بوابة الدولة
الجمعة 27 سبتمبر 2024 08:18 صـ 24 ربيع أول 1446 هـ
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرصالح شلبي
مستشار التحريرمحمود نفادي
بوابة الدولة الاخبارية

بداية الحياة البرلمانية المصرية( 1 )

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

يبدأ الكاتب الصحفى محمد المصرى هذا الفصل من كتابه “ البرلمان المصرى .. 200 سنة تحت القبة باستعراض بداية الحياه البرلمانية المصرية .. فبعد أن تولى الوالى محمد على حكم مصر عام 1805 بناء على مبايعة شعبية قادها الزعيم عمر مكرم بعد خلع خورشيد باشا من الولاية.. وبناء على شروط الشعب بأن الأمة هى مصدر السلطات قاد محمد على ثورة إدارية فى مصر ، وبدأ فى إقامة المؤسسات الحديثة وبناء النظام البرلمانى فى عام 1824 بإنشاء" مجلس الأغوات والأفندية - المجلس العالى " وأصدر أوامره فى 27 نوفمبر 1824 إلى البيك الكتخدا محمد لاظوغلى نظارة هذا المجلس وتأسيسه وطريقة ادارة مناقشاته وحس معاملة اعضائه ويرأسه إبراهيم باشا أبن محمد على وكان يختص بمناقشة مايراه الوالى فى السياسة الداخلية عدا المالية وتم تطويره وأصبح أسمه مجلس المشورة وتكون من 24 عضوًا يتم انتخاب معظمهم و هذا البرلمان تم تشكيلة من نظار الدواوين و رؤساء المصالح الحكومية و إثنان من الأعيان من كل مديرية ( محافظة ) و يقوم اهالى كل مديرية ( محافظة ) بإختيارهما و إثنين من علماء الازهر الشريف و يقوم بإختيارهم شيخ الازهر و إثنين من التجار و يقوم بإختيارهما كبير التجار ( شيخ بندر التجار ) و إثنين من ذوى المعرفة بالحسابات ( محاسبين) واستمر من 27 نوفمبر 1824 وحتى 18 ابريل 1827 ، ثم أصبح عدد اعضائه48 عضوًا بعد اضافة 24 عالماً وشيخاً لهذا المجلس .

وكان من الأعضاء المعينيىن - كما ذكر صاحب كتاب "تاريخ الحياه البرلمانية فى مصر محمد على ساكن الجنان الذى أعده محمد خليل صبحى رئيس قلم مكتب مجلس النواب وجدول الأعمال عام 1939 " - حضرة الشيخ البكرى نقيب الأشراف والشيخ السادات من العلماء العظام وفخامة الميرمران حفيد ولى النعم عباس باشا من الأمراء العظام ، ودفترى مصر حضرة محمد خسرو بك مأمور الجيزة والمنوفية والبحيرة ، وحسن أغا رئيس بوابى الركاب العالى وناظر المواشى الأميرية ، وحسين بك ناظر الأرز والغلال ، وعمر أفندى ناظر الجلود ، والشخ المصرى شيخ جرنال المحروسة ، و محمد كاشف أفندى باشكاتب الوقائع المصرية ، وناظر أوجاع الجهادية حضرة محمود بك من اكابرالأشراف المعروفين وكان من الأعضاء المنتخبين الشيخ ايوب عيسى عن ابو كبير والشيخ على شريعى والشيخ حبيب عن الفشن والشيخ على كرفوز والشيخ فودة عن نبروه والشيخ حسين ابو على عن شرق اطفيح


