” الزار فى مصر ” .. ظاهرة غريبة فى طريقها للنسيان
تختلف الثقافات والعادات والتقاليد فى كل مجتمع عن مثيلتها فى المجتمعات الأخرى بمختلف دول العالم.
والعادات التي يمارسها الناس في بعض دول العالم ويرونها أمورٌ طبيعية تبدو للبعض الآخر انها غريبة ، و العكس صحيح...
وهناك العديد من الطقوس القديمة التي ما زالت تلقى بظلالها على المجتمع المصرى والتى إنتشرت فى العقود الماضية ولكنها بدأت تدخل دوامة النسيان وإندثرت إلى حد كبير ، ويأتى " الزار " على رأس تلك الطقوس التى بدأت تسير فى طريق الإختفاء تماما من المجتمع المحلى.
ورغم تطور المفاهيم لدى الغالبية العظمى من أفراد الشعب إلا أن حلقات " الزار " لازالت تظهر فى بعض القرى فى ريف مصر شمالها وجنوبها فضلا عن بعض الأحياء الشعبية بالقاهرة مثل أحياء منطقه الدرب الاحمر و الغورية والسيدة زينب.
الزار كلمة عربية مستعارة علي الأرجح من اللغة الأمهرية و يذهب بعض الباحثين إلي أن أصل كلمة الزار عربي، وهى من زائر النحس ، ولكن فى أغلب الظن وهو في الأصل طقس وثني للقبائل الإفريقية البدائية انتقل من بلاد الحبشة _ أثيوبيا حاليا _ إلى السودان ومنها الي مصر عام ١٨٧٠م ، و هي مجموعة من أشباه الطقوس الشعبية التي لها رقصات و عبارات خاصة مصاحبة لها دقات الطبول والدفوف الصاخبة وايضاً دقات علي المزاهر و الآلات الموسيقية التقليدية ،ويتم إطلاق البخور
ويبدأ ارتفاع اصوات الموجودين بأغانٍ و تراتيل وعبارات أُشتهر بعضها داخل مجتمعنا مثل " دستور يا أسيادنا " فضلاً عن القيام بذبح حيوانات أو طيوراً أثناء تلك الزار كقربان يقدمه المصاب بتلك الحالة إلى تلك الأرواح التى تكمن بداخله مر يرضون عنه .. والهدف من ذلك الزار أيضاً حسب مزاعم من يقومون بعقد هذه الحلقات أو من يعملون هذا الزار هو طرد الجان الذى يسكن أجساد بعض الأفراد ممن لا يوجد لديهم رصيد من الوعى الدينى والعقلى.
ويتم ذلك فى الغالب فى منزل أحد ممن يقتنعون تماما بوجود جان يسكن أجساد البشر أو ما يطلقون عليهم " أسياد " يتحكمون فى إرادتهم ، أو فى بيت رئيس الفرقة التى تقوم بعقد هذه الجلسات وفى الغالب أن تكون رئيسة لهذا النوع من الفرق سيدة وليس رجل والتى تجدها تتقن عملية طرق الطبول والمزاهر بطريقة يرونها متناسبة مع هذا الجو الشيطانى .
أما بالنسبة للإضاءة فهى مختلفة عن الإضاءة العادية بل تكون خفيفة و الإضاءة الفرعية تكون أنوار ملونة محيطة بالغرفة.
طريقة تأدية حركات الزار
يقومون بالتمايل بأجسادهم يميناً و يساراً في حركات تبدأ هادئة ثم رويدا رويدا تجدهم يؤدون تلك الحركات بشكل هيستيري غريب و يقف كلاً منهم ليقدم عرضاً مع الغناء و قرع الطبول مرتدين العباءات الواسعة و باقي الناس جالسون علي الارض مشاهدين للعرض ويحدث ذلك للتأثير علي الشخص الذى يعانى من وجود الأسياد بداخله والذى أقيمت الحفلة علي شرفه راجياً أن تتحق آماله فى طرد العفاريت التى تسكنه وتسلب إرادته من حياته وذلك اعتقاداً أن الزار بهذه التفاصيل سيقوم بوظيفة علاجية وسوف يكون وسيلة على الأقل للعودة الى الحياة الطبيعية وأيضاً سيكون بداية الطريق لتحجيم تلك الكيانات الهلامية التى تسكنه وتفرض نفسها على عقله وتسيطر على كيانه.
وقد جرت العادة أن مَن يقوم بهذه الطقوس و طرد و استحضار العفاريت فى الغالب كما سبق وأن ذكرنا إمرأة ويطلقون عليها لقب " شيخة " أو " عريفة السكة " و عند عامة الأهالى فى مصر تسمي " الكدية " ..
أساليب معالجة هذا النوع من المرض الغامض تختلف بإختلاف المكان الذي جاءت منه ذلك أنهن يفرقن بين عفاريت مصر و عفاريت السودان و الصعيد كما يفرقن أحياناً بين عقائد العفاريت نفسها.
وهذه الطقوس في المفهوم الدين الإسلامي تعد طقوساً محرمة حيث أنها تشتمل على أمور تتعارض مع الإسلام من ناحية ما يسمى بإستحضار الجان لأغراض متعددة منها العلاج لأشخاص مصابين أو لإظهار خوارق العادات علي ايدي ممارسي هذه الرقصات الوثنية فهي تتصادم كلياً مع ما جاء به الإسلام من تحريم الإستغاثة بغير الله لطلب العلاج أو إستخدام الجان أو السحر لأى غرض كان ،
يقر علماء النفس بأن الأشخاص الذين يلجأون الي حفلات الزار هم مصابون فى الأساس بأمراض عقلية و اضطرابات نفسية ولكنهم يختارون الزار علي العلاج النفسي خوفآ من العلاج وجهلا به ويتشابه الزار احيانآ علي العلاج النفسي الجماعي لكونه يضم مجموعة من الناس و يتم قرع الطبول و ترديد كلمات اغاني معينة خاصة بهم بصوت عالي ، و الرقص بوتيرة واحدة ،مع نشاط حركي كبير يبذله الشخص وصولاً لحالة الغيبوبة وفقدان الوعي من النشاط الزائد في المخ.