الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب.. التطهير قبل التطوير فى صناعة الغزل والنسيج
عملية تطوير صناعة الغزل والنسيج التى تتحدث عنها الحكومة فى الوقت الراهن مرت بالعديد من المطبات الصعبة خلال السنوات الأخيرة من عهد الرئيس مبارك ومروراً بالإحتجاجات الصاخبة التى شهدتها البلاد فى تلك الفترات ، مما جعل هذا التطوير بمثابة عملية ولادة شديدة التعثر.
ولم يدخل التطوير الحقيقى حيز التنفيذ ولم يأخذ أى شكل من أشكال الجدية الحكومية رغم السيل الجارف من التصريحات التى صدرت على ألسنة جميع المسئولين فى الحكومات المتعاقبة مما أثبت باليقين أن هذه التصريحات الجوفاء لم تخرج عن كونها فرقعة إعلامية فقط لا غير قد يكون الهدف منها إخفاء حالات الفشل والتراجع فى أداء تلك الشركات ومحاولة التستر على حالات الفساد المتكررة فى جميع شركات الغزل والنسيج والأقطان والتى لعبت الدور الرئيسى فى تركيع هذه الشركات وتكبيلها بديون لا حصر لها تجاوزت المليار جنيه.
وقد قمت بعدة زيارات إلى العديد من شركات فى قطاع الغزل والنسيج منها على سبيل المثال قلعة المحلة الكبرى وهى شركة مصر للغزل والنسيج والملابس الجاهزة وكذلك شركة الغزل والنسيج بكفر الدوار ومصر البيضا والحرير الصناعى والدلتا وكلها صروح عظيمة يشهد تاريخها العريق بقوة مراكزها المالية وقيامها بدور إستراتيجى فى تحقيق تنمية حقيقية للإقتصاد الوطنى فضلاً عن قيامها بدور إجتماعى شديد الأهمية خاصة فى فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى ، ولكن حين إمتدت لها أيادى الإهمال وطالتها مخالب الفساد تحولت تلك الصروح إلى سراب وأصبحت صروح من خيال وهوت فى براثن الخسائر وسقطت فى مستنقع الديون وأصبحت أطلال مخربة مما جعل الدولة غير قادرة على مواكبة التطورات الحديثة التى شهدها هذا القطاع العام على المستوى العالمى.
وفي إطار المتابعة المستمرة لأعمال تنفيذ المشروع القومي لتطوير صناعة الغزل والنسيج في جميع مواقع العمل التي تشملها الخطة في قطاعات الغزل والنسيج والصباغة والتجهيز والحليج وتجارة الأقطان وعملية جني القطن قصير التيلة في منطقتي الواحات وتوشكي، واستعدادا لبدء افتتاح المصانع الجديدة، عقد الدكتور محمود عصمت وزير قطاع الأعمال العام مؤخرا اجتماعا مع رؤساء شركات الغزل والنسيج ، بحضور المهندس أحمد شاكر الرئيس التنفيذي للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، بحضور رشا عمر ومحمد دعبيس مساعدي الوزير لتطوير المشروعات والمتابعة.
استعرض الوزير مستجدات التنفيذ والموقف المالي وعمليات التشغيل التجريبي وسياستي التسويق والبيع وخطط الصيانة والتعاقدات الخاصة بالتصدير والموقف التشغيل لشركة الحرير الصناعى وألياف البوليستر وغيرها من مشتملات المشروع في جميع مراحله ومختلف مواقع العمل التي تشمل 65 مصنعًا ومبنى خدميًا، في إطار الخطة الشاملة لإعادة هيكلة الشركات، وألياف البوليستر وغيرها من مشتملات المشروع في جميع مراحله ومختلف مواقع العمل التي تشمل 65 مصنعًا ومبنى خدميًا، في إطار الخطة الشاملة لإعادة هيكلة الشركات، وكذلك موقف توريد وتركيب الماكينات والإنتهاء من شبكات الخدمات والبنية التحتية ومحطات الكهرباء والمياه وغيرها وتوفير الإحتياجات اللازمة من الأقطان لتشغيل المصانع الجديدة ، في ظل الافتتاحات التي ستتوالى خلال الفترة المقبلة والتي ستسبق موعد جني محصول القطن في الموسم المقبل.
ووجه الدكتور عصمت بضرورة التركيز على التصدير لتحقيق المستهدف من المشروع والوفاء بالمتطلبات المالية طبقا لما تم إقراره والاتفاق عليه والالتزام بالجدول الزمني ، والمتابعة اليومية للتنفيذ خاصة في ظل ما يحظى به مشروع التطوير من دعم كبير من القيادة السياسية لتوطين التكنولوجيا الحديثة وإحلال المنتج المحلي وزيادة الصادرات، ومتابعة مستمرة من جانب مجلس الوزراء للانتهاء من الأعمال في التوقيتات المحددة، مؤكدًا أهمية الحرص على التكامل بين المصانع في جميع المحافظات مع ضرورة إشراك القطاع الخاص، وأن هناك العديد من المستثمرين يمكن التعاون معهم للمساهمة في المشروع والاستفادة من خبراتهم وقدراتهم التمويلية والتشغيلية والتسويقية.