ويقول محمد المصرى إن هذا المجلس صدرت له لائحة نظامية فى عام 1825 ، وحددت مواعيد انعقاده ونظام العمل به وكان يعقد جلساته فى القلعة ، ثم توالى إنشاء مجالس المشورة برئاسة إبراهيم باشا لاستشارته فى أمور التعليم والإدارة والأشغال العمومية ووصل عدد الأعضاء 156 عضوا وكان يعقد مرة واحدة فى السنة وقد يستمر عدة جلسات وتم الغاؤه فى عام 1837 وتم إنشاء مجلسان هما : " المجلس الخصوصى " لإصدار القوانين ثم " المجلس العمومى " لبحث ما تحيله إليه الحكومة من الشئون العامة ، وقد تولى نظارة هذه المجالس محمد لاظوغلى بك و محمد شريف بك و الحاج ابراهيم افندى و محمد افندى وعيدى شكرى بك
وأعتبر بعض المؤرخين لحياتنا البرلمانية أن مجلس المشورة نواة لنظام برلمانى ومنهم د. ثروت بدوى ود. صوفى ابو طالب ود. محمد ابو زيد محمد على وذلك نظرًا إلى انه كان يتألف من أعضاء يمثلون مختلف الطبقات أو نواه لنظام شورى ولكنه لم يقدر له الأستمرار ليتطور ويكون صاحب اختصاصات محددة وقرارات ملزمة
واستمرت هذه المقدمات والأرهاصات حتى تولى الخديو إسماعيل حكم مصر فى عام 1863 ونشطت الحركات الدستورية فى العالم والدعوة إلى مبادئ الحرية والمساواة واتجاه الأنظار الى المدنية الأوربية .
وبعد ثلاث سنوات وبالتحديد فى عام 1866 أصدر الخديو أوامره إلى سعادة اسماعيل باشا راغب بتأسس مجلس شورى النواب وعين راغب باشا رئيسًا له.. وقال له فى الأمر الكريم :
" حيث ان مجالس الشورى شوهدت منافعها ومحسناتها الجليلة فى الممالك المتمدنة كان أملى تشكيل مجلس شورى بمصر ينتخب أعضاؤه فالآن أشكر الله تعالى على أنى عاينت فى أهالى مملكتنا من الأهلية والأستعداد ما يؤيد حصول هذا الأمل فصممنا بالأتفاق تأسيس المجلس المذكور " وكانت هذه هى البداية الحقيقية لأول برلمان مصرى وليس مجلسا استشاريا أو مؤقتا كما كان يحدث من قبل وهذا المجلس كان له لائحة أساسية ولائحة نظامية ويتكون من 75 شخصًا ويكون انتخاب الأعضاء من الأقاليم حسب تعداد السكان فى المديريات.. فالقاهرة يمثلها 3 , والإسكندرية عضوان ، ودمياط عضواً واحداً وينتخبهم الأعيان ولا يقل عمر المرشح عن 25 سنة ويكون موصوفًا بالرشد والكامل ولا يكون من موظفى الحكومة ولا العسكريين. وألا يكون قد حكم عليه بالإفلاس أو السجن .

وكانت وظيفة هذا المجلس هى التداول فى الشئون الداخلية ورفع النصائح للخديو ومدته 3 سنوات وينعقد لمدة شهرين كل سنة.وقد تم انتخاب النواب فى مجلس شورى النواب
و عقد هذا المجلس من 22 اكتوبر 1866 حتى يوليو 1879 تسع دورات انعقاد.. أهمهما الدورة الأخيرة حيث تصدى المجلس لسياسات الخديو إسماعيل بعد خضوعه لضغوط الدول الأوروبية وقبوله تعيين ناظرين أجنبيين (إنجليزى وزيراً للمالية هو المستر ريفرس ويلسن ، وفرنسى يدعى مسيو بلينيير وزيرا للأشغال ) وبدأ المجلس فى مناقشة السياسية المالية للدولة وتم استدعاء ناظر المالية ويلسون فامتنع عن الحضور وتحدى المجلس واستمر فى مماطلة المجلس فى عرض مشروعاته ولكن وزير الأشغال حضر الى المجلس وأجاب الأعضاء على المسائل التى طلبوها وكان موقفه اكثر اعتدالا من موقف زميله الأنجليزى .. وتمسك الأعضاء باقتراحاتهم التى قدموها للخديو بضرورة خفض الضرائب الفادحة التى كانت البلاد تنوء بها والتمسك بمناقشة الميزانية.
وقال النواب وعلى رأسهم محمود بك العطار وعبد السلام بك المويلحى " انه من الواجب ان يعرض جميع ما يتعلق بالأهالى على نوابهم لينظروا فيه ويتدبروه , وذلك لا يخفى على دولة رئيس النظار " وكيف يخفى عليه ان للأمة المصرية نوابا " ؟! وتمسك النواب بحقوقهم واتسعت حركة المعارضة ضد سياسة وزارة نوبار باشا ( بدأ حياته سكرتيرا لأبراهيم باشا وكان مسيحيا ارمانيا )وعطلت الحكومة جريدتى التجارة لأديب إسحق وجريدة الوطن لميخائيل عبد السيد 15 يوما لاثارتهما الخواطر فى كتابتهما
وزادت روح المعارضة للخديو من خلال هذا المجلس.. وتأججت الحركة الوطنية.. وبدأت الصحف فى ذلك الوقت تطالب بأن تكون الوزارة مسئولة أمام المجلس النيابى بعد إنشاء أول مجلس وزراء لمصر عام 1878.. ولكن الخديو رفض كل هذه المطالب وقرر تعطيل المجلس ،ثم تمت إعادة تشكيل البرلمان ومنحه صلاحيات أوسع وصدرت له لائحة .. ووصل عدد النواب 120 نائبًا عن مصر والسودان والتوسع فى دور الرقابة المالية.
ولكن عندما تولى الخديو توفيق فى 26 يونية 1879 لم يوافق على هذه اللائحة وأصدر أمرًا بفض المجلس وتعطيل الحياة النيابية كلها.. ولكن المجلس تحداه وظل يعقد جلساته حتى يوليو 1879 ثورة عرابى.

