كانوا عاقين لهم أيضاً، وحقوق الأبناء على الآباء أكثر في عددها من الحقوق التي للآباء على الأبناء، فإذا كانت حقوق الآباء على الأبناء تبدأ من وقت إدراك الأبناء وتمييزهم بين البر والعقوق، وإذا كانت مؤاخذة الشرع للأبناء تبدأ من وقت بلوغهم الحُلم، وهو وقت طويل بعد ولادتهم، فإن حقوق الأبناء على الآباء تبدأ قبل وجودهم إلى الحياة، حيث تبدأ حقوق الأبناء على الآباء من بداية التفكير في الزواج وبناء الأسرة.
ويتمثل عقوق الوالدين تجاه الأبناء في عدم الوفاء بالحقوق الشرعية في الرعاية والتربية والتنشئة، وتختلف وتتطور أشكال العقوق بتطور حركة وواقع الحياة وتغير معطيات الحياة وأشكال الواجبات والحقوق المستحقة بين الوالدين والأبناء وطبيعة الحال يختلف الأثر الناتج عن العقوق بطبيعة وشكل هذا العقوق، ولكن بشكل عام يمكننا حصر عدد من النتائج العامة متكررة الحدوث لعقوق الوالدين للأبناء، في تفكك البناء الأسري والاجتماعي للمجتمع ونمو معدلات الانحراف والجريمة، وضعف الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع.
فإننا نعي جميعا أن الشريعة الإسلامية أوجبت حق النفقة على من له حق القوامة والذي جعلت له هذا الحق هو الاب والزوج، وقال تعالي "الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما انفقوا من اموالهم" الآية ٣٤ سورة النساء ، وليس علي الزوجة أن تُنفق في بيت زوجها من مالها وكذلك البنت وإنما الواجب علي الزوج والأب أن ينفق علي الزوجة والبنت وإن كن غنيات ولكن لا مانع من باب التعاون والبر أن تُساعد البنت أباها والزوجة زوجها ببعض مالها عن طيب نفس لا إكراها.
ولإكمال ما أشرنا إليه مسبقا فإن مثل هؤلاء الأزواج الإتكاليين لم يقف بهم الحال عند إستبدادهم وإستغلالهم وتسلطهم في الإستيلاء علي راتب الزوجة الموظفة فقط بل قد تصل جرأتهم إلي ما هو أبعد من ذلك فيقومون أيضاً بالإستيلاء علي راتب الإبن أو الإبنة والعذر هنا قد يكون أقبح من الذنب فيرون أن من حقهم الإستيلاء علي مال أبنائهم نظير تربيتهم لهم ويرددون عبارة "ربيتك فلابد أن يكون لي نصيب في مالك"
فإن مثل هؤلاء الآباء لا يستحقون أن يُطلق عليهم لقب أب لأن الوالدين عادةً يُعطيان للأولاد ولا يأخذان منهم شيئاً لأن طبيعة الأب لا تقبل أن يستولي علي كد وشقاء ومال أولاده بل قد يتداينون لسد إحتياجات وتلبية مطالب أبنائهم.
فمثل هؤلاء الآباء قد يصل بهم الحال أن يجبروا أطفالهم علي الخروج للعمل لإستغلالهم ماديا ومعنويا دون أدني رحمة أو رأفة بهم مُتجردين من الاحساس والمشاعر تجاههم وإن اعترضوا قوبل هذا الإعتراض بالضرب والعنف والإهانة وأجبروا علي هذا وقد يصل بهؤلاء الأزواج أن يطردوا ابنائهم خارج المنزل وتشريدهم وتقف الزوجة أمام تصرفات هذا الزوج عاجزة مصابة بالشلل مكتوفة الأيدي يُصيبها الوهن والضعف لإدراكها أنها هي من ساعدت في صنع هذا الزوج مما أدى إلي امتداد هذا الضرر إلي فلذات كبدها ، ولم يبالي مثل هؤلاء الآباء بما يتعرض له أبنائهم الصغار من عنف واستغلال إجتماعي وما يتعرضون له من مضايقات وتحرش وتؤدي تلك الأفعال الممتلئة بالعنف والقهر إلي إنشاء أبناء مُصابون بالهشاشة النفسية مُدمرين فاقدين الأمل ناقمين تجاه الحياة والمجتمع.
وقد ينبت من تلك الأسر القائمة بزوج إتكالي متقاعس تجاه مسئولياته أن يسير أبنائه الذكور علي خُطاه مُعتمدين علي الأم والإخوة البنات في تلبية إحتياجاتهم المادية والمعنوية فتخرج الفتاة للعمل لمساعدة الأم في تدبير متطلبات المنزل المادية والتي قد تُسلب من جانب هؤلاء أشباه الرجال ولم يقف الحال عند سلب اموالهم فقد بل يُقابل هذا بالعنف والإهانة والضرب من قبل هؤلاء الاخوة الذكور الذي يقف مسماهم عند مسمي ذكور لا يمكنهم أن يرتقوا أبداً إلي مرتبة الرجال بتلك الشخصية الإتكالية الإستغلالية الخالية من صفات الشهامة والمروءة، فإنه من المؤسف أن يتحول سند تلك الفتيات إلي هادمهم فعندما يتحول السند إلي هادم فمن ذا إذن يستطيع أن يضمد جراحهم.
ونجد أن هناك من الآباء من يستغل نصوص الشرع تبريراً لأفعاله بدافع أن الشرع قال "انت ومالك لأبيك" فإن التربية والرعاية أيها الاب الظالم المستبد ينبغي أن تكون لوجه لله عز وجل من غير مناً ولا أذي ،فقد أباح الشرع أن يأخذ الآباء من اموال أبنائهم علي قدر الحاجة إذا كانوا يحتاجون وإلا فلا يجوز للأب ولا للزوج أن يأخذ من غير رضاهم لان الراتب ملك خاص للموظفة سواء كانت زوجة أو بنتا ومن المؤسف أيضا ان هناك بعض الآباء عند تزويج بناتهم يشترطون اقتطاع جزء من الراتب الشهري لصالحهم حتي وإن كانوا ميسورين الحال فمثل هذا الشرط لا يُعمل به عند جمهور الفقهاء.
وإنه قد يصل الحال بأبناء تلك الأسر أن يفروا هاربين بلا عودة لما يتعرضون له من قسوة وعدوان وينضمون إلي قائمة أبناء الشوارع ومنهم من يلجأ إلي محاولة الفرار خارج البلاد عن طريق الهجرة الغير شرعية والتي قد تنهي حياتهم غرقا ، فنحن إذن حقا أمام جريمة اجتماعية خطيرة تغشي العيون عنها ويغفل عنها الكثير قد تؤدي إلي ضياع وهلاك المجتمع بهلاك أبنائه وضياعهم.