ننفرد بنشر جوابات إحسان عبد القدوس لـ”لولا” فى ذكرى زواجهما الـ80
"الوسادة الخالية، الخيط الرفيع، الراقصة والطبال، الراقصة والسياسى، أنف وثلاث عيون، العذراء والشعر الأبيض، أيام فى الحلال، لا أنام، منتهى الحب"، وغيرها الكثير والكثير من الأعمال الأدبية الرائعة، التى ما زالت تعيش فى وجداننا حتى الآن، خاصة أن غالبية أعمال كاتبها الفذ إحسان عبدالقدوس قد تحولت إلى أفلام سينمائية.
انتهزنا فرصة ذكرى عيد زواج الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس لنحيى ذكراه تقديرا لأدبه وفنه، وإحياء لأجمل معانى الحب التى اكتشفنا أنها لم تكن تملأ قصصه فقط، ولكن كانت تملأ حياته ووجدانه، وقد شجعنا على ذلك وقوع خطاباته لمحبوبته وزوجته فى يدينا، وهى الخطابات التى تكشف أن كاتب المرأة كان عاشقا عظيما أيضا.
بابتسامة طيبة ووجه بشوش، استقبلنى الكاتب الكبير محمد عبدالقدوس، ابن الأديب الكبير الراحل إحسان عبدالقدوس، فى منزل والده الذى يقع فى 23 شارع الجبلاية بالزمالك، وجلسنا على الأركية التى كان يجلس عليها «إحسان» ومعه كبار الشخصيات السياسية والفنية والأدبية، وبعد ثوانٍ قليلة من وصولى، طرق المهندس أحمد عبدالقدوس باب المنزل، وتحدثنا عن حال الصحافة العربية، وعن حب إحسان للكتابة التى جعلت منه أهم أديب ليس فى مصر فحسب، بل فى العالم العربى ككل.
وخلال حديثنا مع أبناء «إحسان» أردنا أن نذهب إلى الجانب الآخر من حياة الأديب الكبير، وهى قصة الحب بينه وبين زوجته لواحظ عبدالمجيد المهلمى، الشهيرة بـ«لولا»، التى استمرت 47 عاما، كانت له بمثابة السند والأمان لدرجة أنه منحها لقب رئيسة إدارة حياته، فكانت كالجندى المجهول، تعمل فى صمت لا تريد إلا نجاحه وتحقيق طموحه، وفى ذكرى زواجهما الذى يحل فى مثل هذا اليوم، 5 نوفمبر من عام 1943م، نكشف بداية قصة الحب بينهما وكواليس جديدة لم تذكر من قبل، ومع حصولنا على مجموعة من «الجوابات» بخط يد الأديب الراحل إحسان عبدالقدوس لحبيبته وزوجته ورفيقه دربه تنشر لأول مرة.
إحسان ملك الرومانسية.. فهل طفولته جعلت منه إنسانا مرهف الحس عاشقا للحب؟
والدى كان مشغولا بنفسية المرأة منذ الطفولة، وذلك لأنه عاش طفولة صعبة جدا، فجدى وجدتى تعرفا على بعض فى نشاط ثقافى بالنادى الأهلى، وأحبا بعضهما، ولكن لم تستمر الحياة بسبب العند، وعندما ولد والدى أخذه جده الشيخ أحمد، وتمت تربيته مع عمته، التى كان لديها ابنة وأربعة أولاد، وظل فترة معينة كان يظن أن عمته هى والدته، وذلك لأن جده كان يمنع روزاليوسف من أن تراه، وفى النهاية بعد تدخلات من البعض، وافق على زيارته لها مرة كل أسبوع.
