الدكتور محمود فوزي يكتب: مستنقع التريند والتشرذم الاجتماعي
فجرت منصات التواصل الاجتماعي فجوة هائلة في التطلعات والطموحات الإنسانية للمتصفح؛ الذي قد يصاب بالهوس الإلكتروني، وما يتبعه من شعور بالسخط الاجتماعي وعدم الرضا عن أوضاعه الحالية، حيث ينبري لاشعوريًا في عقد مقارنات دائمة بينها وبين الفئات والجماعات الاجتماعية الأخرى.
وينجم عن هذه المقارنات شديدة الإلحاح الإصابة بأعراض نفسية خطيرة؛ قد تصل إلى الاكتئاب والاضطراب الذهني المفرط، زبطبيعة الحال تزداد هذه الأعراض لدى المتصفحين محبي الشهرة، وكذلك لدى راغبي الثراء السريع، فقد يؤمن بعضهم بأنهم إمكاناتهم العلمية والعملية لا تؤهلهم للارتقاء المهني والوظيفي؛ فينساق هؤلاء خلف شهوات جمع الأموال؛ وإن كانت بطرق غير مشروعة، أدواتها هي الرقص، والعري، ومظاهرها هي الإسفاف والتدني.
وتحولت عديد من منصات الإعلام الرقمي إلى مستنقعات تفجر مئات "التريندات" لشراذم اجتماعية تثير حالة عامة من الجدل والنقاش المبالغ والمفتعل حولها؛ بين كلا الطرفين المؤيد والمعارض، المتعاطف والمتعصب، الساخر والجاد، الموضوعي والمتحيز.
إلا أن الوجه الآخر لهذه المنصات الإلكترونية يكمن في كونها واقعًا افتراضيًا قد لا يمت للواقع بصلة، فمن الصعب إدراك الحقيقة المطلقة والمؤكدة في أغلب هذه الوقائع، أو إدراك هوية الجهة المسئولة عن تسليط الضوء علي هذه الظواهر وطرحها في فترة زمنية معينة كي تصبح "تريند" يتناقله الجمهور، هل لأغراض توعوية تثقيفية؟ أم لأغراض سياسية؟ أم لأغراض دعائية خبيثة؟ أم لأغراض أخري مبتذلة يتبناها دعاة التحرر من القيم؟! .
ومع تزايد حدة الصراع بين وجهي القمر الساطع والخافت لمتصفحي شبكات التواصل الاجتماعي؛ فقد ظهر اتجاه آخر محايد يرفض الخضوع لثمة احتمال قائم علي الوهم والخداع، لذا فهو يتبني ضربًا من ضروب التفكير يثور علي كل ما هو شائع داخل هذا المجتمع الافتراضي غير الواقعي؛ وهم المتصفحون لأغراض العمل ، وإبرام الصفقات، وعقد المؤتمرات والفعاليات واجتماعات العمل الرقمية، وتصفح الأخبار بوسائط الإعلام الإلكترونية؛ وغيرها من الأهداف الخبرية والتثقيفية؛ رافضين الخضوع لأي محاولة انسياق خلف تيار "التريند الإلكتروني" بما يحمله من حقائق ومعلومات أو أكاذيب ومغالطات.
سيشهد الإعلام الرقمي بلاشك مستجدات تكنولوجية متلاحقة، وستؤثر هذه التطورات علي شكل المحتوي وأسلوب تقديم الرسالة، لكن يبقي الرهان كامنًا في عقلك أنت عزيزي القارئ؛ أنت وحدك من تقرر الانجراف خلف "التريند المصطنع" والانغماس فيما يثيره من جدل وبلبلة؛ أنت أحد أطرافها دون أن تشعر!! أم ستدرك بحكمتك ووعيك وثقافتك هوية "التريند" الحقيقي، بل وتميزه عن الزائف؛ فترتقي بنفسك عن الانخراط في مستنقعات "التحفيل الكروي" المكتظة بعبارات وإشارات التهكم والسخرية والازدراء التي ترفضها الأديان والقيم الأخلاقية الأصيلة.
كما ستنحي نفسك جانبًا عن الانغماس في حلقات النميمة حول أخبار الفنانين وزيجاتهم وملابسهم؛ تاركًا لفطرتك السليمة وعقلك الموضوعي حرية ترتيب الأولويات، ومن ثم إعداد أجندة فكرية من القضايا والموضوعات؛ التي يتقدم فيها المهم علي السطحي... الحقيقي علي المصطنع...الموضوعي علي المتحيز.