ويقول الكاتب محمد المصرى أن الجيش لم يستسلم لتعطيل الحياة البرلمانية وفى 9 سبتمبر 1881 خرج الزعيم أحمد عرابى فى ثورة شعبية مصرية إلى مقر الحكم فى عابدين وطالب توفيق بعودة الحياة النيابية وإسقاط وزارة رياض باشا ونجحت الثورة.. وأجريت انتخابات مجلس شورى النواب انتظاراً لقيام الحكومة بإعداد مشروع قانون أساسى جديد يتم عرضه على المجلس لإقراره وافتتح الخديو المجلس الجديد وأصبح إسمه " مجلس النواب الجديد " بعد انتخابه فى 26 سبتمبر 1881 وأصبحت الوزارة مسئولة أمامه وله حق التشريع والرقابة ومدته 5 سنوات. وصدرت له لائحه اساسية فى فبراير 1882، وعقد دورة واحدة حتى 26 مارس 1882 ولم يستمر ذلك المجلس طويلًا بسبب الاحتلال الإنجليزى وفى عام 1883 صدر القانوت النظامى الذى ينص على انشاء مجلسين هما " مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية " كما انشئ هذا القانون مجالس المديريات التى كانت وظيفتها ادارية وليست تشريعية وتختص بانتخاب أعضاء شورى القوانين وعده 30 عضوا ( يعين الخديو 14- منهم الرئيس و أحد الوكيلين و16 يتم انتخابهم ومنهم الوكيل الثانى وتنحصر وظيفته فقط فى أن يطلب من الحكومة تقديم مشروعات القوانين وليس من حقه هو تقديمها
أما الجمعية العمومية فكانت تتكون من 83 عضوا منهم 46 منتخبا والباقى اعضاء بحكم مناصبهم ( أعضاء مجلس شورى القوانين و7 وزراء ويرأس الجمعية العمومية رئيس مجلس شورى القوانين )
وقد عقد المجلس والجمعية فى الفترة من 1883 حتى 1913 31 دور انعقاد على مدى 5 هيئات نيابية ثم تعطلت الحياة النيابية كلها .. وفى يوليو 1913 تم إلغاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية .. وتم إنشاء الجمعية التشريعية ( 83 عضوا ) 17 عضواً معيناً وينتخب الشعب 66 عضوا تختار الجمعية احدهم وكيلا لها ومدة العضوية 6 سنوات .. وتختص الجمعية التشريعية فى عدم جواز اصدار أى قانون ما لم يقدم أولا للجمعية لابداء رأيها فيه وللجمعية حق اقتراح القوانين الا ما يتعلق بالقوانين النظامية ولكن بشرط أن يرسل المشروع إلى مجلس النظار أما اذا لم يوافق مجلس النظار على المشروع فانه يرسل إلى الجمعية بيانا بالأسباب التى بنى عليها قراره واستمرت هذه الجمعية حتى قيام الحرب العالمية الأولى (1914 -1918 ) وعقدت دور انعقاد واحد فقط فى الفترة من 22 يناير 1914 إلى يونية 1914 و تم إلغاء هذه الجمعية فى إبريل 1923 بعد إعلان الإستقلال فى فبراير 1922 بعد ثورة 1919 وإنهاء الحماية البريطانية على مصر.

