الكاتب الصحفى طه خليفة يكتب .. رفع الفائدة .. لا فائدة للمصري .. إغراء للأجنبي !
قررت لجنة السياسة النقدية، بالبنك المركزي، يوم الخميس 19 مايو الجاري، رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، 200 نقطة أساس، أو 2%، لتكون الفائدة على الودائع 11.25%، وعلى القروض 12.25%.
ولنا هنا العديد من الملاحظات على هذا القرار الذي جاء بعد قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، 4 مايو، برفع الفائدة، 50 نقطة أساس، لتصل إلى 1%، وهى أكبر زيادة منذ عام 2000، وسيتواصل رفع الفائدة خلال الاجتماعات القادمة للسيطرة على التضخم.
رقم واحد: البنك المركزي المصري لم يُسارع بعقد اجتماع، للإبقاء على سعر الفائدة، أو رفعها، فور قرار المركزي الأمريكي، كما فعلت بلدان أوروبية وخليجية، وهو ثبات جيد، فلم يكن منطقياً حدوث ذلك لأنه كان قد عقد اجتماعاً استثنائياً، يوم 21 مارس الماضي، وقرر فيه رفع سعر الفائدة 1%، واتخذ قرارين آخرين؛ خفض سعر الجنيه بنحو 15%، وإصدار شهادة إدخارية جديد بفائدة 18%.
البنك انتظر الموعد المبرمج للاجتماع، وهو الخميس الماضي، واتخذ قراره بالرفع الكبير لنسبة الفائدة.
رقم اثنين: قرارات المركزي برفع، أو خفض، أو تثبيت سعر الفائدة، لا علاقة مباشرة له بحركة الأسعار في الأسواق، فالأسعار تتحكم فيها عوامل عديدة منها: القوة الشرائية للجنيه، والعرض والطلب، ونسبة التضخم، ذلك أن قطاعات من المصريين كانت تتخوف من انعكاسات قرارات البنك بشأن الفائدة على الأسعار. والأسعار لا محدد أو كابح لها، فهى في صعود بسبب وبدون سبب، ويمكن التحكم فيها وضبطها بدرجة ما بواسطة آليات الرقابة الحكومية الصارمة على الأسواق والتجار والمنتجين، ووعي المستهلكين، لكن الأساس هو الإنتاج، والاكتفاء الذاتي، وتحجيم الاستيراد.
رقم ثلاثة: قبل سنوات لم يكن أحد مهمتماً باجتماعات لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، ولا أبالغ إذا قلت إن شريحة من المثقفين لم تكن تعلم عنها الكثير، باستثناء المتعاملين مباشرة مع المركزي، أو أصحاب المدخرات الكبيرة، وكانت اجتماعات اللجنة تتم وتنفض دون أن يشعر بها أحد، وغالباً كانت قراراتها غير مؤثرة حيث سعر الفائدة كان محدوداً، وتحريكه كان يتم على فترات طويلة، والوضع الاقتصادي والمعيشي كان شبه ثابت وآمن.
اليوم، الحالة مختلفة، فقد باتت الاجتماعات مثار اهتمام واسع من الناس والإعلام، بسبب الأوضاع الاقتصادية والمالية المتغيرة والقلقة، واتجاه شرائح من المواطنين للإدخار في البنوك، بشراء شهادات، أو عقد ودائع، ضماناً لهم عن مخاطر الاستثمار والتجارة، وقد توسع البنك المركزي في إصدار شهادات بنسب فائدة مرتفعة وغير مسبوقة للسيطرة على التضخم، (شهادة 20% سابقاً، 18% حالياً).
ومن الجيد أن الثقافة الاقتصادية بدأت تنتشر، حتى لو كان يعتريها شعور بالخوف المشروع على الأوضاع المعيشية، والمدخرات التي تتآكل قيمتها مع كل خفض لقيمة الجنيه، ومع استمرار ارتفاع الأسعار.