تربى والدى فى عائلة محافظة جدا، لدرجة مثلا أن العائلة تقول له «ابنة عمتك فتحت الشباك»، ويعطوا له عصا ليضربها، فيقوم بالفعل بضربها حتى يتعلم العادات والتقاليد التى تستوجب على الرجل أن يكون «حمش» وسط أسرته، وبعد ذلك يذهب لزيارة والدته، فيراها امرأة قوية، تدير جلسات ثقافية وإلى جانبها رئيس الوزراء وبعض المفكرين والأدباء، ويراها أيضا تقوم بنقد السياسيات وما إلى ذلك، وهذا أحدث له صدمة ودوارا عقليا، ما جعله يستكشف نفسية المرأة ويترجمها فى روايته، والدى شخصية محبوبة وابتسامته جذابة، يستقبل كل أطياف المجتمع، ومن الممكن أن يظل ساعتين معك يسمعك كأنه طبيب نفسى، والناس يدعون أن والدى رومانسى لكنه فى الحقيقة واقعى جدا.
هل كان حبا من النظرة الأولى.. كيف بدأت قصة حب إحسان ولولا؟
قصة حب والدى ووالدتى حدثت فعلا من النظرة الأولى، وبدأت عندما ذهب مع أحد أصدقائه وتناول «طبق العاشوراء»، وكان صديقه صديق عائلة «المهلمى»، وأثناء تناول العاشوراء شاهدها وأعجب بها وترك لها تليفونه الخاص، وتطورت علاقتهما إلى حب ثم طلب يدها للزواج، وأبلغ روز اليوسيف بطلبه الزواج، ولكنها رفضت بشدة قائلة: «مفيش صحفى بيتجوز أنت كده هتضيع مستقبلك»، ولكنه لم ييأس وذهب إلى جدى محمد عبدالقدوس، فسعد بالأمر جدا وترك لهما شقته الصغيرة فى عابدين، وكانت فى ذلك الوقت فرصة إيجاد شقة أمر صعب بسبب الحرب العالمية الثانية.
وكان زواجهما سريا، وكان أشقاء والدتى يعرفون بالزواج، وشهد على عقد الزواج الصحفى الكبير محمد التابعى، وبعد فترة تم إعلان زواجهما وارتدت والدتى فستان الزفاف، ووالدى ارتدى بدلة العريس ومكثا بمنزل بالزمالك.
دائما كان يقول إحسان «لولا رئيسة إدارة حياتى».. ماذا كانت تفعل؟
والدتى كانت مدبرة وحكيمة جدا فى النواحى المالية، تحصل على مرتبة الشهرى، وهى التى تتولى مصروفات المنزل، كما أنها تقوم بالتفاوض مع دور النشر التى تريد شراء قصة من إحسان عبدالقدوس، فهى بمثابة مدير أعماله، تتفاوض مع الجهات لتحصل له على أفضل عرض، وكانت عيناها عليه دائما فى كل كبيرة وصغيرة.
فى أكثر من مناسبة إحسان يؤكد «لولا حبى الأول والأخير».. ماذا فعلت عندما سجن؟
والدتى أحبت والدى لدرجة فوق الوصف، وكان يحبها حبا كبيرا، ودائما يقول «لولا حبى الأول والأخير»، وبعد ثورة 23 يوليو، كتب والدى مقالته الشهيرة «الجمعية السرية التى تحكم مصر»، سجن والدى بعد نشر المقالة، ووالدتى لم تسكت على سجنه، وحاولت بكل الطرق أن تصل إلى تليفون جمال عبدالناصر، وبعد محاولات طويلة وصلت إليه وقالت له: لماذا تم سجن إحسان، هو لا يملك غير قلمه وليس لديه طموح سياسى، وحاولت أن تحنن قلبه بأننا فى شهر رمضان والعيد قادم علينا وأولادة يريدونه، وكان رده عليها: «هنشوف».