أول دستور مصرى
ويؤكد الكاتب محمد المصرى : أن مصر دخلت مرحلة جديدة من الحياة البرلمانية بعد صدور دستور 1923 وكان أول دستور حقيقى وضعته لجنة مكونة من 30 عضوًا من أصحاب الرأى والمشورة والسياسة وقاطعها حزب الوفد فى عهد الملك فؤاد وأطلق عليها «لجنة الأشقياء» وسانده فى ذلك الحزب الوطنى.. وكان الوفد يطالب بأن الذى يضع الدستور جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب وليست لجنة حكومية .
ويقول د . راسم الجمال فى كتابه "العقاد رجل الصحافة.. رجل السياسة " أن عباس العقاد هاجم بشدة اللجنة التى شكلتها الوزارة الثروتية ( يقصد وزارة عبد الخالق ثروت ) لوضع الدستور مثلما هاجمتها الصحف الوفدية ، فاتهم أعضاءها بالقصور ، ووصف الدستور الذي يشتغلون بوضعه بأنه : "مأساة من أفجع ماشهدته مصر في تاريخها الحديث ، لانه لن يخرج – في رأيه - عن الحدود التي أرادها الانجليز " ولكن تغير الوضع بعد ذلك ومدح الزعيم سعد زغلول هذا الدستور بعد ذلك .
وتعتبر نصوصه من أفضل النصوص الدستورية فى العالم بمقاييس هذا العصر حيث أقر النظام البرلمانى والفصل بين السلطات وأن السلطة التشريعية يتولاها الملك بالاشتراك مع مجلسى الشيوخ والنواب وأن الوزراء مسئولون أمام البرلمان. ولا يصدر قانون الا إذا قرره البرلمان وصدق عليه الملك
وله حق حل مجلس النواب و تأجيل انعقاد البرلمان. على أنه لا يجوز أن يزيد التأجيل على ميعاد شهر ولا أن يتكرر في دور الانعقاد الواحد بدون موافقة المجلسين , و عند الضرورة يدعو الملك البرلمان إلى اجتماعات غير عادية وهو يدعوه أيضا متى طلب ذلك بعريضة الأغلبية المطلقة لأعضاء أي المجلسين ويعلن الملك فض الاجتماع غير العادي ولكن إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد البرلمان ما يوجب الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فللملك أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون بشرط أن لا تكون مخالفة للدستور. ويجب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي وعرض هذه المراسيم عليه في أول اجتماع له فإذا لم تعرض أو لم يقرها أحد المجلسين زال ما كان لها من قوة القانون.
و يفتتح الملك دور الانعقاد العادي للبرلمان بخطبة العرش في المجلسين مجتمعين يستعرض فيها أحوال البلاد ويقدم كل من المجلسين كتابا يضمنه جوابه عليها
ويشير الكاتب محمد المصرى إلى أن دستور 1923 حدد بكل صراحة ولأول مرة أن حق التشريع يقوم به البرلمان.. وأن الملك يشاركه فى بعض الحقوق وأن الوزراء مسئولون أمام البرلمان، وأعطى الدستور للمجلسين حق اقتراح القوانين وتعديلها
ومعنى ذلك أن مصر عرفت لأول مرة نظام المجلسين ( النواب والشيوخ ) ونص لأول مرة على الطبقية لأعضاء مجلس الشيوخ كما قلل من إطلاق يد الملك بالنسبة للعملية التشريعية
وعقد مجلس النواب أول اجتماعاته بأغلبية وفدية ( 181 مقعدا ) تصل إلى اكثر من 90% فى 15 مارس 1924 واستمر دور الانعقاد الأول والثانى حتى 24 نوفمبر 1924 برئاسة أحمد مظلوم باشا. والوكيلين خشبة بك وحمد الباسل باشا وكان عدد الأعضاء 214 عضوًا جاؤا جميعا بالانتخاب .
أما مجلس الشيوخ فقد عقد جلساته فى نفس التوقيت برئاسة أحمد زيور باشا وكان الوكيلان أحمد زكى أبو السعود باشا ومحمد علوى الجزار بك ونص الدستور فى المادة 80 ان الملك هو الذى يعين رئيس مجلس الشيوخ وينتخب المجلس وكيلين ويكون تعيين الرئيس والوكيلين لمدة سنتين ويجوز اعادة انتخابهم .
وعقد مجلس الشيوخ خمسة أدوار حتى تم حله لأول مرة فى يوليو 1928.
أما مجلس النواب فتم الالتفاف على موعد انعقاده فى 25 نوفمبر 1924.. وقام الملك فؤاد وزيور باشا رئيس الوزراء وبعض الأحزاب بالتصدى لحكومة الوفد وتقويض الحياة البرلمانية بعد بدايتها بتسعة اشهر .. وتم حل هذا المجلس فى ديسمبر 1924 على ان يعقد المجلس الجديد فى 6 مارس 1925
و قابل الرأى العام المصرى والصحف والقوى السياسية هذا الحل المخالف للدستور باستنكار شديد وهاجم الوفد ورجال الحزب الوطنى هذا الحل واعتبروا ذلك اعتداء على الحياة النيابية المصرية ولكن الأحرار الدستوريين أيدوا الحل
ويرى الكاتب أن هذا الحل كان البداية لأن تظهر الخلافات والصراعات الحزبية على السطح ، وأن تسيطر المصالح الحزبية عند الدستوريين على مصلحة الوطن وللأسف الشديد فقد أيد بعضهم الملك فؤاد فى حل هذا البرلمان والوقوف بجانب القصر
وفى 24 نوفمبر 1925 تمت الدعوة للإنتخابات والعودة إلى الإنتخابات على درجتين وأنشأ الملك حزب الإتحاد الموالى له وقام وزير الداخلية إسماعيل صدقى بتعديل الدوائر الانتخابية حتى يتوائم ويتفق ذلك مع رغبات مرشحى الحكومة وحددت الإنتخابات فى 12 مارس 1925


