د.أحمد عبد الرحمن الزارع يكتب.. الشيخ ”عبد الباسط” أيقونة قرآنية متفردة
لم تختصني الأقدار بشرف اللقاء وجها لوجه مع صاحب الصوت المتفرد ؛ القاريء النابغة ؛ عبد الباسط محمد عبد الصمد، عليه رحمة الله ، الذي تحل ذكرى وفاته الرابعة والثلاثون يوم الأربعاء المقبل، رغم تعلقي الشديد في شرخ الصبا بصوته في المجود و المرتل على حد سواء و الذي كان والداي يترقبان مواعيد تلاواته على موجات أثير الإذاعة المصرية بجميع محطاتها في مواعيدها الثابتة المتنوعة مثل: البرنامج العام و صوت العرب و القرءان الكريم على سبيل الذكر لا الحصر ، و الذي لا أخفي سراً إن قلت إن صوته شديد التميز و طريقته الخلابة في الأداء قد نُقِشَتَا في قرارة نفسي و ذاكرة قلبي بمداد لا ينفد و لا تمحوه السنون ..
أذكر المرة الوحيدة التي رأيته فيها على مرمى البصر من مكان بعيد لا أكاد أتبين ملامحه المصرية الصعيدية المليحة في أواخر سبعينيات القرن المنصرم ، و كان يرتدي كاكولة (قفطانا بلا رقبة) ناصعة البياض و كان في صحبة القاريء الشيخ محمد محمود الطبلاوي في ضيافة الحاج محمد فرج صاحب و مؤسس مسجد محمد فرج بحدائق القبة و أكبر سَمِّيع للقرءان الكريم في هذه الحقبة الثرية؛ عليهم رحمة الله جميعا .. كانت أمسية إذاعية على الهواء لإذاعة القرآن الكريم و قرأ فيها كلا الشيخين و قد اصطحبني والدي - عليه رحمة الله - أنا و شقيقي الأكبر لسماع الشيخين الشهيرين بعدما اسْتُعْلِنَ خبرُ قدومِ الشيخين مع طاقم الإذاعة في حي حدائق القبة العريق بأكمله، غير أن واحداً من ثلاثتنا لم يحظ حتى بمصافحة أي من الشيخين بسبب الزحام الهائل الذي كان يغص به صحن المسجد فضلا عن رواقه و الطرق المؤدية له ..
لا ريب و لا جدال في أن الشيخ عبد الباسط مَثَّلَ - و ما زال يُمَثِّلُ - العتبة الأولى؛ و إن جاء اختلاف المسار في عقب ذلك طوعا أو تلقاءً ، لكل ناشيء يبتغي احتراف تلاوة آيات الكتاب العزيز، سواءً كان في مصر أو خارجها ، بعد أن صار الشيخ "عبد الباسط" وصوته الذهبي أيقونة متفردة و صوتًا لا مثيل له بين بني البشر، فضلا عن تركيبة شخصية وقورة هادئة متناغمة ذات أخلاق سامية أشاد بها كل من تعامل مع الشيخ على المستوى الفردي أو الجماعي.
ما زال الشيخ "عبد الباسط" يتربع على عرش تلاوة القرآن الكريم في العالم الإسلامي أجمع بعد مرور أكثر من أربعة و ثلاثين عاما على رحيله ؛ إذ أنَّ تلاواتِهِ الصوتيةَ و المصورةَ لم تزل ملءَ السمعِ و البصرِ فحسب ، بل إن مقلديه مازالوا يكثرون عدداً و تلاواته على كافة منصات التواصل الاجتماعي تحتل مكانة شديدة السموق و الانتشار بين محبي الاستماع و متذوقي مختلف التلاوات و الأصوات ، إن لم تكن أعظمها انتشارا .. فسلاما و تحية للبطن التي حملته و للشيوخ الذين درسوا له والإذاعة المصرية العريقة التي أبرزته و قدمته للعالمين.
كاتب المقال الدكتور أحمد عبد الرحمن الزارع