العمر واحد.. تعرف على أول وفيلم مصرى منعته الرقابة

تحفل مذكرات المخرج الراحل صلاح أبو سيف، والتى صاغها الكاتب الصحفى عادل حمودة بالعديد من اللقطات والمواقف التى يمكن أن نتوقف عندها، ومن ذلك قصة أول فيلم مصري تمنعه الرقابة.
يقول صلاح أبو سيف:
وسنحت الفرصة لإخراج فيلم روائى ولكن قصير، كان "استوديو مصر" قد تعوّد أن يعرض قبل الفيلم الروائى بعد الجريدة السينمائية فيلمًا قصيرًا، وعند تجهيز فيلم "قضية اليوم" للعرض فوجئوا بعدم وجود الفيلم القصير، نادانى فينيو، قال:
- ألا تريد فرصة في الإخراج؟
- نعم
- خذ فرصتك ولكن أمامك فقط 15 يومًا.
- لكنّ الوقت ضيق!
- هكذا تأتي الفرص في البداية.
- وأنا موافق.
ولكن عند عرض الأمر على مجلس الإدارة لم يوافق لأن المدة لا تكفي، فقلت:
أنا أتحمل المسئولية، وأقبل التحدي… كانت في رأسي فكرة جاهزة عبارة عن اسكتش خفيف اسمه "العمر واحد" فكتبت السيناريو وأخرجته، وقمت بعمل المونتاج طبعًا… وكان الفيلم أول بطولة لإسماعيل ياسين وأحمد الحداد، ولم تكن فيه أدوار نسائية… وقد انتهيت من الفيلم في الموعد المحدد… ولكن لم يُعرض، فقد منعته الرقابة بحجة أنه يسيء إلى الأطباء وجريت على الرقابة فقال لي مديرها: "نحن لم نمنع الفيلم، (استوديو مصر) هو الذي منعه"… وفي "استوديو مصر" قالوا العكس… وأغلب الظن أن المنع كان من الرقابة ولكن بإيعاز من بعض العاملين في "استوديو مصر" الذين كانوا ضد أن أخرج الفيلم أصلًا وكانت المرة الأولى في تاريخ السينما التي تمنع فيها الرقابة فيلمًا.
والفيلم مدته 27 دقيقة، وتبدأ أحداثه في قهوة، حيث نرى اثنين من الزبائن يتحدثان، أحدهما يشكو أنه مريض ولا يجد مصاريف العلاج، فيقول الآخر: لا بد أن تدخل مستشفى قصر العيني، فقال الأول: حاولت ولم أوفّق، ثم أضاف: يبدو أنني يجب أن أعود إلى بلدنا كي أموت هناك… وقبل أن يكمل جملته بدأ يتلوى من شدة الألم ثم سقط على الأرض يبكي الرجل صاحبه ثم يتجمع زبائن القهوة، يتقدم دكتور من بين الناس يكشف على الرجل الراقد على الأرض، وبعد أن ينتهي يعلن أنه فعلًا قد مات يصرخ صديق الميت: يا نهار أسود… الرجل فقير ولا بد من دفنه في بلده في الفيوم… فيتبرع الطبيب بمبلغ من المال ويفعل زبائن القهوة مثله ويوقف صديق الميت سيارة أجرة ويحملون جثة الميت فيها، ويركب الطبيب مع الجثة والصديق في التاكسي يبكي الصديق بحرقه حزنًا على المرحوم ولكن الطبيب يقول له: كفاية بكاء، لمّيت كام؟ فيرد: 4 جنيهات، ولكن الميت يرفع الغطاء من فوق وجهه وهو يقول: لا… أكثر من أربعة جنيهات، وتكتشف أنهم مجموعة من النصابين بمن فيهم السائق… فقد راحوا يقتسمون الغنيمة!
ويتكرر المشهد في قهوة أخرى ولكن تحدث هذه المرة مفاجأة. إذ يقترب أحد الزبائن من الميت وهو يصرخ: ابني ابني، ويكتشف أن ابنه مات في الغربة ولذلك قرر أن يدفن هذا الميت بدلًا منه فأعاد التبرعات إلى زبائن القهوة وأخذ الجثة إلى بيته ووضعها في فراش حتى الصباح، وهناك تبدأ المفارقات: الميت النصاب يريد أن يدخل الحمام ولا يستقر على وضع واحد، ويطمع الخادم في الخاتم الذي في يده، وعندما يفشل في نزعه يحضر سكينًا يقطع بها إصبع الميت، وهنا يدخل أحد أبناء الرجل الثري، الطالب في كلية الطب مع زملائه ليدرسوا الجثة ويقوموا بتشريحها ويتنازعوا على اقتسام أعضائها، هذا يريد الكبد وهذا يريد المخ والثالث يريد المعدة، ولكن يدخل الحانوتي وتبدأ إجراءات الغُسل ووضع الميت في الكفن… ولكن الميت يقوم بالكفن ويجري وينتهي الفيلم!
وقد غيّرت اسم الفيلم إلى «نمرة 6» حتى تعيد الرقابة النظر في قرار منعه من العرض، ولكن لم يتغير القرار. وهكذا أصبحت أول مخرج مصري تُصادَر أفلامه.