واسفرت الإنتخابات عن اكتساح الوفد وفوزه بالاغلبية رغم أنف الملك فؤاد والإنجليز والحكومة ..و عقد البرلمان برئاسة سعد زعلول باشا اولى جلساته فى صباح يوم الأثنين 23 مارس 1925 الساعة الحادية عشر
و لكن من العجيب والمدهش انه فى الجلسة المسائية التى بدأت فى الساعة الثامنة مساء صدر مرسوم ملكى جديد بحل هذا المجلس وكان هذا المجلس أقصر البرلمانات عمراً فى مصر والعالم كله . فقد إستمر تسع ساعات فقط !.
وكان هذا الحل مخالفا للدستور فالمادة 88 من الدستور كانت تنص على أنه :" إذا حل مجلس النواب فى أمر فلا يجوز حل المجلس الجديد من أجل ذلك الأمر "
وكان هذا الحل لمجلس النواب فى المرة الأولى و كانت الثانية بسبب مطالب الإنجليز بعد مقتل السير لى ستاك سردار الجيش المصرى وحاكم السودان فى 19 نوفمبر 1924 بأن تقدم مصر إعتذاراً كافياً عن الجناية وأن تمنع من الآن فصاعداً وتقمع بشدة كل مظاهرة شعبية سياسية وأن تدفع غرامة فى الحال مليون دولار ، وغيرها من المطالب الإنجليزية والتى قال المندوب السامى اللنبى بكل وقاحة " واذا لم تلب هذه المطالب فى الحال تتخذ حكومة حضرة صاحبة الجلالة على الفور التدابير المناسبة لصيانة مصالحها فى مصر والسودان " .
ولكن مجلس النواب ومجلس الشيوخ اجتمعا في مساء 24نوفمبرسنة 1924في جو مضطرب مكفهر على حد تعبير المؤرخ البرلمانى عبد الرحمن الرافعى وقال :إن سعد زغلول رئيس الوزارة أعلن في كلا المجلسين استقالة الوزارة و استعداده لتأييد كل وزارة تشتغل لمصلحة البلاد .
و قررمجلس النواب في تلك الجلسة الاحتجاج على تصرفات الحكومة البريطانية ، و عهد بوضع صيغة الاحتجاج إلى لجنة ألفها المجلس من أربعة أعضاء هم :
حمد باشا الباسل وأحمد محمد خشبة بك ( باشا ) و الأستاذمكرم عبيد ( باشا ) و عبد الرحمن الرفعى , ووضعوا صيغة الاحتجاج , و أقره المجلس بالإجماع , و هذا نصه :
" إزاء الاعتداءات الأخيرة التي وقعت من الحكومة البريطانية ضد حقوق الأمة المصرية و سيادتها و دستورها يعلن مجلس النواب "
(أولا) تمسكه بالاستقلال التام لمصروالسودان اللذان يكونان وطناً واحداً لا يقبل التجزئة
( ثانيا) أنه بالرغم من استنكار الأمة و مليكها و حكومتها و برلمانها للجرم الفظيع الذي ارتكب ضدالمأسوف عليه السير لي ستاك باشا سردارالجيش المصري وحاكم السودان العام , و بالرغم مما قدمته الحكومة من الترضية و ما اتخذته من الوسائل الفعالة لتعقب الجناة و تقديمهم للعدالة , فإنه لما يؤسف له كل الأسف أن الحكومة البريطانية رأت على قوتها المادية للانتقام من أمة بريئة تعتمد على قوة حقها و عدالة قضيتها , فلم تقتصر على مطالبها البالغة حد الإرهاق فيما يتعلق بالجريمة نفسها بل تعدت هذه الدائرة و ذهبت إلى المطالبة بسحب الجيوش المصرية من السودان و إلزام الوحدات السودانية من الجيش المصري بحلف يمين الولاء لحاكم السودان و التصريح بزيادة مساحة الأطيان التي تستغلها الشركات الاستعمارية البريطانية في السودان من 300 ألف فدان إلى ما لا نهاية له , و عدول الحكومة المصريةعن كل معارضة لرغبات الحكومة البريطانية فيما تدعيه من حماية المصالح الأجنبية في مصرإلى آخر ما جاء في التبليغات الانجليزية , ثم نفذت فعلا ما توعدت به وزادت عليه احتلال جمارك الأسكندرية معلنه أنه أول التدابير التي تنوي اتخاذها .
و لما كانت هذه التصرفات منافية لحقوق البلاد لما فيها من الاعتداء على استقلالها و التدخل في شئونها و العبث بدستورها و تهديد حياة البلاد الزراعية و الاقتصادية فضلا عن أن هذه الاعتداءات ليس لها أي علاقة بالجريمة و لا نظير لها في التاريخ .
" فذلك يعلن مجلس النواب المصري على ملأ العالم شديد احتجاجه على هذه التصرفات الجائرة الباطلة و يشهد الأمم المتمدينة على تلك المطامع الاستعمارية التي لا تتفق مع روح هذا العصر و حقوق الأمم المقدسة , و يبلغ احتجاجاته برلمانات العالم , و يرفع الأمر إلى مجلس عصبة الأمم طالبا إليه التدخل في الأمر لرفع الحيف عن أمة بريئة تتمسك بحقوقها المقدسة في الحياة و الحرية و لا تبغي عن استقلالها بديلا " . و أقر المجلس هذا النص بالإجماع ،و قرر مجلس الشيوخ احتجاجا بهذا المعنى .
الإعتداء على الدستور


