دكتورة جيهان رجب تكتب : بين الصدمة والتعافي... هناك رحلة تصنعك من جديد

جملة خطيرة فى مسلسل " لام شمسية " "الصدمات لا تقوي، بل قد تكسر الإنسان أو تدمره تماما، القوة الحقيقية تأتي من التعافي، فهو ما يمنح الشخص الثقة والقدرة على مواجهة أي موقف."
هل الصدمات تجعل الإنسان أقوى فعلًا، أم أنها قد تكسره وتدمره؟ هل التعافي يعني النسيان، أم أنه القدرة على التعايش مع الألم دون أن يتحكم بنا؟ هل كل شخص قادر على التعافي من الصدمات، أم أن البعض يظل عالقا فيها مدى الحياة؟ هل الصدمات تعيد تشكيلنا، أم أنها فقط تكشف حقيقتنا التي لم نكن ندركها؟ كيف نعرف أننا في مرحلة التعافي فعلا، وليس مجرد إنكار أو هروب من الألم؟ متى يصبح الحديث عن الصدمة وسيلة للشفاء، ومتى يتحول إلى قيد يمنعنا من التقدم؟ هل الدعم من الآخرين ضروري في رحلة التعافي، أم أن بعض الجروح لا يداويها إلا الإنسان نفسه؟هل يمكن أن تتحول الصدمة إلى دافع للنجاح، أم أن هذا مجرد تبرير نحاول إقناع أنفسنا به؟ كيف نمنع الصدمات من أن تزرع بداخلنا خوفا يمنعنا من الثقة والحب مرة أخرى؟
هل يمكن أن يمر الإنسان بصدمات عديدة دون أن يفقد شيئا من نفسه؟ أم أن كل صدمة تأخذ جزء منا لا يعود؟ ،عبارة جعلتنى أفكر فى تساؤلات عديدة تحتاج رأى الخبراء، لذلك، لا تخبر شخصا يمر بصدمة أن "الصدمات تقوي"، لأن الحقيقة هي أن الصدمة وحدها لا تمنح القوة، بل قد تدمر أي إنسان إن لم يستطع تجاوزها، السر يكمن في التعافي، وهذه رحلة تحتاج إلى وقت، صبر، ومجهود، وليست أمرا يحدث بين ليلة وضحاها،والأصعب في الصدمات أنها لا تأتي من الأعداء، بل دائما من الأقرباء، أو ممن اعتقدنا أنهم كذلك.
التعافي من الصدمة لا يعني إنكارها أو تجاهلها، بل مواجهتها والتعامل مع آثارها بوعي. هو عملية صعبة، لكنها السبيل الوحيد لاستعادة التوازن والثقة بالنفس. قد يستغرق الأمر وقتا، لكنه ليس مستحيلا، وكل خطوة في طريق التعافي تخلق نسخة أقوى وأكثر نضجا من الإنسان.الأهم هو عدم الاستسلام للألم أو السماح له بتحديد مسار الحياة. الدعم الحقيقي، سواء من النفس أو من الآخرين، يصنع فرقا هائلا. والاعتراف بأننا نحتاج وقتا للشفاء ليس ضعفا، بل قوة في حد ذاته.
الصدمات تختبرنا، لكنها لا تعيد تشكيلنا إلا بقدر ما نسمح لها بذلك، التعافي هو الخيار الذي يجعلنا أقوى، لا الصدمة نفسها.التعافي لا يعني العودة كما كنا قبل الصدمة، بل يعني أن نصبح أشخاصا أكثر وعيا، أكثر فهما لأنفسنا ولمن حولنا. الألم يترك أثره، لكنه لا يجب أن يكون النهاية، بل بداية جديدة بطريقة مختلفة، أكثر نضجا وحكمة.
أحيانا، يكون أصعب جزء في التعافي هو تقبل ما حدث، والإيمان بأننا قادرون على تجاوزه. المشاعر المختلطة من الغضب، الحزن، الخذلان، وحتى الإنكار، كلها جزء من الرحلة. لكن مع الوقت، ومع الدعم المناسب، تتحول هذه المشاعر من عبء ثقيل إلى دروس تعلمنا كيف نضع حدودا، كيف نحمي أنفسنا، وكيف نعيد بناء الثقة في الحياة والناس.والأهم من كل ذلك، أن ندرك أن التعافي ليس سباقا، ولا يوجد "وقت مثالي" للشفاء. لكل شخص رحلته الخاصة، ولا بأس إن استغرق الأمر وقتا أطول مما توقعنا. الأهم هو ألا نسمح للصدمات بتحديد هويتنا أو التحكم بمستقبلنا. نحن من نقرر كيف نكمل الطريق، ونحن من نصنع القوة الحقيقية من داخلنا، خطوة بخطوة.
الصدمات ليست ما يصنع قوتنا، بل الطريقة التي نواجه بها أثرها ونتعامل معها. التعافي ليس مجرد تجاوز الألم، بل هو رحلة نحو فهم أعمق لأنفسنا، واكتشاف قوتنا الحقيقية وسط الضعف. قد تأخذ هذه الرحلة وقتا ، لكنها تستحق كل خطوة تقطع فيها، لأنها تمنحنا القدرة على الاستمرار دون أن نظل أسرى لما كسرنا.ليس المطلوب أن ننسى، بل أن نتعلم كيف نتعايش دون أن يظل الألم مسيطرا .فالحياة لا تتوقف عند الصدمات ، بل تستمر ، ونحن نختار كيف نكملها—محملين بالألم، أم محملين بالحكمة التي خرجنا بها من التجربة
كاتبة المقال الأستاذة الدكتورة جيهان رجب أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين والمستشارة لنائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة.