دراسة: الانقطاعات المائية خلفت أكبر فيضانات فى تاريخ البشرية ولا تزال تهدد الملايين
تمكن فريق من الباحثين بجامعة إنديانا الأمريكية من كشف اللغز وراء ظاهرة "انقطاع مجرى النهر" وهى ظاهرة طبيعية خطيرة تتسبب فى تغيير مسار الأنهار فجأة وبشكل كبير، مما يؤدى إلى فيضانات مدمرة تهدد حياة ملايين البشر حول العالم.
وتُسلط نتائج هذه الدراسة الرائدة التي نشرتها مجلة، "Nature" الضوء على عملية شكلت التاريخ البشري عبر الفيضانات المدمرة ولا تزال تشكل تهديدًا كبيرًا للمجتمعات، خاصة في المناطق المعرضة للفيضانات، حيث تعتبر الانقطاعات المائية مشكلة عانت منها البشرية لآلاف السنين، وقد ارتبطت بالعديد من الأساطير القديمة حول الفيضانات.
ووفقًا للباحث دوجلاس إدموندز، أحد أفرد فريق البحث بالدراسة، فإن "الانقطاعات المائية خلفت أكبر فيضانات فى تاريخ البشرية ولا تزال تهدد ملايين البشر اليوم، فعلى سبيل المثال، أدت الانقطاعات في نهر كوسى فى الهند عام 2008 إلى تهجير أكثر من 30 مليون شخص وخسائر فادحة تجاوزت مليار دولار".
وتوضح الدراسة - التي قادها جيمس جيرون، الباحث في قسم علوم الأرض والغلاف الجوي بجامعة إنديانا الأمريكية - أن ظاهرة انقطاعات مجرى النهر تحدث عندما يرتفع منسوب المياه في النهر بشكل مفاجئ، مما يدفعه إلى تغيير مساره واختراق مناطق جديدة، وهذا التغيير المفاجئ في مسار النهر يؤدي إلى فيضانات عارمة قد تغرق مساحات شاسعة وتدمر البنية التحتية والممتلكات وتتسبب في خسائر في الأرواح.
وقام الفريق البحثي بتحديد الظروف التي تؤدي إلى تغييرات مفاجئة في مسار الأنهار، علما بأنه قبل هذه الدراسة كان يعتقد العلماء أن أسباب كامنة وراء الظاهرة وتعود إلى عاملين رئيسيين يسببان انقطاعات مجرى النهر، هما ارتفاع قاع النهر عن السهول المحيطة به، أو وجود مسار أكثر انحدارًا وجاذبية للمياه على جانبي النهر.
وخلال هذه الدراسة، تمكن الباحثون باستخدام تقنية الليدار المتقدمة التي تخترق الغطاء النباتي وتسمح بقياس التضاريس بدقة من اكتشاف أن كلا العاملين يلعبان دورًا مهما في حدوث هذه الظاهرة، وأن أهميتهما تختلف باختلاف موقع النهر.
وقد توصل الباحثون خلال الدراسة إلى أداة جديدة للتنبؤ بالمخاطر باستخدام بيانات الأقمار الصناعية، حيث قام الباحثون بتحليل 174 حالة انزلاق نهري حول العالم، واستخدموا صور الأقمار الصناعية لتتبع حركة الأنهار عبر العقود ووجدوا أن 74% من حالات الانزلاق حدثت بالقرب من السلاسل الجبلية والمناطق الساحلية، حيث تتراكم الرواسب
وطور الباحثون نموذجًا جديدًا لرسم خريطة لما أطلقوا عليه "ممرات الانجراف" وهي المسارات التي قد تسلكها الأنهار إذا انحرفت عن مسارها الحالي وهذه الأداة تساعد الحكومات والمخططين في تحديد المناطق المعرضة لخطر الفيضانات المفاجئة، واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لتخفيف الآثار المدمرة للفيضانات.
وتكتسب هذه الدراسة أهمية خاصة في الدول النامية والأجزاء الأقل نمواً في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، حيث تكون عمليات الانقطاع أكثر تواتراً وأكثر فتكا، ففي العديد من هذه المناطق، يؤدي الجمع بين العوامل الجيولوجية وتحديات البنية التحتية إلى جعل المجتمعات أكثر عرضة للتغيرات المفاجئة في الأنهار ، ومثال على ذلك تشير الإحصائيات إلى أن الفيضانات المرتبطة بانقطاع المياه في نهر السند في باكستان عام 2010 أثرت على أكثر من 20 مليون شخص.
وعلى الرغم من هذا الاكتشاف المهم، إلا أن هناك تحديات كبيرة لا تزال تواجه العلماء والمختصين في مجال إدارة الكوارث فالتغيرات المناخية تؤدي إلى زيادة تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة، مما يزيد من خطر حدوث الفيضانات، وبالإضافة إلى ذلك، فإن التوسع العمراني في المناطق المنخفضة يزيد من تعرض المجتمعات للخطر.
ويعتبر هذا الاكتشاف العلمي خطوة مهمة نحو فهم أفضل لظاهرة انقطاعات مجرى النهر، وتطوير أدوات أكثر دقة للتنبؤ بالمخاطر المرتبطة بها ومع ذلك، فإن مواجهة هذا التحدي يتطلب تضافر جهود العلماء والمهندسين وصناع القرار والمجتمعات المحلية