ويقول الكاتب محمد المصرى : إن حل مجلس النواب للمرة الثانية أحدث صدمة عنيفة للأمة كلها فى ذلك الوقت ولكن رئيس الوزراء اسماعل صدقى خرج على الشعب ببيان قال فيه :
إننا أقدمنا على حل هذا المجلس حتى نعيد العلاقات الحسنة إلى نصابها .. وبالطبع فإن صدقى كان يقصد تحسين العلاقة بين الملك والإنجليز لإنهم غضبوا من نجاح سعد زغلول فى الإنتخابات غضبا ًشديداً..وتغلبه على مرشح الحكومة عبد الخالق ثروت فى رئاسة المجلس .
وفى هذه الأجواء المشحونة بالأضطرابات والمشاحنات والمؤامرات والمناورات الحزبية والصراع الدائر بين القصر والأحزاب والأنجليز لا يمكن ان ننسى المواقف المشرفة والعظيمة من اديبنا الكبير عباس محمود العقاد ودوره فى الحفاظ على حقوق الأمة والبرلمان وحماية الدستور فى ذلك الوقت ومواجهة الملك فؤاد
وينقل لنا د. راسم الجمال فى كتابه " عباس العقاد رجل الصحافة رجل السياسة " بعضا من هذه المعارك والمواجهات التى كان يخوضها العقاد وانتهت به إلى قضاء تسعة أشهر فى السجن
يقول د. راسم الجمال : ان العقاد وقف فى جلسة مجلس النواب يوم 17 يونية 1930 الذى كان يسوده الجو الحماسى عقب إعلان مصطفى النحاس استقالة وزارته بطريقة مؤثرة ليصيح : " لقد كان فى مصر وزارة طاغية ( وزارة محمد محمود ) وقد طلبت إلى صاحب الأمر إيقاف الحياة البرلمانية وتعطيل الدستور وحماية حكمها فأجيبت إلى طلبها , واليوم فى البلاد حكومة دستورية تطلب صيانة الدستور فتوضع فى طريقها العراقيل والعقبات والحشرات التى لا تعيش إلا من دماء الأمة فما تنظر بعد هذا ؟ هل هناك شك فى انه من الواجب أن يصان الدستور ؟
" ألا فليعلم الجميع ان هذا المجلس مستعد ان يسحق أكبر رأس فى البلاد فى صيانة الدستور وحمايته "
وقد قوبل هذا التهديد من العقاد للملك من جانب النواب بتصفيق حاد متواصل ، جعل أحمد ماهر رئيس المجلس يدرك خطورة الأمر فاعترض مضطربا ً:
ما هذا ياأستاذ عباس ! أنا لاأسمح بمثل هذا الكلام .
ولكن العقاد أصر على موقفه وأضاف قائلا :
أنا أقول ومازلت أكرر أننا جميعا مستعدون للتضحية فى المحافظة على الدستور ومقاومة كل من يعبث به , إن البلاد جميعها على أتم استعداد للتضحية ولا نريد أن تعترضنا الألاعيب والصغائر فى كل خطوة من خطواتنا ,وليس الدستور هو الذى يلعب به ، لأن الأمة قد جاهدت فى سبيل الحصول عليه ستين عاما , وضحت فى هذا السبيل بالأرواح الغالية والأموال الطائلة فليس من الآئق بنا أن نظل فى كل آن عرضة للكائدين .. وإذا كان هناك دليل على أن الوزارة محقة فى عملها فهو أن تستقيل هذه الوزارة , وهى حاصلة على ثقة المجلس الإجتماعية , وهذا كفاية لتأييدها وإعلان الأسف الشديد على الحالة التى دعتها لتقديم هذه الأستقالة وقد قوبل هذا الأستطراد بالتصفيق من جانب النواب
واستمر العقاد فى هجومة على الملك فؤاد والطعن فيه وفى اسرة محمد على والدعوة للثورة عليه فى كل المقالات التى كان يكتبها واستدعته النيابة فى 14اكتوبر 1930 أى قبل حل البرلمان فى 22اكتوبر 1930 وحضر معه وفد من القانونيين الوفديين وبعد التحقيق معه بتهمة العيب فى الذات الملكية قررت النيابة اعتقاله وتقديمه الى المحاكمة فى ديسمبر 1930 مع استمرار حبسه
وفى 31 ديسمبر 1930 وفى الجلسة السادسة أصدرت المحكمة حكمها بحبس المتهم عباس محمود العقاد تسعة أشهر حبساً بسيطاً وأن يطبع الحكم فى ثلاث جرائد يومية بمصروفات على نفقة المحكوم عليه .!
وكتب استاذنا الكبير محمد التابعى مقالاً فى مجلة اخر ساعة يصف لنا فيه حالة الأستاذ العقاد فى السجن قال فيه :
إن العقاد دخل السجن - سجن مصر أو قرة ميدان - كما هو معروف عند سواد الشعب - دخله في فصل الشتاء والبرد.
وشكا عباس العقاد من شدة البرد وقال انه مريض، وجاء طبيب من مصلحة السجون وأيد العقاد في شكواه، وكانت (زنزانة) العقاد - مثلها مثل سائر حجرات وغرف السجن - ذات نافذة مفتوحة إلا من القضبان الحديدية.
وبعد مكاتبات ومفاوضات بين مصلحة السجون ووزارة الحقانية (العدل) التي كانت السجون تتبعها في ذلك الوقت وافق (معالي) الوزير علي تغطية النافذة بألواح من الزجاج تفتح وتغلق حسب الحاجة.
وذات يوم ذهب معالي الوزير - المرحوم علي ماهر (باشا) - يزور سجن مصر..
وفتح الحارس باب زنزانة عباس العقاد..وهو يعلن بصوت عال (معالي الوزير). وكان العقاد متمددا فوق فراشه.. وهنا تعمد العقاد رحمه الله أن يضع ساقا فوق ساق..و أن تكون قدماه في وجه معالي الوزير.
ولم ينهض.. تحية واحتراما للزائر الكبير.
وقال علي ماهر رحمه الله.. و كان يقف وراءه بعض كبار موظفي مصلحة السجون وضباط السجن.. قال:
- نهارك سعيد يا أستاذ عقاد.
ولم يرد العقاد..
- عندك شكوي يا أستاذ من أي حاجة.
ولم يرد العقاد..
وعاد وزير الحقانية يسأل..
- لك طلبات يا أستاذ عقاد .
سكوت.. وعدم رد.
وانصرف الوزير..
وأغلق الحارس باب الزنزانة


