النائبة أمل رمزي تكتب : عاش الهلال مع الصليب”... رسالة وطنية في عيد القيامة المجيد

اليوم هو عيد لكل المصريين،، فهو ليس مجرد احتفال ديني، بل مناسبة وطنية تتجدد فيها مشاعر المحبة والمودة، ويُجسد فيها الشعب المصري وحدة نسيجه الوطني الذي لم تهزّه المحن، ولم تفرقه الأزمات.
نحتفل بعيد القيامة المجيد، أحد أعظم وأقدس الأعياد المسيحية، ونحن على قلب رجل واحد، نُعبر فيه عن قيم التسامح والتعايش، ونُرسل للعالم كله رسالة مفادها أن المصريين، مهما اختلفت عقائدهم، فإنهم يشتركون في حب هذا الوطن والدفاع عنه.
ولأن عيد القيامة المجيد يمثل مناسبة وطنية تُجسد أسمى معاني المحبة والمشاركة، فقد حرصت مؤسسات الدولة على توفير أجواء مبهجة ومناسبة للاحتفال، حيث ازدانت الشوارع والميادين الكبرى بالورود والزينة، وامتلأت الساحات العامة بالأعلام المصرية تعبيرًا عن وحدة أبناء الوطن.
كما حرصت وزارة الثقافة على تنظيم عدد من الفعاليات والعروض الفنية احتفاءً بالعيد، إلى جانب مشاركة قصور الثقافة بمجموعات من العروض المسرحية والموسيقية التي تعكس روح مصر المتنوعة، وتُعزز مشاعر الانتماء بين المواطنين.
بينما، كثّفت وزارة السياحة والآثار أنشطتها لاستقبال الزوار من داخل مصر وخارجها في المناطق الأثرية والمزارات التاريخية، وفتحت أبواب الكنائس الأثرية أمام الزائرين وسط أجواء روحانية تعكس عراقة التاريخ المصري وتسامحه.
وفي مشهد يعكس دفء المشاعر، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي برسائل التهنئة المتبادلة بين المصريين، تؤكد أن هذا الوطن سيظل نسيجًا واحدًا مهما حاول البعض التفريق، وأن البهجة هنا لا تُفرّق بين مسلم ومسيحي، فكلنا نحتفل… وكلنا أبناء مصر.
منذ فجر التاريخ، كانت مصر نموذجًا فريدًا للوحدة الوطنية. نتذكر هنا ثورة 1919 التي انطلقت من قلب الشارع المصري، حين علت الأصوات بشعار خالد "عاش الهلال مع الصليب"، تحت زعامة الزعيم الوطني سعد زغلول، كان المسلمون والمسيحيون في خندق واحد ضد المستعمر، وتحولت المساجد والكنائس إلى ساحات للنضال الوطني.
وقبلها، يخبرنا التاريخ بمشهد مهيب من التسامح، حين أمر الصحابي الجليل عمرو بن العاص، عقب الفتح الإسلامي لمصر، بالبحث عن الأسقف بنيامين الذي فرّ من ظلم الرومان، ليعيده ويُمكنه من إدارة شؤون كنيسته في أمن وسلام، في واحدة من أروع صور العدل الإسلامي والتسامح الديني.
وفي عصر محمد علي باشا، مؤسس الدولة المصرية الحديثة، كانت الوحدة الوطنية في أوج مجدها، فنهضت مصر بسواعد أبنائها، مسلمين ومسيحيين، لتدخل عصر الازدهار العلمي والاقتصادي والعسكري.
ثم جاءت ملحمة أكتوبر المجيدة في عام 1973 لتُسطر على جدران التاريخ وحدة الدم بين أبناء الوطن، الذين قاتلوا جنبًا إلى جنب دفاعًا عن الأرض والعِرض، وأثبتوا أن الدفاع عن الوطن لا يعرف دينًا، بل يعرف فقط الانتماء والكرامة.
وفي عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، تم إقرار يوم 7 يناير، عيد الميلاد المجيد، كإجازة رسمية لكل المصريين، في خطوة مهمة لترسيخ مبدأ المساواة وتعزيز قيم المواطنة.
وتتوالى مشاهد الوحدة في ميادين الثورة، ففي 25 يناير 2011 كان الأقباط يحمون المسلمين أثناء الصلاة في قلب ميدان التحرير، مشهد أبكى العالم، وأثبت أن لحمة هذا الشعب لا تنكسر مهما كانت التحديات.
وفي ثورة 30 يونيو، خرج إمام المسجد بجوار القسيس يهتفان معًا "لا لحكم الجماعة الإرهابية"، في مشهد عبقري يُعيد إلى الأذهان روح ثورة 1919، وحتى عندما حاولت قوى الشر بث الفتنة بحرق الكنائس، كان المسلمون أول من تصدى للدفاع عن دور العبادة، حتى جاء الجيش المصري العظيم ليُعيد ترميم ما حرقته يد الإرهاب.
وجاء الرئيس عبد الفتاح السيسي ليكتب فصلًا جديدًا في تاريخ التلاحم الوطني، كأول رئيس مصري يشارك في قداس عيد الميلاد بالكاتدرائية، ويؤكد أن لا فرق بين مسلم ومسيحي، فكلاهما مواطن كامل الحقوق والواجبات.
وفي أصعب اللحظات، حين اغتالت يد الإرهاب أبناءنا الأقباط في ليبيا، لم يتأخر رد القيادة السياسية، وأمر الرئيس عبد الفتاح السيسي القوات المسلحة بالثأر لدماء المصريين خلال 24 ساعة، فكان الرد سريعًا، والرسالة أوضح من أن تُخطئها عين: كل مصري هو أمانة في رقبة هذا الوطن.
إنني أوجه رسالتي لكل من يحاول بث الفتنة أو زرع الكراهية: اعلم أنك تخدم أعداء الوطن، ولا تنصر دينًا ولا طائفة، إن مصر فوق الجميع، وستظل عصية على الانقسام، قوية بوحدة أبنائها، محمية بإرادتهم، فلنرفع جميعًا شعار "الدين لله والوطن للجميع"، ولنهتف كما هتف أجدادنا: "عاش الهلال مع الصليب".
كاتبة المقال النائبة أمل رمزي عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشيوخ وعضو الهيئة البرلمانية لحزب الوفد