«البطل محمد أمين» يحكى تفاصيل إختراق الجنود البواسل خط بارليف المنيع
ملحمة أكتوبر المجيدة مليئة بالعديد من البطولات التى خاضها رجال ضحوا بأرواحهم من أجل إستعادة الكرامة قبل الأرض من أيدى العدو الصهيونى الغادر واليوم ونحن نحتفل بالعيد الرابع والأربعون على هذا النصرالمبين نحكى رواية من أرشيف البطولات لأحد رجال مصر البواسل وهو البطل محمد أمين ابن قرية سنجرج مركز ملوى بمحافظة المنيا، والذى من دواعي فخره تجنيده في السابع والعشرين من شهر ديسمبر ١٩٧٢ بمنطقة تجنيد أسيوط، والتحاقه بسلاح الإشارة اللاسلكية ومن مركز التدريب بالجبل الأحمر وبعد ثلاثة أشهر تم ترحيله إلى جبهة السويس الجيش الثالث.
أطلق البطل العنان لخياله ليسترجع أعظم الذكريات وكأنه يحدث نفسه فيقول : "بدأنا التدريبات الجادة والمتواصلة لنكون على أتم الاستعداد حتى أواخر شهر سبتمبر وتم ترشيحي لأحصل على فرقة حرب كيماوية، ومر وقت قصير وجاء قائد الكتيبة ومعه أوامر بإلغاء الفرق واستدعاء الإجازات، والاحتياط، ومراجعة المركبات بأنواعها، والإقلاع عن الاحتياجات، وحفر خنادق، وحفر برميلية حول الدشم".
وتابع: "تحركت ضمن طاقم سيارتين لاسلكية ودلالة معاونة جوية وتوجهنا إلى أحد المواقع، وكل قائد سلاح له غرفة يدير منها، وكان عملي أن أقود كل الأسلحة عن طريق اللاسلكي ومعي قائد مباشر برتبة عقيد، ونصبنا الهوائيات خاصة اللاسلكي، ومُدت الخطوط داخل الغرفة المعدة، وجاءت الأوامر من القيادة العامة بأن ساعة الصفر هي الساعة الثانية بعد الظهر يوم السادس من أكتوبر، وستحل الطائرات في تمام الساعة الثانية والربع لتشتبك المدفعية ويبدأ العبور، وخرجنا إلى أعلى فوق التبة لنشاهد طائراتنا قادمة من الغرب على ارتفاع منخفض وكأنها في نزهة، وعندما وصلت القناة ارتفعت جدًا ولم نسمع أي شيء لأنها دخلت لعمق سيناء وظللنا واقفين حتى عادت الطائرات، وعددناهم كما عددناهم في الذهاب".
وأضاف: "انتظرنا لنرى رد فعل إسرائيلى ولم نرَ أي شيئ، وكانت الصورة والفكرة عن إسرائيل والجيش الذي لا يقهر، وذات الذراع الطولى، فكنا معتقدين أن غارات إسرائيل ودفاعاتها ستنهال علينا من كل حدب وصوب وأن القناة ستشتعل وستكون الجسر لعبور القوات، لأن فترة ما قبل الحرب كانت مليئة بالحديث عن إسرائيل، وهذا منطقي أن نأخذ صورة قوية عن عدونا لأخذ الحذر".
ويكمل: "أعطيت الأوامر للواء الخامس المواجه لإسرائيل بأن تقوم الجنود بغسل ملابسها وتنشرها فوق الساتر الترابي، حتى يراه جنود إسرائيل ويجمع قبل الساعة الثانية إلا خمسة دقائق للتمويه، وكان ذلك يوم الحرب ٦ أكتوبر فقد حدث تمويه بشكل كبير، وبدأ العبور واعتلت الجنود خط بارليف، والتي عبرت بزوارق المطاط وبدأ تدمير الخط الحصين والذي يبلغ ارتفاعه من جهة الماء ٢٠متر زاوية قائمة وعرض ٥٠متر منحدر من جهة إسرائيل، ويبعد عنه بعدة أمتار ترعة وهمية مزودة بنقاط قوية موزعة عليه وخلفه على هيئة رجل غراب".وأضاف قائلا: "لم تستبعد إسرائيل عبور مصر برغم قوة خط بارليف وتحصيناته، لذلك قامت بعمل الترعة الوهمية لتعطيل وإعاقة القوات المصرية، وأخذت المدفعية تدك في معاقل إسرائيل، وجاءت الطلعة الثانية للطائرات المصرية قبيل المغرب مباشرة، وعبور المشاة مستمر وكان هناك أمر بالإفطار، ففطر من فطر وصام من صام، وأنا والحمد لله أتممت الصيام ولمدة الثلاثة أيام الأولى، وكان إفطاري قطعة عجوة أو تمر وماء، لأن اليوم الأول شغل الأفرع والمواقع، وكانت الصدمة التي تسببت في تأخير عبور القوات هي مكونات خط بارليف، وهى عبارة عن حديد وصخور ورمل وكتل أسمنتية، وأخذنا مضخات المياه والتفجيرات وردات الفعل طيلة الليل لهدم خط بارليف".
وتابع: "وفى السادسة صباحا تحركنا لنمر على القناة من الدفرسوار عند البحيرات المارة شمال السويس، حتى منطقة العويس شرق السويس، وفى أثناء مرورها رأينا ازدحامًا للجنود فطالبناهم بالانتشار وحمل الشهيد بعد التعرف عليه إلى مقابر الشهداء .
واستكمل حديثه: "أخذنا طريقنا إلى أن وصلنا إلى رأس الكوبري، وكانت الساعة قد اقتربت من التاسعة صباحًا وجميع الجنود الواقفة وتقدر بالمئات استخدمت "الكوريك"، وبدأت الجنود تحفر في الفتحة المراد فتحها في خط بارليف، ولم يذكر أحد هذا الموقف للجنود، أربعة وعشرون ساعة مضخات ومتفجرات ومازالت القوات لم تعبر مما دفع الجنود لاستخدام "الكوريك"، وقمت بالإقامة على المعبر لتسجيل القوات العابرة وتحديد موقعها وتنسيقها مع القوات التي سبقتها، تفاديًا لعدم استخدامها .. وكل هذا تحت صيحة الله أكبر، والتي كانت تزلزل أجواء المعركة، كان لها صدى صوت رهيب، ثم جاء دوري في العبور يوم ٩ أكتوبر وعندما وطأت قدماي ونزلت من المركبة وأخذت أتأمل أرض الفيروز برمالها الذهبية، مثلى مثل غيري من الجنود وانهارت الدموع مع التكبير والتهليل، إنها سيناء أرض الأنبياء التي ارتوت بدماء الشهداء".
واختتم حديثه قائلا: "جاء وقف إطلاق النار في ٢٢ أكتوبر وخرج الجنود الإسرائيليون قبل المصريون يطلقون النيران، ابتهاجًا بقبول وقف إطلاق النار، وبادلهم الجنود المصريون، وبدأت محادثات الكيلو ١٠١ طريق السويس، وانسحبت إسرائيل وتم تخفيض القوات المصرية في سيناء إلى ألف جندي، وكنت ضمن الألف جندي حتى خروجي عام ١٩٧٥".