دستور صدقى
واستمر هذا الأضطراب وعدم الإستقرار للحياة البرلمانية والسياسية والاعتداء على دستور 1923 حتى قرر الملك فؤاد اصدار أمر ملكى بدستور جديد فى 22 اكتوبر 1930 وقانون انتخابات جديد ايضا وهو الدستور الذى عرف بدستور صدقى الذى تولى الوزارة بعد استقالة وزارة النحاس باشا
وكان الهدف من تعديل الدستور هو انقاص عدد أعضاء مجلس النواب ليصل إلى 150 عضوا وزيادة عدد الأعضاء المعينين فى مجلس الشيوخ ليكون ثلاثة اخماس من 100 عضو .. كما قلص الدستور المسئولية الوزارية بأن تكون أمام مجلس النواب فقط بعد أن كان يشترك معه مجلس الشيوخ . كما تم الغاء الفوز فى الإنتخابات بالتزكية
وصدر دستور 1930 وشن الوفديون هجوماً ضارياً على هذا الدستور الذى كان الهدف منه الوقوف فى وجه حزب الوفد وضمان اغلبية حكومية موالية للقصر فى مجلسى النواب الشيوخ !
ولكن إسماعيل صدقى يرد عليهم بأن هذا الدستور على غرار الدستور البلجيكى وبعض الدساتير الأوربية التى تتطور دائما ًوكان يدافع عن هذا الدستور بأنه يتمشى مع التطورات السياسية والإقتصادية التى تشهدها مصر ، ولكن يمكن أن نقول إن هذا الدستور أطلق يد الملك فؤاد فى البلاد ، واعطى له صلاحيات ما أنزل الله بها من سلطان وسلبها من البرلمان , ووضع شروطا مالية وتعليمية للإنتخابات .. وجعل فى يديه حق تعيين شيخ الأزهر وغيرها من المناصب الدينية وقام باستغلال نفوذه فى تعيين الموالين له فى المصالح الحكومية والوزارات .
وأستمر هذا الوضع حتى عام 1934 واستمر الرفض الشعبى لهذا الدستور الملكى ..
وحدثت أزمة شديدة بين الحكومة والإنجليز عندما ارادت تعيين مجلس وصاية على العرش بعد مرض الملك فؤاد وأحتج رئيس الوزراء عبد الفتاح يحيى على الوضع واستقال من منصبه
وتم تعيين توفيق نسيم باشا رئيسا للوزراء وقرر الغاء العمل بدستور 1930 والعودة لدستور 1923 وانتصرت الإردة الشعبية وصدر امر ملكى فى 30 نوفمبر 1934 بإلغاء وسقوط دستور 1930 بعد كفاح دام 4 سنوات حتى تم التخلص من هذا الدستور كما تم حل مجلس النواب و مجلس الشيوخ اللذان تم انشاؤهما على اساس هذا الدستور الملكى ..وتوترت العلاقة بين الإنجليز والقوى الوطنية والحزبية .



