سر انتشار الجريمة الأسرية
الجريمة الأسرية.. عنوان بات لا تخلو منه جريدة يومية، يطل علينا ليلا ومساء على رئيسية المواقع الإخبارية، هذه قتلت زوجها وهذا ذبح زوجته، والأسباب متعددة خلال السنوات الأخيرة ولعل أبرزها المخدرات والخلافات المالي.
بـ طعنات الغدر تتحول المودة والرحمة لمسرح من الدماء داخل منزل الزوجية معلنة وقوع الجريمة الأسرية، والتي على سبيل المثال لا الحصر خلال أقل من شهر وقعت منها أكثر من جريمة مآساوية أبرزها مقتل المحاسب على يد زوجته بالقليوبية، وتشويه زوج جسد زوجته بمياه النار في الجيزة، ومقتل الطبيبة ياسمين حسن على يد زوجها طبيب الأسنان في الدقهلية.
الدكتورة بسمة محمود المعالجة النفسية
سر إنتشار الجرائم الأسرية
وعن أسباب انتشار الجريمة الأسرية تتحدث الدكتورة بسمة محمود، المعالجة النفسية والأسرية، قائلة أن أسباب انتشار الجريمة الأسرية في البيوت المصرية متعددة، مشيرة إلي أنه خلال الـ 4 سنوات الأخيرة بالتحديد أبرزها وجود خللا في القيم الأسرية والعلاقات الاجتماعية.
وتضيف الدكتورة بسمة محمود، أن من بين أسباب انتشار الجريمة الأسرية أيضا، غياب الخطاب الديني الداعي لتغير السلوك والمحبة والتسامح، وأيضا انتشار المخدرات ومشاكل الضعف الجنسي، والتدهور الاقتصادي الذي تتعرض له الأسرة والذي تنتج عنه الخلافات المالية وبالتحديد قبيل المناسبات الدينية مثل رمضان والأعياد "حيث تطلب الزوجة مصروفات زائدة لتغطية المناسبة"، لا سيما التدهور الأخلاقي والذي يعد أحد أهم أسباب انتشار الجريمة الأسرية.
وتتابع المعالجة النفسية، أن هناك سببا خطيرا حول انتشار الجريمة الأسرية، وهو تغافل الدور الرقابي للأسرة أو غيرها بمعني "أن الجريمة لا تحدث فجأة، فغالبا وبنسب تجاوز الـ 50% ما تكون الجرائم التي تقع على يد الزوج او الزوجة، لها مؤشرات تشير إلي احتمالية حدوثها"، مشيرة إلي "أنه قد يكون هناك مؤشرات لقيام هذا الشخص - الزوج أو الزوجة - بارتكاب سلوك اجرامي ذات يوم، كمثال .. بيكسر في حاجات البيت، عصبي زيادة عن اللزوم، وكثير التهديد والضرب والسب والشتائم، أو ان يكون عاطلا او مصابا بمرض نفسي، لا سيما علاقته بأهله وقيامه بالتعدي عليهم بالضرب والسباب، او متعاطيا للمخدرات او غير متزن يرتكب أفعال شاذة"، وهنا الدور الرقابي يتعين في الأسرة كمثال أو ضابط الشرطة في القسم أو أحد الأقارب الذي يحاول الصلح بين الطرفين، فكيف لنا أن يتصف شخصا بأحد المواصفات التي تشير إلي أنه قد يرتكب سلوك إجرامي ونقوم بالصلح بينه وبين الطرف الأخر".
المعالجة النفسية: لماذا نتزوج؟
وتساءلت الدكتورة بسمة، لماذا نتزوج.. قائلة "احنا معندناش تأهيل نفسي وأسري سليم، وسرعة الزواج أو حتى الزواج بعد عامين من الخطوبة أو أكثر وبدون تعرف الطرفين على سلوكيات بعضهم البعض يؤدي إلي وقوع مشاكل في الزواج، فلابد من وجود دراسة خلال فترة الارتباط أيا كانت، هل هو الشخص الملائم و هل القيم الاخلاقية والاجتماعية والدينية متوفرة في الزوج أو الزوجة".
