الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب : ملحمة النصر ( ٥ ) معركة المنصورة .. وتلقين العدو درسا فى فنون القتال جواً
إسقاط ٤٦ طائرة للصهاينة فى ٥٣ دقيقة
فى الرابع عشر من أكتوبر من كل عام تحتفل مصر والقوات المسلحة اليوم بعيد القوات الجوية حيث إختارت القيادة العسكرية هذا اليوم تخليدا لواحدة من أعظم المعارك الجوية فى التاريخ العسكرى هى " معركة المنصورة " والتى إستمر فيها القتال ببسالة وشجاعة فى الجو فوق سماء المنصورة لمدة ٥٣ دقيقة كاملة تكبد فيها العدو الصهيونى الغاشم خسائر فادحة حيث نجحت القوات الجوية ببراعة الطيارين من إسقاط نحو ٤٦ طائرة إسرائيلية.
ومما يؤكد على عظمة الطيار المصرى أن القوات الجوية دخلت هذه المعركة بطائرات " ميراج " السوفييتية وهى من طراز قديمفى حين إن العدو الغادر كان يستخدم طائرات " فانتوم " و " سكاى هوك " الأمريكية الحديثة ولكنها عبقرية الطيار المصرى .. وإلى التفاصيل المثيرة ..
ويستمر القتال مع العدو الصهيونى الغاشم الذى أصابته حالة من الجنون بعد نجاح القوات المسلحة المصرية فى العبور إلى الضفة الشرقية للقناة وتدمير خط بارليف المنيع وتحطيم أسطورة الجيش الذى لا يقهر وإستمرار البندقية فى حصد أرواح جنود وضباط العدو ، ولذلك قرر العدو الإنتقام من خلال تدمير القاعدة الجوية بمدينة المنصورة التى تضم قاعدة الدفاع الجوى والتى بدورها تضم عدد كبير من الصواريخ والمدفعية والطائرات المقاتلة فقام العدو يومى ٧ و ٩ أكتوبر بمحاولات لضرب القاعدة الجوية بمدينة المنصورة ولكن الهجومين فشلا ثم عاود الهجوم يوم ١٢ أكتوبر وتكبد العدو خسائر فادحة حيث تم إسقاط ٢٠ طائرة وحينها اعتبر الصهاينة أن هذا اليوم هو الأسوأ للجيش الإسرائيلى منذ بداية الحرب فى السادس من أكتوبر.
وفى يوم ١٤ أكتوبر قرر العدو الهجوم على قواعد الطائرات في دلتا النيل فى ضربة واحدة للإنتقام ولإستعادة خرافة الذراع الطولى ظنا منه أنه تم إنهاك القوات الجوية المصرية ، فقرروا الهجوم على القاعدة الجوية فى المنصورة وهى العملية التى أطلق عليها الصهاينة أحفاد القردة والخنازير إسم " قتال الكلاب " !!.
وفى تمام الساعة الثالثة عصر يوم الأحد ١٤ أكتوبر ١٩٧٣ شاهد أهل قرية منية النصر بالقرب من المنصورة طائرات حربية كثيرة في سماء قريتهم تتقاتل، كما شاهدوا إحدى هذه الطائرات تسقط في الحقول ويقفز منها قائدها بالمظلة فأسرعوا إليه ووجدوه طيارا إسرائيليا فأسره الأهالي وسلموه للشرطة.
وكان العدو فى هذا اليوم قد هاجم عن طريق ثلاث موجات ، الأولى لتشتيت الطيران المصري وذلك من خلال طلعة جوية قوامها عشرون طائرة فقط وهنا ظهرت حنكة وبراعة القائد العام للقوات الجوية وهو اللواء محمد حسنى مبارك والذى قرر صد الهجوم من خلال قاعدة الدفاع الجوى دون أن يأمر الطائرات بالخروج لمواجهة الطيران الإسرائيلى فى الجو وهو الأمر الذى أدهش القيادات الأخرى ولكن مبارك كان يدرك تماما أن العدو يناور فقط بهذه الطائرات لمحاولة إرباك القوات المصرية المدافعة وبالفعل قامت طلعة جوية أخرى للعدو لضرب الدفاعات الجوية، أما الثالثة وفيها العدد الأكبر فكانت لتدمير الأهداف في عدد بلغ في إجماله مائة وستين طائرة، تصدى لها من أبطالنا حوالي ستين طائرة من مطارات مختلفة، لم تبلع الطعم ولم تشتبك مع الموجة الأولى بناء على تعليمات حسنى مبارك ، لكنها انتظرت بصبر حتى وقعوا جميعهم في الفخ المصري، في معركة استمرت ٥٣ دقيقة، اعتمد فيها الطيارون المصريون على التناوب فكانوا يهبطون لتعبئة الطائرات بالوقود، ثم يعودون مباشرة إلى القتال حتى ظن الأعداء أنهم يواجهون أكثر من مائة طائرة.
تم تصنيف معركة المنصورة الجوية بوصفها واحدة من أعظم معارك الجو في التاريخ، وهي الأطول بعد الحرب العالمية الثانية، والتي نتج عنها تدمير سبع عشرة طائرة للعدو فوق سماء الدلتا بالقتال المباشر، بالإضافة إلى سبع وعشرين طائرة، وطائرتي هليوكوبتر تم تدميرها عن طريق الدفاعات الجوية، ليكون مجموع خسائر العدو في ذلك اليوم ٤٦ طائرة وهي خسائر قياسية، بالإضافة إلى فشلهم في تحقيق إصابة الأهداف التي حاولوا تدميرها، في مقابل خسارة ست طائرات مصرية، تم إسقاط ثلاثة منها في القتال المباشر، واثنتين بسبب نفاذ الوقود والسادسة انفجرت عند مرورها خلال شظايا فانتوم معادية تم تفجيرها في الجو.
بعد أن أسقط عدة طائرات في هذه المعركة، وقاد سربه وبعد نفاذ وقوده، اضطر الطيار قدري عبد الحميد للقفز بالمظلة، فسقط وأصيب ظهره ليتم نقله إلى المستشفى، ليجد نفسه في غرفة واحدة مع أحد طياري العدو، وحين سأله عن كيفية إصابته اكتشف أنه قائد لإحدى الطائرات التي أسقطها بنفسه، في مفارقة ربما لا تحدث إلا في خيال أهل الأدب والرواية والقصة ليبدأ معه حوارا يكشف عن مدى كفاءة الطيارين المصريين الذين فاجأوا العدو بامتلاكهم القدرة على القتال والنصر على الرغم من الفارق الواضح في إمكانات الطائرات المتقاتلة.
لم يكن الإنجاز الأوحد إذن للقوات الجوية المصرية متمثلا في الضربة الجوية الأولى بل إن هناك من البطولات ما يجب النظر إليه باعتباره بطولات يجب النظر إليها بعين الاعتبار، مثل معركة المنصورة الجوية التي تم التأريخ لها بوصفها عيدا لأبطال وقيادات سلاح القوات الجوية العظماء.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى