الكاتبة الصحفية امال ربيع تكتب عن طاووس زمانة
الغرور مرض لا شفاء منه، ولا لقاح ، هو صفة سيئة وقاتلة للشخصية تجعل صاحبها مكروهًا منبوذا مرفوضا، يواجه صعوبات في حياته لأنه لا يرى إلا نفسه ويرفض كل شيء لذلك نرى الغرور مرض يتفاقم! حيث ينخدع المرء بنفسه وإعجابه بها ورضاه عنها بشكل مبالغ فيه، وإحساسه المستمر بالأفضلية والتميز عن الآخرين لدرجة تجعله يتعامل معهم دوماً بأسلوب مليء بالفوقية والانتقاص، وهي صفة سيئة وقبيحة يعجز صاحبها عن رؤيتها والاعتراف بها، وكثيراً ما يلجأ الى منحها اسماً آخر مثل الاعتزاز أو الثقة بالنفس .
تلك الثقة التي يدعيها مبنية على فراغ، وغالباً ما ترتبط بالأشخاص الذين يفتقرون للإمكانيات والقدرات والمهارات، ولكنهم مرضى بوهم العظمة، ويترافق هذا الشعور عادة مع شعور آخر لدى المغرورين وهو أن من حولهم هم دائماً أقل شأناً منهم.
الشخص المغرور آفة خطيرة منتشرة بيننا في العمل" في الصحافة والطب والهندسة والمحاماة وغيرها من المهن الأخرى ، هولاء لا يملكون سوى موهبة الغرور القاتلة ، لا يعرفون غيرها، يجادلون ، لا يقتنعون ،هم فقط العلامة والعارفين ببواطن الأمور، وهم في الحقيقة لا يفقهون شيئاً في هذه الدنيا .
هنا نؤكد من واقع خبراتنا الحياتية إن المغرور إنسان نفخ الشيطان في دماغه، وطمس من بصره، وأضعف من ذوقه، فهو مخلوق مشوه.
حتى إننا نراهم ونشاهد النكرة منهم تتطاول على المعرفة، أو تسمع المعتوه يشتم عالماً جليلاً ، خلدته المواقف الوطنية النبيلة، قدم ما قدم من التضحيات الجسام من أجل قضايا وطنة .
كما نؤكد أيضاً إن كل المفاسد التي وجدت في العالم يقف خلفها مرض الغرور”.. مقولة شهيرة تُجسد وصف علماء النفس لصفة الغرور، أو كما يطلق عليها فى علم النفس “اضطراب فى السلوك النفسى”، الناتج عن (تضخم الأنا).
هنا نقول إن الأخلاق الإنسانية كريمة كانت أو ذميمة، هي انعكاسات النفس على صاحبها، وفيض نبعها، فهي تشرق وتظلم، تبعاً لطيبة النفس أو خبثها، استقامتها أو انحرافها، وما من خلق ذميم إلا وله سبب من أسباب لؤم النفس أو انحرافها، ومن أسوأ الصفات الإنسانية الغرور والكبر وهما صفتان تؤثران سلباً على الفرد نفسه وعلاقاته بالآخرين.
مما سبق نجزم إن الغرور هو العدو لما تريده وما تملكه، عدو إتقان المهارة، وعدو الرؤية الإبداعية الحقيقية، وعدو التناغم فى العمل مع الآخرين، وكذلك عدو كسب الولاء والدعم، وعدو الاستمرارية، وعدو تكرار نجاحك والحفاظ عليه. إنه يبعد المكاسب والفرص، ويجذب الأعداء والأخطاء، فهو يجعلك كالمستجير من الرمضاء بالنار".
عليك أن تتابع هذا المشهد ،حين ترى الجناح قد ظهر على النملة، فاعلم ان الغرور قد دب في عروقها وجسدها، وان زوالها قد جاء وحانت ساعة الصفر لها والنهاية المحتومة، هذا للنملة والجناح، حيث صارت هذه الصورة الواقعية مثلا شعبيا يعرفه اهلنا ، وقد تبادلوه جيلا بعد جيل.
الانسان حاله يكون كحال النملة، حين يأخذ منه الغرور مأخذه ويجعله يسير فوق الارض مختالا، كأنه 'طاووس' زمانه، يرى الآخرين من حوله وكأنهم ذباب يتطايرون،ويشعر وكأنه عالم زمانه، ومن حوله لا يعرفون حتى الجهات الاربع.
مثل هذه الصنف من المخلوقات البشرية حين يرون في أنفسهم ذلك فاعلم ان نقطة النهاية قد بدأت معهم، وان اجنحة النمل قد ظهرت عليهم بعد ان دخلوا مرحلة الغرور والعياذ بالله، وهو مرض نفسي لا يحصد صاحبه من ورائه سوى الضياع والخسران المبين، وعزوف الناس عنه بعد ان شعروا بأنه لا يستحق التعامل معه، ولا حتى مجرد كلمة عابرة معه.
ترى من المسؤول عن مثل هذه الأوضاع الغريبة والشاذة التي تنتشر في السلوك اليومي، والتي أساسها الغرور والغطرسة والشعور بالتفوق والتعالي على الآخرين؟ هل هي الأسرة؟ هل هي المؤسسة؟ هل هي الدولة؟ إننا بنظرة فاحصة يمكن أن نرى أن مثل ذلك السلوك ناتج في الأساس عن خلل بنيوي له امتدادات كثيرة ومتشعبة في الحياة، وأن الجهات السابقة جميعها تعمل على تغذيته، فالذات البالون ينفخ فيها أكثر من نافخ حتى تصل إلى هذه الصورة المريضة التي هي عليها.
المأساة في الغرور انه يقتل في كل اتجاه قبل ان يقتل صاحبه، ومأساة هذا أنه لا يملك ما يتباهى به سوى أخطاء سواه.
وفى أحدى المرات قد وجة لى سؤال من أحدى تلاميذتى في العمل ،ما هو الفرق بين الغرور والامل ؟ فقلت الاختلاف بين الغرور والأمل فهو الاختلاف بين الطيش والرصانة، والجهل .