بسبب كتاباته كانت حياة إحسان مليئة بالمخاطر.. هل لـ«لولا» دور فى الحفاظ على حياته؟
نعم.. والدى تعرض لمحاولات قتل، وأتذكر أنى فى مرة دخلت عليه ورأيت رأسه مربوطة بشاش أبيض، وبعدها قامت الحكومة بإعطائه مسدسا صغيرا ليحمى نفسه، وكان الشىء اللافت أن والدتى هى التى كانت تمسك المسدس وتضعه فى حقيبتها، وكانت دائما تقول له «امشى قدامى» وهى ماسكة المسدس لتحميه، وكانت مستعدة أن تضغط على الزناد فى أى وقت لإنقاذ حبيبها وزوجها.
سمعت أن «لولا» كانت عندها بصيرة وإحساس عال تجاه زوجها.. هل هذا الكلام صحيح؟
نعم، أتذكر أنه كان فى مؤتمر للصحفيين فى فرنسا، وقام الزعيم جمال عبدالناصر بإرسال إحسان ليمثل مصر فى المؤتمر، وأخذ والدتى معه، وأثناء انعقاد المؤتمر رأى سكرتير الملك فاروق جالسا، وذهب إحسان إليه ليحاوره ويحصل منه على معلومات صحفية، وعرض عليه السكرتير أن يقابل بنفسه الملك فاروق ووافق بالطبع والدى، ولكن والدتى كانت معترضة بشدة، وقالت له بالنص: «مترحش هيموتك»، وكان رده أنه حدث مهم، وتمسكت بكلامها وبكت بحرقة، وفى الآخر سمع كلامها ولم يذهب لمقابلته، وعندما رجع مصر قبض على سكرتير الملك فاروق فى مصر، وأثناء التحقيق معه اعترف بأن حرس الملك فاروق كان ينوى أن يمسك بإحسان ويقتله.
«لولا.. لولاها ما نجح سانو» هكذا كان دائما يقول إحسان.. ماذا فعلت فى أيامه الأخيرة؟
كان والدى يؤمن دائما بأن المرأة لها مهام قوية فى بيتها، فكان بالفعل يقول «لولا.. لولاها ما نجح سانو»، وفى أواخر أيام حياته كان يقول لى: «مامتك شاطرة أوى وأنا بحبها أوى»، وجاء ذلك بعدما قامت بعمل ما يعمله الممرضات دون كلل أو تعب، حيث إنها قامت بتمريضه بقلبها حتى آخر لحظة.
وقبل ختام حديثنا عن علاقة الحب، التى لا تقدر بثمن ما بين إحسان وزوجته لولا، دعونا نقرأ رسائل إحسان لها.
الجواب الأول:
«أكتب لك من فوق برج إيفل وباريس تحت أقدامى، تمنيت لو كنت معى لترى ما أراه من جمال وروعة، وقد هتفت باسمك من فوق أعلى قمة فى أوروبا، فهل سمعتينى، بحبك وتشهد على ذلك باريس.. زوجك إحسان عبدالقدوس».
الجواب الثانى:
«أنت وأنا ولدنا اليوم ولم تكن لنا حياة من قبل، ولن تكون لنا حياة إلا معا.. أنت كل الحياة وحبى «سانو.. نوفمبر 1970» .
وتوثيقا لقصة حبهما، أرسل لنا أحمد عبدالقدوس، «شاهد» من داخل مقبرة عائلة إحسان عبدالقدوس، مكتوبا عليه «من إحسان إلى لولا.. إلى السيدة التى عبرت معى ظلام الحيرة، والحب فى قلبينا، حتى وصلنا معا إلى شاطئ الشمس، إلى الهدوء الذى صان لى ثورتى والصبر الذى رطب لهفتى، والعقل الذى أضاء فنى، والصفح الذى غسل أخطائى إلى حلم صباى وذخيرة شبابى وراحة شيخوختى إلى زوجتى والحب فى قلبينا».
شاهد-احسان-ولولا
هكذا كانت قصة حبهما التى دامت 47 عاما، حيث بدأت من سنة 1943 واستمرت حتى رحيل إحسان فى سنة 1990م، لترحل هى عن عالمنا بعد 4 سنوات من رحيله، ليظل حبهما خالدا حتى وارى جسدهما مثواهما الأخير.