رقم أربعة: قرارات المركزي في 21 مارس الماضي جعلت رفع سعر الفائدة في 19 مايو الجاري بلا فائدة عاجلة ملموسة على المواطنين.
كيف ذلك؟.
المركزي عندما أصدر شهادة الـ 18% لمدة عام، يوم 21 مارس الماضي، من كانت لديه مدخرات اتجه للبنك الأهلي، أو بنك مصر للتعاقد عليها، فهى أكثر عائداً له من شهادة الـ 11 % القائمة، والتي تصدرها مختلف البنوك الحكومية والخاصة، والفارق في العائد قدره 7%، والمركزي أراد بالشهادة الجديدة تعويض الناس عن انخفاض القوة الشرائية للجنيه، وتآكل قيمة المدخرات بعد الخفض الثاني للجنيه 21 مارس، وكان الخفض الأول الأكبر، يوم 4 نوفمبر 2016، بنحو 50% من قيمته، فيما سُمى تحرير الجنيه أو تعويمه، ومنذ هذا الوقت وهناك انفلات غير مسبوق في كافة أسعار السلع والخدمات.
رقم خمسة: هل معنى ذلك أن رفع الفائدة 2% بلا فائدة؟.
في تقديري، هو غير مفيد للمصري في هذه الفترة، في ظل وجود شهادة الـ 18% التي سيفضلها من لديه مدخرات حتى لو كانت مدتها عاماً واحداً فقط.
ثم إن الفائدة للودائع، بعد زيادة الفائدة 2%، ستكون 11.25%، وعملياً البنوك تصدر شهادات بهذه النسبة، أو أقل قليلاً جدا،ً (11%)، وبالتالي ليست هناك ميزة جديدة.
الميزة تتحقق فقط عندما يتوقف إصدار شهادات الـ 18%، سيكون أمام المواطنين شهادات 11.25%، وهنا يمكن للبنوك زيادة النسبة لتكون 12%، أو 13%، أو 14%، لأجل الإغراء وجذب مزيد من السيولة.
رقم ستة: شهادة الـ 18% بدأت يوم 21 مارس الماضي، ولا تزال مستمرة، ونجحت في جذب 670 مليار جنيه حتى الآن، والحصيلة ستزيد، والمعنى أن نسبة كبيرة من السيولة انتقلت من جيوب الناس إلى بنكي الأهلي ومصر، وهى ليست كلها سيولة من خارج البنوك، نسبة مُعتبرة منها كانت شهادات وودائع ومدخرات في البنوك بالفعل، وقام أصحابها بكسرها وتحويلها للشهادة الجديدة للاستفادة من فارق الفائدة حتى لو كان هناك نسبة خسارة من كسر الشهادات القائمة.
وأظن أن السيولة ذهبت لشهادة الـ 18%، وبالتالي بعد إيقافها قد لايكون هناك إقبال على شهادة الـ 11.25%، ولن يكون مفيداً كسر شهادات حيث الفارق بين الفائدتين سيكون معدوماً، إلا إذا قامت البنوك وبقرارات منها بإصدار شهادات بنسبة فائدة أعلى.
رقم سبعة: ما الهدف من رفع نسبة الفائدة؟.
الهدف معالجة التضخم المرتفع، وهو يلامس 14% في أبريل الماضي، وكان 10% في مارس.
ماذا يعني التضخم؟.
هو في أبسط تعريفاته، وجود سيولة مع الناس، وارتفاع في الأسعار، ولأجل محاولة خفض الأسعار يتم جذب هذه السيولة في قنوات إدخارية بنكية ذات فائدة مرتفعة، وبالتالي تتراجع عمليات الشراء، فتنخفض الأسعار.
ما موقع هذا التعريف في الحالة المصرية؟.
في مصر، هناك ارتفاع أسعار، وليس هناك سيولة لدى كل الناس، والسيولة الموجودة ذهب 670 ملياراً منها للبنوك، وهو مبلغ ضخم جداً، فلماذا لا تنخفض الأسعار؟.
