حكايات من الواقع.. نيران الفتنة
شعور مستحيل أن تكون ميتًا على قيد الحياة ومجبرًا أن تحمل على عاتقك رسالة هى الأكثر تعذيبًا فى مرحلة هى آخر العمر.. !
شيء من الأمل كنت أعيش عليه بين رجاء أشبه بالمستحيل ويقين بالله وقدره وصبر لازمني حياتي أكثر من ثمانية عشرة عاما عشتها مع زوجتي وأنا أعلم أنها عاقر لن تنجب الطفل الذي عشت أحلم به طوال عمري.
عاشرتها حبا وصبرا وطيب معاملة فهي لم تقترف ذنبا في حقي وإنما هي مقدرات الله ولا راد لقضائه وكنت هانئا قانعا بهذا لولا أن تدخلات أشقائها في حياتنا كانت دائما أشبه بألسنة النار تزحف علي أواصر البيت تحرق الحب فيها وتخلف وراءها رماد بغضاء وكراهية..!
لم أدرك أن السعادة التي كنت أعيشها لن تستمر في ظل ترقب آخرين لحياتنا وتتبع معيشتنا والتدخل فيها بالشر, ولم أجد سببا واحدا يجعل من شقيق زوجتي يغريها علي خراب بيتها ويدفعها للانفصال عني وكأنه يلقي بها إلي الشارع بلا رحمة أو عقل فزوجتي ليس لها أحد غير ثلاثة أشقاء كل يعيش في بيته منشغلا بحياته وأولاده إلا واحد لم يكن يشغله شيء ولا يهوي غير خراب بيت أخته
كنت أعرف أنه لا يحبني منذ أن تزوجت أخته ولم أعرف سببا لذلك غير أنه كان طامعا في.. يبتزني ويسحب مني مالا وفي كل مرة بحجة مختلفة فتارة ابنه مريض وغير قادر علي علاجه وتارة عليه دين ويعجز عن سداده وعندما ضقت به ومن استنزافه ابتعدت عنه وأحجمت عن مساعدته بغير حاجه فما كان منه إلا أن ناصبني العداء وأخذ يشعل الوقيعة بين وبين زوجتي حتي اختلت الحياة بيننا وانهار استقرار بيتي مشتعلا بنيران الفتنة حتي انفصلت عنها بعد عشرة استمرت أكثر من ثمانية عشر عاما.
كانت حياتي معها طوقا يقيدني وحيدا في الدنيا ولكني كنت صابرا عليها إلي ما لا نهاية, نسيت حلمي أن أكون أبا من أجلها, لم أشعرها يوما بنقيصتها وعجزها, ولكني الآن وبعد أن انفك طوق القيد من رقبتي برغبتها لا رغبتي أجدني زاهدا في كل شيء, النساء والأطفال والحياة بأسرها, لا أجد لنفسي مكانا فيها غير لقيمات يقمن أودي أستطيع بهم القيام بعملي والعودة في آخر النهار متكوما في فراشي ما بين السهد والأرق تتحجر عيناي عن النعاس حتي تأخذني غيبوبة مجهدة رغما عني.
لم يكن في حياتي غير شقيقي الأصغر مني وهو إنسان يعيش خارج الدنيا عاجزا عن الحياة إلا من أنفاس تتلاحق في صدره زفرات وآلام مبرحة.
عندما انفصلت عني زوجتي أخذني كي أعيش معه في بيت العيلة, كان طبيعيا ويعمل ليل نهار ليدبر لنفسه شقة ويؤسسها ويتزوج, قلت له إن شقة أبينا هو الأولي بها وعليه أن يتزوج فيها ولا يعبأ بي ولسوف أدبر حالي ولكنه لم يتركني واحتوي أزمتي وكأنه أبي لا أخي الأصغر.
شهور قليلة عشناها سويا حتي فاجأتني الأقدار بصدمة هي الأعظم في حياتي, تعرض أخي لحادث مروع, صدمه سائق موتور يلتهم الطرقات في سرعة جنونية وكان أخي في طريق العودة من عمله ليلا, أطاح به بلا رحمة ولم يتوقف له أو حتي ينقله إلي المستشفي, تركه غارقا في دمائه وهرب ولولا المارة الذين سارعوا بطلب الإسعاف لاستنزف أخي دمه حتي مات.
في المستشفي أجريت له عدة عمليات جراحية, كان الأطباء يسابقون الزمن حتي حالوا بينه وبين الموت وكتبت له الحياة ولكنها حياة كأنها الموت فقد خرج أخي من الحادث عاجزا تماما عن الحركة, كتب عليه أن يستوطن فراشه مدي الحياة بعجز رباعي عن الحركة وصعوبة في الفهم والنطق.
وها هو الآن ينظر إلي خوفا وفزعا, تنتابه نوبات صرع يصرخ فيها ملء صدره لا يهدأ إلا بالأدوية ووجدت أن أخي أصبح مسئوليتي أعمل قدر طاقتي لأوفر له نفقات علاجه الباهظة وفي آخر النهار أقوم علي خدمته وتوفير كل ما يلزمه من احتياجات وكأنه طفل في جسد رجل.
لست أدري ماذا أفعل, أشعر أن صحتي تغادرني شيئا فشيئا ولم أعد أقوي علي خدمة أخي بمفردي وهناك من ينصحني أن أتزوج من امرأة تعينني علي مسئوليتي ورعاية أخي ولكني غير مؤهل لذلك لقد خرجت من تجربة زواج أورثت في قلبي عقدة لا أستطيع الفكاك منها.
غير أني في مرحلة من العمر تنسحب مني فيها الصحة والمال أضف إلي ذلك عدم التفرغ لما فيه أخي من حال, أعرف أن مشكلتي ليس لها حل ولكني أخرجت ما بداخلي من هم ثفيل لعلي أتخفف منه وليرحمني الله.
ن. ا
من قال يا أخي إن الدنيا مهما امتحنت صاحبها في صحة أو مال أو ولد تغادره يأسا وإحباطا كما أنت عليه من قنوط وقلق نفسي, بالتأكيد ما مررت به ليس سهلا أو هينا وأنت من الصابرين المحتسبين ألم تحتسب حرمانك من الأبوة سنوات طوال لله لما تخليت عن صبرك الآن الذي هو حليف حياتك وإذا كانت هناك مساحة من الأمل دائما ما يوفرها لنا الله في قلوبنا فعليك أن تحتل بها مكانك بين الحلم وإن كان مستحيلا والرجاء طمعا في كرم الله, والزواج يا أخي سيكون فيه ستر لك ورحمة بأخيك وأمل قد يتجدد في أبوة ضاعت وأصبحت مستحيلة فلا تتردد وتوكل على الله متشحا بالصبر والإيمان بالله وصدق المولي عز وجل في كتابه الكريم عندما قال ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنـا إليه راجعون أولـئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولـئك هم المهتدون, سورة البقر 155-157
أما أمر أخيك فهو بالتأكيد في محنة حقيقية خفف الله آلامه بالصبر وأثابه الخير في الجنان يوم القيامة ولكن مازال الأمل في الله يفتح أبوابا مغلقة وإن كانت مستحيلة وهناك من أصحاب القلوب الرحيمة من سيمد له يد الرحمة والمساعدة سواء في نفقات الدواء باهظة التكاليف أو بالفحص والتدقيق في أسلوب علاج جديد يعيد إليه الحياة مرة أخري تتجدد في أوصاله بإذن الله وقدرته.