”فاينانشيال تايمز”: روسيا تأمل عودة أنشطة الشركات الأجنبية بعد التقارب مع أمريكا

ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن الكرملين يتودد للشركات الغربية لتعود إلى روسيا واستئناف أنشطتها، بينما تسعى موسكو لاستخدام الروابط الاقتصادية لإغراء الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب.
وحسب تحليلات "كلية كييف للاقتصاد"، فإن 475 شركة أجنبية خرجت من السوق الروسية منذ العملية العسكرية في أوكرانيا، بينما قلصت 1360 شركة أخرى من أنشطتها وعملياتها هناك.
وأفادت الصحيفة بأن الحكومة الروسية تخطط لعقد لقاء لمناقشة الطريق المقترح لإعادة دخول الشركات الغربية إلى البلاد، فيما تلقت شركة أمريكية كبرى ومتعددة الجنسيات اتصالاً هاتفياً من مسئول حكومي روسي يعبر فيه عن رغبة بلاده في عودة الشركة وبعض ماركاتها إلى روسيا.
وبينما أعادت كل من موسكو وواشنطن الحوار المباشر بينهما سريعا لمناقشة إمكانية إنهاء الصراع في أوكرانيا، والتريبت للقاء الشخصي المباشر بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، فإن العلاقات الاقتصادية الأمريكية - الروسية أصبحت الوسيط الرئيس لاستعادة العلاقات بينهما.
وقد كتب ترامب على موقع "تروث" المملوك له، بأنه أجرى "مباحثات جادة" مع بوتين حول "صفقات تنموية اقتصادية سوف تحدث بين الولايات المتحدة وروسيا".. من جهته قال بوتين "إن روسيا مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة في استخراج المعادن من المناطق التي احتلتها روسيا في أوكرانيا، وأن الشركات الأمريكية بوسعها تحقيق "أموال جيدة" من استخراج الألومنيوم في روسيا".
وتلفت "فاينانشيال تايمز" إلى أن موسكو شرعت في غرس بذور عودة الشركات الأجنبية منذ انتخاب ترامب، حتى في الفترات التي قامت بعض الشخصيات المقربة من الكرملين بتوبيخ مثل تلك الشركات لمغادرتها، وادعت أنه ربما لن تكون لها وجود مرة أخرى في السوق..غير أن عدداً قليلاً من الشركات الغربية المتعددة الجنسيات يفكر في العودة، وكثير منها يترقب لخيارات إعادة شراء أنشطتها السابقة في روسيا.
ويقول المبعوث الروسي للتعاون الاقتصادي الأجنبي الذين عُين أخيراً، كيريل ديميريف، "إن الشركات الأمريكية خسرت 324 مليار دولار نتيجة لخروجها من روسيا، وإن الشركات الأمريكية التي غادرت البلاد يمكن أن تشرع في العودة في غضون شهور".
وقد تحول السوق الروسي منذ العملية العسكرية واسعة النطاق، لأوكرانيا، حيث استفاد رجال أعمال نافذون جدد من الغنائم التي تركتها الماركات الأجنبية وارءها في الأسواق الروسية.
ومنذ انطلاق المباحثات بين واشنطن وموسكو في المملكة العربية السعودية الشهر الماضي، تصاعد اهتمام الشركات للعودة، ولاسيما من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد ادعت منصات إعلامية مقربة من الكرملين وقنوات تليجرام، بأن ماركات عالمية كبرى مثل "زارا"، و"يونيكلو"، و"كوكا كولا"، و"فيزا"، و"ماستركارد"، تفكر بجدية للعودة إلى روسيا، بيد أنه لم يصدر تأكيد علني من أي من الشركات المتعددة الجنسية المشار إليها، بشأن خطط العودة، كما أن أشخاصاً مقربين من تلك الشركات قالوا إنه ليس هناك خطط واضحة للعودة فوراً.
في موسكو، بدأت تظهر بعض بوادر الاهتمام من جانب عدد من المشاركين، فيما تعبر بعض الشركات متعددة الجنسية عن رغبتها في ضمان خيار إعادة شراء أنشطتها الروسية السابقة، وقال آخرون نيابة عن شركات غربية في موسكو، إن هناك طلبات استفسار خجولة في السوق العقارية الروسية أو أسواق الإعلانات، أو للحصول على مشورات قانونية حول خطوات ترتيب العودة.
يقول مديرون ومستشارون إن الشركات المنتجة للسلع والبضائع الاستهلاكية السريعة أو التي تدير مطاعم يمكنها التحرك بسرعة..فالشركات مثل "نيتفليكس"، و"كوكا كولا"، و"ماكدونالد" ذات نموذج الأعمال السلس والسهل، والتي لا تندرج ضمن الصناعات التكنولوجية أو الحساسة، يرجح لها الانتقال والعودة سريعاً.
وفي موسكو، أمر الرئيس بوتين بالاستعداد لعودة الشركات الغربية حتى لو كانت الظروف تميل إلى الأطراف المحلية، وقد اقترحت وزارة المالية الروسية أنه بالنسبة للشركات العائدة من بلدان غير صديقة سوف تستلزم الموافقة من مجلس الاستثمارات الأجنبية الحكومي.
من جهته، اقترح النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، دينيس مانتروف، أنه سيُطلب من أية سلاسل تجزئة تخطط للعودة إلى روسيا افتتاح فروع لها في المناطق الأوكرانية المحتلة والخاضعة للإدارة الروسية، لافتاً إلى أن تلك الاشتراطات ربما ستُفرض على شركات وقطاعات بعينها، مثل فرض حظر على عودة الشركات الأجنبية المصنعة للسيارات إلى مراكزها السابقة في السوق.
وتقول الصحيفة البريطانية إن أصحاب المصالح الغربيين، ممن لديهم صلات بمسؤولين روس، يتوقعون أن تجد الشركات، التي غادرت بخشونة وقسوة من السوق الروسية، صعوبة بالغة في العودة إليه مرة أخرى، على عكس تلك التي غادرت بهدوء دون ضجيج أو تجريح.
وتوقع البعض أن يكون الطريق مُعبَّداً ويسيراً أمام الشركات الأمريكية نظراً للتقارب الذي تبديه واشنطن تجاه روسيا، فيما اعتبر آخرون أن الشركات الأمريكية ربما تحل محل نظيراتها الأوروبية في السوق الروسية.
ويرى خبراء ومسئولون سابقون إن التقارب الروسي الأمريكي ليس من المرجح أن يعوض الفجوة الهيكلية بين الاقتصاديين، مشيرين إلى أن حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وروسيا بلغ 36 مليار دولار في 2021، وهو ما يمثل قدراً ضئيلاً من إجمالي التبادل التجاري بين روسيا والاتحاد الأوروبي، الذي بلغ في العام ذاته 270 مليار دولار.