ببساطة لأن العقدة في القوة الشرائية للجنيه، وليس في السيولة، عندما تتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، وعندما تكون المواد الخام مستوردة، ونسبة كبيرة من المواد الغذائية وارادت من الخارج بالدولار المرتفع، والميزان التجاري يعاني خللاً، فلابد أن ترتفع الأسعار.
وهذه حالة تخلق نوعاً خاصاً من التضخم في مصر، وعلاجه ليس برفع أسعار الفائدة دوماً، إنما بتقوية الجنيه والاقتصاد، والتركيز على الإنتاج الصناعي والزراعي، وتخفيض فاتورة الاستيراد، وزيادة الحصيلة الدولارية، والتقشف الحكومي الجاد، وإعادة ترتيب جدول الأولويات للمشروعات المختلفة، وضبط الإنفاق العام.
رقم ثمانية: من المستفيد من رفع الفائدة 2%؟.
المستفيد هو المال الساخن، أو الاستثمار في أدوات الدين الحكومي، بمعنى أن الحكومة بحاجة للعملات الصعبة، وعندما تطرح أذون الخزانة والسندات، فإن المستثمر والمغامر الأجنبي حينما يجد الفائدة مرتفعة، فإنه يستثمر فيها للاستفادة من الفائدة الكبيرة في الأسواق الناشئة التي لا يجدها في بلاده، وعندما يشعر بعدم استقرار اقتصادي أو سياسي، أو مستجدات وظروف محلية أو دولية طارئة، فإنه ينسحب، وهذا يتسبب في أزمات للبلد الذي يستثمر فيه، ورئيس الوزراء قال في المؤتمر الصحفي الأخير إن حجم المال الساخن الذي خرج من مصر على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية 20 مليار دولار، وقد تسبب ذلك في تأثيرات على الوضع الاقتصادي المصري، لهذا كانت قرارات 21 مارس الماضي بزيادة الفائدة، وشهادة الـ 18%، وتخفيض قيمة الجنيه، والهدف كان إغراء من يدخرون الدولار لبيعه، والاستفادة من سعره المرتفع، ثم تحقيق استفادة أخرى من الشهادة الجديدة باستثمار عائد بيع الدولار فيها، وبالفعل حصلت الحكومة على حصيلة دولارية كبيرة.
مع هذا، لن يكون هناك إغراء كبير للمستثمر الأجنبي لشراء أدوات الدين لأن رفع الفائدة في أمريكا والبلدان ذات الاقتصادات القوية المستقرة هى أسواق أكثر أماناً وإغراء له للاستثمار فيها.
رقم تسعة: قلنا إن المصريين لا يستفيدون بشكل عاجل من رفع الفائدة في اجتماع 19 مايو، فماذا عن الاستثمار المحلي الصناعي والإنتاجي؟.
الاستثمار سيعاني، ذلك أن الفائدة على الاقتراض ارتفعت بنسبة 2%، أي هناك أعباء جديدة على المستثمر في الداخل سيتحملها عند الاقتراض، والمتاعب ستزيد أكثر على الاستثمار الصغير والمتوسط لأن ملاءته المالية محدودة، وبالتالي ترتفع أسعار المنتجات لأن التكلفة التشغيلية ستزيد، كما أن أعباء خدمة الدين الداخلي سترتفع على الحكومة.
الخلاصة، أننا بحاجة لاقتصاد إنتاجي، ذلك أن الإنتاج والتصدير هما صلب بناء اقتصاد قوي ومزدهر، وإعادة النظر جذرياً في السياسات الاقتصادية والتنموية، وترتيب الأولويات في المشروعات القائمة، والتقشف الجاد والصارم، والسيطرة الكاملة على الإنفاق العام، ومواجهة الفساد المتغلغل والمتزايد، ومراجعة جدوى صرف كل جنيه، وإنفاقه على الوجه الصحيح.
كاتب المقال الكاتب الصحفى طه خليفة مدير تحرير جريدة الاحرار اليومية