وتابعت، من بين أسباب انتشار الجريمة الأسرية في مصر، انتشار مشاهدة العنف في الاعمال الدرامية في منصات التواصل الاجتماعي، والسينما أو غيرها، فكلما اعتدنا على رؤية المشاهد الإجرامية كلما زادت نسبة الإجرام داخل الشخص ذاته، كمثال إذا كان هناك شخصا يعاني من اضطراب شخصي أو مرض نفسي وإعتاد على مشاهد العنف فمن السهر أن ينجرف نحوه ويرتكب جريمة.
واختتمت الدكتورة بسمة محمود حديثها عن أسباب انتشار الجريمة الأسرية، أن نظرة المجتمع للمطلقة سببا من الاسباب، حيث يسيطر على تفكير الزوجة نظرة المجتمع لها عقب الطلاق فتلجأ للاستمرار أما السلوك الإجرامي للطرف الأخر وهو ما ينتهي بقتلها أو ارتكابها جريمة القتل.
أثار الجريمة الأسرية على الأطفال
وعن أثار وقوع الجريمة الأسرية على الأطفال تشرح الدكتورة بسمة محمود لـ "صدى البلد"، قائلة: أن هناك أثار قصيرة المدى وأثار طويلة المدى، والأثار قصيرة المدة هي أنه عقب مشاهدة الصغير لمشاهد الضرب أو العنف أو الدماء فأنه يتعرض لصدمة وأثار نفسية، ينتج عنها مشكلات في النوم والتبول اللاإرادي والرعب والقلق والكوابيس المتكررة والتلعثم في الكلام ومشكلات في دراسته وزيادة نوبات البكاء، وارتكابه شغب في مدرسته أو مع أسرته، فينتج أمامنا طفلا إمام مشاغب أو منطوي.
وعلى المدي الطويل، فإن الطفل يصاب بفقدان الإحساس بالأمان، لا سيما الاضطرابات النفسية المختلفة مثل الاكتئاب والرعب الاجتماعي وعدم احترام الذات، واضطراب الشخصية السيكوباتية "الشخصية المعادية للمجتمع"، مثال أن هناك شباب في سن العشرين والثلاثين يحملون بداخلهم كميات من العنف الغير مبرر قد تصنع لدينا مجرم أو إرهابي أو شخص عنيف ضد أسرته ومجتمعه المحيط به.
وتضيف المعالجة النفسية، أن الأطفال التي تتعرض لمشاهد العنف والدماء هي أكثر عرضة للخطر في علاقاتها المستقبلية فقد تكون شخصية مؤذية في علاقاتها، أو تتعرض لعلاقات مؤذية ولن تصبح شخصيات سوية.
- الحد من إنتشار الجريمة الأسرية في البيوت المصرية
وقدمت الدكتورة بسمة محمود نصائح للحد من انتشار الجريمة الأسرية قائلة :من وجهة نظري أنه يجب أن يكون هناك 4 وثائق تطلبها مشيخة الأزهر "المأذون" أو الكنيسة لإتمام الزواج وهي ""كشف للاتزان النفسي لكلا الطرفين قبل التصديق على عقد الزواج، كشف للصحة الجسدية والجنسية لكلا الطرفين، ورقة رسمية من الجهات الحكومية ان الزوجان لديهم دورة تأهيلية ونفسية لإقامة المؤسسة المقدسة وهي مؤسسة الاسرة، وكشف تحليل المخدرات" وبدونهم لا يتم التصديق، مؤكدة أنه يجب أن يتم إستخراج الـ 4 وثائق من "وزارة الصحة متمثلة في المستشفيات الحكومية بختم شعار الجمهورية، والجهات الحكومية، وليست من الأماكن الخاصة".
أيضا لابد من وجود برامج توعية على يد أخصائيين نفسيين واجتماعيين ودورات مجانية تأهيلية للمقبلين على الزواج عن كيفية إقامة علاقة أسرية سوية متكاملة، لا سيما التوعية الدينية وكيفية التعامل مع الأخر، وأخيرا وأهمهم مراجعة كافة المسلسلات والأفلام والمواد الإعلامية قبل عرضها لحذف مشاهد العنف والقتل كونها سببا من أسباب انتشار الجريمة الاسرية في مصر.