الكاتب الصحفي عبد الناصر محمد يكتب: تخاريف صيام ( ٤ ) حكاية أول ” مائدة رحمن ” فى مصر
منذ أن جلس أحمد بن طولون على عرش البلاد فى سنة ٢٥٤ هجرية الموافق سنة ٨٦٨ ميلادية وعزم ببناء جامع كبير وهو ثالث جامع يُبنى فى مصر بعد جامعى عمرو بن العاص وجامع العسكر وهذا الجامع العريق الذى ما زال شامخا على أرض المحروسة تتزين به قاهرة المعز إلى عصرنا هذا وأصبح نبراسا يضىء القاهرة بالعلم والمعرفة ، ورغم أن جامع عمرو بن العاص قد بُنى قبل جامع بن طولون بنحو مائتى عاما إلا جامع أحمد بن طولون يعد أقدم مساجد مصر القائمة الآن نظرا لإحتفاظه بحالته الاصلية التى بنى عليها بالمقارنة مع جامع عمرو الذى توالت عليه عمليات الإصلاحات والتوسعات التى غيرت من معالمه.
استعان بن طولون بمهندس قبطى لبناء الجامع يدعى سعيد بن كاتب الفرغانى وهو رجل بارع فى العمارة وسبق له تولى عمارة مقياس النيل فى جزيرة الروضة ، وفى أحد أيام شهر رمضان المبارك قام بن طولون بزيارة لموقع الجامع ليتابع بنفسه أعمال بنائه فوجد العمال يعملون حتى إقترب موعد آذان المغرب حيث الإفطار مما تسبب فى إصابته بحالة من الضيق فوجه الحاكم كلامه لرفاقه وللمشرفين على بناء الجامع متسائلا بشكل ساخر .. " متى يذهب هؤلاء العمال الضعاف ليشتروا الإفطار لأولادهم ؟! " .. ثم أمر على الفور بأن يصرفوا العمال وينهوا عملهم وقت العصر حتى يتسنى لهم الإفطار بكل يسر مع أسرهم ثم كان الإقتراح الأهم هو إعداد مأدبة لمن يرغب فى التأخر حتى وقت الإفطار ..وبالفعل تم تنفيذ أوامره وتم إعداد مأدبة فى اليوم التالى وقرر هو أن يفطر وسط العمال ودعا كبار رجال الدولة وكبار التجار للإفطار معه وكذلك فتح الباب للفقراء ليفطر الجميع إفطارا واحدا وهنا قرر بن طولون أن تستمر تلك المائدة فى الجامع طوال العام وطالب الجميع وبخاصة التجار بأن يحاكوه فى هذا الأمر وكل منهم يقيم مائدة على الأقل خلال شهر رمضان المعظم لتقديم الإفطار للصائمين من الفقراء والمساكين وعابرى السبيل وصار هذا التقليد عادة مستمرة حتى الآن وهى التى يطلق عليها " مائدة الرحمن " .. تاريخ عريق حافل بالأحداث لهذا المسجد العريق الذى تم بنائه فوق جبل مرتفع يطلق عليه جبل " يشكر " فها هو الآن من العلامات التى تتميز بها مصر المحروسة قاهرة المعز ولكنه للأسف إمتدت إليه أيادى الإهمال ويحتاج إلى بعض الإهتمام ليصبح صرحا عظيما لا مثيل له.