ويختتم الكاتب هذا الفصل لبداية حياتنا البرلمانية بقوله ان مصر شهدت خلال الفترة من 1923 وحتى 1952 حياة سياسية مضطربة.. وشهدت مصر 10 هيئات برلمانية ولم يكمل مجلس النواب مدته الدستورية إلا فى هيئة برلمانية واحدة وهى الهيئة التاسعة.. وقد أسرف الملكان فؤاد وفاروق فى استخدام حقهما فى حل مجلسى النواب والشيوخ..
ولكن للأسف الشديد نلاحظ أن مجلس النواب لم يستخدم حقه الدستورى فى سحب الثقة من مجلس الوزراء أو الوزراء ولو لمرة واحدة.. وخلال هذه الفترة تم تشكيل 41 وزارة وفى خلال 6 شهور تعاقب على الحكم خمس وزارات .. وساد الحياة السياسية فى تلك الفترة التناحر الحزبى والفساد من داخل الأحزاب وتعاون بعضها مع القصر طمعًا فى الكراسى والمناصب الوزارية.
الفصل الثانى من الكتاب بعد غد
عبد الناصر يقود برلمان يوليو من الكواليس

موضوعات متعلقة

أسعار العملات

متوسط أسعار السوق بالجنيه المصرى26 سبتمبر 2024

العملة شراء بيع
دولار أمريكى 48.3056 48.4056
يورو 53.9042 54.0206
جنيه إسترلينى 64.6570 64.8247
فرنك سويسرى 57.0044 57.1562
100 ين يابانى 33.4549 33.5358
ريال سعودى 12.8760 12.9033
دينار كويتى 158.2958 158.6755
درهم اماراتى 13.1508 13.1795
اليوان الصينى 6.8889 6.9032

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 4,109 شراء 4,120
عيار 22 بيع 3,766 شراء 3,777
عيار 21 بيع 3,595 شراء 3,605
عيار 18 بيع 3,081 شراء 3,090
الاونصة بيع 127,777 شراء 128,132
الجنيه الذهب بيع 28,760 شراء 28,840
الكيلو بيع 4,108,571 شراء 4,120,000
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى