الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب: تخاريف صيام (١٠) الشعب المصرى يترك الإفطار ويخرج للتهليل بالنصر
نحن الآن أيها السيدات والسادة فى العاشر من رمضان سنة ١٣٩٣ هجرية يوم السبت الموافق السادس من أكتوبر ١٩٧٣.
كانت البداية فى صلاة الفجر من مسجد سيدنا الحسين بقلب القاهرة الجميع يستمتع إلى تلاوة القرآن الكريم إيذانا بيوم رمضان جديد .. وكما لو كان المولى عز قد ألهم فضيلة الشيخ محمد أحمد شبيب إمام المسجد أن يتلو بعض آيات الذكر الحكيم التى تبشر بالنصر وهى من سورة آل عمران .. ولما لا يتحقق النصر أليس قرآن الفجر ما مشهودة.
يوم تقليدى كأى يوم من أيام الشهر الفضيل .. الصحف تنشر أخبارا عادية منها الرئيس السادات يعقد إجتماعا مع هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأميركية .. وفى أخبار الرياضة أمس الجمعة الزمالك يتعادل .. والأهلى يفوز أما غزل المحلة حامل اللقب وبطل الموسم الماضى يلتقى اليوم مع فريق الطيران على ملعب نادى الترسانة بميت عقبة.
الفرق المسرحية تواصل عروضها مسرحية " مدرسة المشاغبين " تثير الجدل وتشغل الرأى العام وهى بطولة عدد من الشباب أمثال عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبى.
أما فى عالم السينما فقد حقق فيلم "خلى بالك من زوزو " للنجمة سعاد حسنى والفنان حسين فهمى إيرادات السينما المصرية.
كل شىء عادى يوم العاشر من رمضان سنة ١٣٩٣ تسير الأمور المعتادة على ما يرام فى يوم رمضانى لا يختلف كثيرا عن تلك الأيام التسعة التى إنقضت من هذا الشهر العظيم .. أصوات كبار قراء القرآن الكريم تزلزل وجدان الجميع وتخترق مسامعه وتترددفى جدران كل المبانى.
أما طلاب المدارس فقد بدأوا الأسبوع الثانى من نصف العام الثانى بعد أن قضوا أجازة نصف العام واستأنفوا الدراسة .. الأسواق بعد الظهيرة بدأت تشهد زحاما ملحوظا بسبب إتجاه الكثيرين إلى شراء مستلزمات الإفطار فى طقس خريفى يميل إلى الحرارة.
نعم تسير الأمور بشكل تقليدى ولكن لازالت علامات الحزن وأهله والغم ترتسم على وجوه الشعب الباسل ولازالت نكسة يونيو تلقى بظلالها على وجدانه وتسيطر على كل كيانه وينتظر لحظة الثأر الحاسمة لكى تسترد الكرامة ونستعيد الأرض المغتصبة التى يدنسها الصهاينة بأقدامهم القذرة ويلوثون هوائها بأنفاسهم العفنة.
وعقب أداء صلاة العصر بدأت تظهر فى الأفق بعض علامات النصر المبين حيث أصدرت القوات المسلحة أكثر من بيان عسكرى ومنها البيان التالى والذى صدر فى تمام
الساعة الرابعة و6 دقائق
.. هنا القاهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
نجحت قواتنا المسلحة فى عبور قناة السويس على طول المواجهة وتم الإستيلاء على منطقة الشاطىء الشرقى للقناة وتواصل قواتنا حاليا ينالها مع العدو بنجاح.
منذ هذه اللحظة تغير لون كل شيء فى مصر.. الظلام الحالك السواد تحول إلى بياض ناصع مثل بدر التمام لحظة الاكتمال بسطوع نوره الباهر.. الحزن والانكسار أصبح موجا هادرا من الفرحة والانتصار.. طارت القلوب من الصدور من فرط الفرح بعد طول انتظار ذاق فيه المصريون آلام الانكسار ومرارة الهزيمة. عند الساعة الرابعة من هذا اليوم الفارق فى حياة الشعب وتاريخ أمته غنى الطير والشجر والحجر قبل البشر.. تهللت الوجوه التى اكتست بالكآبة ببشارة النصر واتسمت
الشوارع والميادين والحوارى والأزقة بأجساد ملايين البشر من أطفال ونساء وشباب وشيوخ هذا الشعب الصابر الصامد، وانفجرت ينابيع الفرحة داخل كل بيت وكل مكان فى مصر، تعبيرا عن لحظة العزة واستراد الكرامة والأرض والعرض فى معركة الشرف والمجد.
كل عام وكل الشعب المصرى و العربى فى عزة وفخر وكرامة ونصر الله الشعب الفلسطينى على العدو الصهيونى.