د. محمد أبوبكر حميد يكتب .. جوته وفوليتر ولامارتين وشو وتولستوى.. هل كانوا مسلمين؟
سعدت قبل سنوات عندما صدرت ترجمة عربية لكتاب (حياة محمد) - صلى الله عليه وسلم - للشاعر الفرنسي الشهير (لامارتين) عن معهد الآداب والفنون العربية في باريس بالتعاون مع دار لامارتين الفرنسية للنشر والطباعة والمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة.
وسر سعادتي أن أبناء هذه الأمة بدأوا يلتفتون إلى ما كتبه الأدباء الغربيون عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - على خلاف ما كان الوضع عليه قبل حوالي 70 عاما، حين نشطت حركة الترجمة إلى اللغة العربية في مصر وغيرها من اللغات الإنجليزية والفرنسية فترجم مثقفونا الكرام معظم أعمال الأدباء الغربيين الكبار، ما عدا ما كتبه بعض هؤلاء الأدباء عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه؛ فمعظم ما كتبه الأديب والفيلسوف الايرلندي الشهير (جورج برنارد شو) ترجم إلى العربية عدا مسرحيته التي كتبها عن نبينا العظيم صلوات الله وسلامه عليه لم تترجم إلى الآن، وقصة بعنوان (The Black Girl in Seqrch of God) وترجمته (الفتاة السوداء في بحثها عن الإله) حيث قدم بإعجاب وإنصاف حكمة الشرائع الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان مقارنةً بالشريعة المسيحية، والغريب ان هيئات الترجمة والنشر في القاهرة وبيروت والكويت ترجمت الاعمال الكاملة لبرنارد شو لكنها لم تترجم هذا العمل الذي يتحدث عن نبيهم عليه السلام. وإعجاب برنارد شو بشخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - معروف، ومأثور عنه قوله أثناء تفاقم الأزمة قبيل الحرب العالمية الثانية (لو عاش محمد في عصرنا لحل مشكلاته الدولية وهو يشرب كوباً من القهوة العربية المُرَّة)!
وبالمثل للشاعر والمفكر الألماني العظيم جوته مسرحية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تترجم فيما أعلم وترجم مؤخراً ديوانه الشهير (الديوان الشرقي للشاعر الغربي) الذي ضمنه معاني القرآن الكريم، وركَّز فيه على صياغة آيات التوحيد شعراً، وله عبارته الشهيرة عن الإسلام، إذ قال بعد اطلاعه على القرآن الكريم (إذا كان هذا هو الإسلام فنحن نعيش ونموت على الإسلام) ويقال كلام كثير عن إسلامه، ويزعم البعض أنه رآه يصلي وانقطع عن أداء الطقوس المسيحية.
ومثل هذا يقال عن الكاتب الروسي الشهير (ليو تولستوي) الذي كتب مسرحية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودرس سيرته وأعجب به وراسل الإمام محمد عبده مراسلات عدة عن الإسلام، وللشاعر الروسي (بوشكين) إعجاب بالإسلام انعكس في كثير من قصائده كما لشعراء وأدباء وفلاسفة ومفكرين على مدى عصور التاريخ الأوروبي كتابات إعجاب بالإسلام كادوا بها أن يكونوا مسلمين، خاصةً أولئك الذين كانت لهم سوابق عداء مع الإسلام مثل الشاعر الفيلسوف الفرنسي الشهير (فولتير) الذي كان له موقفاً عدائياً من الإسلام فلما اطلع على ترجمة للقرآن الكريم قال عنه (هذا دستور السياسة العالمية والحياة الإنسانية ولن يسود السلام بين الأفراد وبين الشعوب إلا به) وكتب مسرحية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي سماه رائد العدالة والحرية والسلام، وحاربت الكنيسة هذه المسرحية ولم تنشر في حينها وقد قرأتها بالإنجليزية وليتها تترجم إلى العربية، وغيرهم كثير.
أما كتاب (لامارتين) الذي ترجم مؤخراً فيقول فيه عن الإسلام (إن الإسلام هو المسيحية المطهرة) وأن المسلمين إذا ما تخذوا من حياة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - قدوة سيعودون لقيادة العالم من جديد كما كانوا في أوج حضارتهم.
وبعد.. فليس من ردٍّ على الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين في أوروبا وأمريكا إلا ترجمة ونشر هذه الكتب التي كتبها عظماؤهم وعباقرتهم وشهدوا فيها لنبينا بالرسالة ولديننا بالحق، وإذا كانت هذه الكتب قد أهملت في سنوات المد العلماني والشيوعي والجهل بعظمة هذا الدين؛ فإننا نشهد اليوم مداً إسلامياً مستنيراً على مستوى العالم رغم كل محاولات الارتداد والتعصب والجاهلية التي يمارسها بعض الشواذ من أبناء هذا الدين في الداخل، ومحاولات التشنيع والتجهيل والتشويه التي تتم في الخارج، ولكن الله سيتم نوره، وينصر دينه، ويظهره على الدين كله، ولو كره الجاهلون في ديار الإسلام، ولو قاتله الكافرون خارج دياره {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}