كما ناقش الوزير تطورات العمل ومعدلات الانتهاء من الأعمال وضرورة الإسراع في التنفيذ وكذلك منظومة تداول الأقطان وعمليات حليج أقطان الجني الآلي والحفاظ على درجات النقاوة والخصائص الفنية للقطن المحلوج، مشيرًا إلى دراسة كيفية تدبير كميات الأقطان اللازمة لتشغيل المصانع بعد اكتمال المشروع بما في ذلك بحث عمليات الزراعة التعاقدية خاصة في محافظات الوجه القبلي وذلك بالتعاون مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، والاستعانة بالقطاع الخاص لزراعة مساحات إضافية من القطن قصير التيلة في مناطق الاستصلاح الجديدة لتوفير الكميات اللازمة لتشغيل المصانع.
أكد الدكتور محمود عصمت أن عملية التسويق ودراسة الأسواق وتحديد المنتجات المطلوبة والسياسات البيعية تعد من أهم عوامل نجاح مشروع التطوير، وضرورة تنشيط عمليات البيع في السوق المحلي والأسواق الخارجية بأسلوب احترافي، بما يتناسب مع الاستثمارت الضخمة الجاري ضخها في المشروع، وما يترتب عليه من مضاعفة الطاقات الإنتاجية بجودة عالية حيث من المستهدف أن يصل الإنتاج السنوي إلى 188 ألف طن من الغزول، و198 مليون متر من النسيج، و15 ألف طن من الوبريات، إلى جانب 50 مليون قطعة ملابس، مشيرا إلى التواصل مع شركاء العمل من القطاع الخاص لتوفير احتياجاتهم من أجود الغزول الرفيعة اللازمة للصناعة بدلا من إستيرادها.
وبلا شك فإن المصالح الوطنية فى هذه المرحلة الصعبة التى يمر بها إقتصاد الوطن تقتضى ضرورة العمل على الإعتماد على الصناعة المحلية لتقليل الفجوة الشاسعة بين الواردات التى تقدر حاليا بنحو ٨٠ مليار دولار سنويا وبين الصادرات التى تقترب من ٤٠ مليار دولار كحد أقصى سنويا ، فلن تنهض الدولة إلا من خلال إستغلال ثرواتها وقدراتها بذل الجهود المضنية من أبنائها وتوفير الوسائل اللازمة من تنمية الانتاج المحلى ووقف إستيراد العديد من السلع التى يمكن أن يتم إنتاجها محليا من أجل تقليل فاتورة الاستيراد التى ترهق الدولة وتتسبب فى حدوث هذا الإنفلات فى سعر الدولار ، وقد أظهرت أحدث بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، عجزاً فى الميـزان التجارى بلغ نحو 3.14 مليار دولار خلال شهر سبتمبر الماضى مقابل 2.84 مليار دولار لنفس الشهر مـن العام السابق بنسبة ارتفاع قدره 10.3%.
وانخفضت قيمة الصادرات بنسبة 33.7%، حيث بلغت 2.94 مليار دولار خلال سبتمبر الماضى ، مقابل 4.44 مليار دولار لنفس الشهر مـن العام السابق.
ويرجع ذلك إلى انخفاض قيمـة صادرات بعض السلع، ومن أهمها؛ الملابس الجاهزة بنسبـة 11.1%، ومنتجات البترول بنسبة 68.2%، والأسمدة بنسبة 65.9%، واللدائن بأشكالها الأولية بنسبة 36.5%.
وكان حجم الواردات المصرية من من آلات وماكينات الحلج والنسيج قد ارتفعت بنهاية عام 2021، لتبلغ نحو 125.6 مليون دولار، مقارنة بـ 84.7 مليون دولار بنهاية العام السابق له 2020، بزيادة بلغت 40.8 مليون دولار، وفقا لبيانات سابقة للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.
ويبقى التأكيد على أن عملية التطوير الحالية التى تسعى الحكومة جاهدة هذه المرة لتنفيذها بجدية يجب ألا تتوقف عند مواكبة التطورات العالمية وإستحداث الماكينات الحديثة ذات القدرات الفائقة على تحقيق الإنتاج الهائل ، بل يجب أيضاً العمل على إنتقاء العناصر الوطنية المخلصة النزيهة للقيام بتنفيذ هذه الخطط الطموحة خاصة وأن العامل الرئيسى الذى كان وراء تعرض منظومة الغزل والنسيج للتخريب والتدمير هو فساد العناصر التى قبعت على رأس هذه الشركات لسنوات طويلة فتطوير الأخلاق أيها السادة و تطهير الشركات من العناصر الفاسدة ومحاربة المخربين ذوى الذمم الخربة هو الأساس فى التطوير.