الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد يكتب .. شهر رمضان فى حضرة الوالى والسلطان ( ٥ )
الجمعة الثانية فى جامع الحاكم .. ولغز طائفة البهرة
فى سنة ٣٧٩ هجرية الموافق سنة ٩٨٩ ميلادية أمر الخليفة الفاطمى العزيز بالله ببناء مسجدا كبيرا لا يقل جمالا عن جامع والده المُعز لدين الله ( الجامع الأزهر ) .. وشرع الخليفة فى بناء هذا المسجد خارج باب الفتوح .. حيث لم يكن ذلك الباب العتيق " الفتوح " فى مكانه الحالى بل كان عندما أسسه جوهر الصقلى قريبا من رأس حارة " بين السيارج " حاليا داخل شارع المعز ولكن حين قام الوزير بدر الجمالى بتجديد سور القاهرة أنشأ بابى النصر والفتوح فى موضعيهما الحاليين.
ونعود إلى ذلك المسجد الذى شرع فى بنائه الخليفة العزيز بالله والذى تقرر أن يطلق عليه إسم " الأنور " ، ولكن شاء القدر أن يتوفى العزيز بالله قبل إتمام المسجد ، وتولى الخلافة من بعده إبنه " الحاكم بأمر الله " الذى أتم المسجد ونسبه له الأهالى وأصبح يطلق عليه إسم جامع الحاكم بأمر الله ، وكانت له مكانة خاصة عند الحاكم ولذلك كان حريصا أن يخصص له يوم جمعة فى رمضان فكانت الجمعة الثانية.
وقد إرتبط جامع الحاكم بأمر الله أو الأنور إرتباطا وثيقا بتجمع الفرق الشيعية بداخله وهذا الأمر مستمر إلى الآن ، حيث توجد طائفة " البهرة " الهندية المخصص لها أحد أروقة المسجد و التى تحملت فواتير تطويره عدة مرات.
وطائفة البهرة هم مجموعة من الشيعة القادمين من الهند وهم من كبار التجار وكلمة " بهرة " فى اللغة الهندية تعنى تاجر .. وهذه المجموعة الشيعية والتى يقدر عددهم فى مصر نحو ١٦ ألفا على أقصى تقدير تعتنق الفكر الفاطمى الشيعى وتعشق كل الأماكن المقدسة التى أنشئت فى عهد الفاطمين خاصة فى مصر مثل مساجد الأزهر والحاكم بأمر الله والجيوشى والأقمر.
وقد مكثت جماعة البهرة سنوات طويلة خاصة فى فترة الستينيات من القرن الماضى تسعى لعمل تجديدات فى مسجد الحاكم بأمر الله خاصة وأن المساجد الأخرى تشهد سيطرة مسلمى مصر عليها ولعدم الصدام مع أحدهم خاصة جماعة مسالمة تماما فضلا عن المسجد كان فى حالة مزرية تماما حيث أهمل لعقود طويلة وتهالكت جدرانه وآلت أعمدته للسقوط وتحولت أروقته إلى مخازن للتجار المحيطين بمنطقة الجمالية.
وعرضت تلك الجماعة على الحكومة المصرية أكثر من مرة عمل صيانة وإصلاح للمسجد على نفقتها الخاصة ولكن عروضها كانت تقابل بالرفض حتى جائت فترة السبعينيات ووصلت مطالبهم إلى الرئيس أنور السادات والذى وافق على العرض بشرط أن يقوم الجامع بدوره الطبيعى كمصلى للجميع وفى الوقت نفسه يخصص أحد أروقة المسجد لعناصر طائفة البهرة يمارسون فيه طقوسهم ويعطون الدروس لأتباعهم دون مضايقة من أحد ويقضون فيه الصلاة التى لا تختلف كثيرا عن صلاة المذهب السنى وهو مازال معمولا به حتى الآن فى دليل قاطع على عظمة مصر التى تؤمن بحرية العبادات بلا تشدد.
وأنفقت طائفة البهرة أكثر من مليون جنيه على تجديدات الجامع وأصبح فى أبهى صورة كما هو الآن وإن كانت يد الإهمال إمتدت إليه إلى حد ما فى الوقت الحالى.
وقد إنتهت هذه التجديدات عام ١٩٧٦ ووجهت الدعوة للرئيس السادات ليقوم بإفتتاحه والذى وافق على الفور بلا تردد غير أن الأجهزة الأمنية حذرته من تعرضه للإغتيال فى حى الجمالية الشعبى الذى يصعب تأمينه إلا أن الزعيم السادات ضرب بهذه التحذيرات عرض الحائط وأصر على القيام بهذه المغامرة وهو ما حدث بالفعل وسط فرحة جماهيرية كبرى حيث إستقبله الأهالى بحفاوة بالغة وأطلقت النساء الزغاريد بالبطل المنتصر.