هل على القاتل خطأ شيء إذا تم العفو من قبل أهل القتيل عن الدية؟
بقلم/ الدكتور أحمد عبد الله بكير
مشرف الفتوى بمنطقة وعظ القاهرة
للإجابة على هذا السؤال نقول وبالله التوفيق:
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الدية حق لأهل القتيل، وقد فوض الشارع الحكيم لأهل القتيل التنازل عنها، أو عن بعضها تخفيفًا عن القاتل، وقد أجمع أهل العلم على أن القاتل خطأً تجب عليه كفارةٌ بخلاف دية القتل الخطأ؛ لا فرق في ذلك بين كون المقتول خطأً صغيرًا أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى؛ وهذه الكفارة هي تحرير رقبة مؤمنة، وحيث لم يَعُد رقٌّ، لم يَبْقَ التكليف بتحرير رقبةٍ؛ وأصبح الواجب في الكفارة صيام شهرين متتابعين؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، وإذا شرع من وجبت عليه الكفارة بصيام الشهرين، ثم أفطر قبل تمامهما وقطع تتابع صومه من غير عذر شرعي معتبر: فقد أجمع أهل العلم على أنه يستأنف صومه مِن جديدٍ، ولا يبني على ما صامه من الأيام؛ لقطعه التتابع المشروط فيها.
أما إذا ابتدأ صيام الشهرين، فتخللهما صيامُ رمضان، أو فطرٌ واجبٌ؛ كالعيدين؛ فقد اختلف الفقهاء في قطع تتابع كفارته من عدمها على قولين، والمختار للفتوى أن تتابع صومه لا يقطع ما دام قد قضى يوم العيد الذي أفطره من غير فصل بينه وبين صيام الشهرين، ومن ثَمَّ فلا يجب عليه إعادة صيام الكفارة مرة أخرى، ولا حرج عليه.
وإذا لم يستطع القاتل قتلًا خطأً صيام شهرين متتابعين؛ لكبر سن، أو مرض، أو عمل شاقٍّ مستمر، أو نحو ذلك من الأعذار المعتبرة شرعًا؛ فمذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية وهو الأصحُّ عند الشافعية، والمذهبُ عند الحنابلة: أنَّ الصيام يظلّ باقيًا في ذمته؛ يصوم متى تمكن منه، ولا يجزئه إلا ذلك؛ لاقتصار النص الذي ورد به التكليف على العتق والصوم دون ذكر الإطعام؛ لأنَّ الأبدال في الكفارات موقوفة على النصّ ولا عمل للقياس فيها.
والقول بالانتقال إلى إطعام ستين مسكينًا لمن لم يستطع الصوم هو المختار للفتوى؛ لما فيه من تحقيق المقصود من تشريع الكفارة؛ وهو الرجاء بستر العيب والذنب، ودرء التقصير الواقع من المكلف قِبَلَ ربه عز وجل، كما أنَّ القول بوجوب الإطعام بدلًا عن الصيام لغير القادر عليه قياسًا على كفارة أخرى انتقل فيها العاجز عن الصيام إلى الإطعام هو الأولى لإبراء الذمة، وعدم ذكر الإطعام في كفارة القتل الخطأ محمولٌ على مراعاة سياق تعظيم أمر القتل، لا أنَّ الإطعام غير مجزئ.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم.