الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب : ملحمة النصر ( ٦ ) المزرعة الصينية .. وحكاية أعظم معركة للدبابات ضد العدو الصهيونى
وتتواصل حرب الكرامة ضد العدو الصهيونى الغادر .. ها نحن الآن أمام واحدة من أعظم المعارك التى شهدتها حرب أكتوبر المجيدة .. " المزرعة الصينية " هكذا يطلق عليها وهى منطقة تقع شرق مدينة الإسماعيلية بالضفة الشرقية لقناة السويس والتى سقطت فى أيدى القوات الإسرائيلية خلال نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧ ضمن المساحات التى إحتلها الكيان الصهيونى.
المزرعة الصينية من أوائل المواقع التى تم تحريرها من دنس اليهود عقب العبور العظيم يوم السادس من أكتوبر.
وقبل الخوض فى تفاصيل وأسرار تلك المعركة الخالدة العظيمة نود أن نذكر سبب تسمية هذا الموقع بهذا الإسم .. أصل الحكاية يرجع إلى فترة الخمسينات حيث أقامت مصر فى هذه المنطقة محطة زراعية بالتعاون مع اليابان التى تم إستيراد ماكينات رى منها مدون عليها حروف يابانية وحين رأى جنود إسرائيل عقب الإحتلال هذه الحروف ظنوا أنها حروف صينية وأنها كانت مزرعة تشارك فيها دولة الصين لذلك أطلق على هذه البقعة هذا الإسم والذى وضع كذلك على الخرائط العسكرية الإسرائيلية بنفس الإسم.
الخبراء العسكريون يصفون هذه المعركة بأنها أكبر معركة دبابات وقعت منذ الحرب العالمية الثانية ويؤكدون أنها لازالت " صندوق أسود " نظرا لأن الجانب الإسرائيلى والذى شارك فيها لازال متكتما على تفاصيل وأحداث تلك المعركة التى رأى فيها جنود وقادة إسرائيل ما لم يروه من هول وفزع فاق حد تصورهم .. هذه المعركة كانت خير شاهد على براعة القائد العسكرى المقدم محمد حسين طنطاوى وغيره من القادة العظام مثل سعد مأمون وعبدالمنعم واصل وعبدالحميد عبد السميع والذين كانوا وجها لوجه مع بعض القادة العسكريين الإسرائيليين البارزين مثل وهما حاييم بارليف صاحب فكرة الخط الذى سمى بإسمه " خط بارليف "والثانى هو إريل شارون وإسحاق موردخاى.
ما أن إندلعت الحرب حتى إستعاد الجيش المصرى موقع المزرعة حيث كان التركيز على سرعة تحرير هذا الموقع نظرا لأهميته ووقوعه على الطريق المؤدى إلى " أبو طرطور " الإستراتيجى.
عقب سقوط هذه البقعة فى أيدى الجيش المصرى بدأ جيش العدو فى التخطيط لاختراق القوة المصرية المرابطة على شرق القناة عبر المنطقة الواقعة بين الجيشين المصريين الثانى والثالث بهدف فتح مساحة لتجميع جسور عائمة لعبور القناة ، وبالفعل تحركت الفرقة ١٤٣ المدرعة الإسرائيلية لقطع خطوط الإمدادات للجيشين الثانى والثالث.
كانت البداية فى يوم ١٥ أكتوبر حين قامت طائرات إستطلاع إسرائيلية بالطيران فوق هذا الموقع و تم على الفور إبلاغ القادة العسكريين فى مصر الذين أدركوا أن العدو ما يقوم بتصوير هذه المنطقة تمهيدا لضربها فأستخدم خطة تمويه جديدة حيث ترك فى المنطقة هياكل من الآلات والمعدات والطائرات العسكرية وقام العدو بدك هذه القطع الكرتونية الوهمية وظن أنه وجه ضربة قوية للقوة المصرية المتمركزة فى هذا الموقع وكل الأماكن المحيطة به.
ثم قامت القوات المصرية بحفر خنادق فى موقع المزرعة الصينية بسرعة فائقة وكانت على شكل " حدوة حصان " أو حرف " U " بحيث تتم مواجهة العدو من ثلاث جهات من اليمين واليسار والمواجهة ، وفى تمام الساعة الثامنة إلا الربع من مساء نفس اليوم سمع أفراد الكتيبة ١٦ مشاة التى يرأسها المقدم محمد حسين طنطاوى جنازير الدبابات الاسرائيلية تتقدم إلى الموقع بأعداد كبيرة والجنود والعتاد وذلك بعد إعتقد العدو أن التمهيد الجوى والقذف المدفعى حقق أهدافه ليبدأوا هجوما شاملا مركزا على الجانب الأيمن للكتيبة المصرية بقوات مشكلة من ثلاث ألوية مدرعة تضمنت ٣٠٠ دبابة تحت قيادة " شارون " باللواء الأول و٣٠٠ دبابة أخرى تحت قيادة " أدان " و٢٠٠ دبابة مع فرقة القائد " مانجن " ولواء مظلات ميكانيكى وآخر للمشاة.
وكان مجموع الدبابات المصرية فى هذا الموقع يتراوح ما بين ٨٠٠ و ١٠٠٠ دبابة عند تقدم قوات إتخذ كل جندى موقعه وأصدر قائد الكتيبة المقدم محمد حسين طنطاوى تعليمات بحبس النيران لحين إعطاء إشارة ضوئية حمراء منه شخصيا ، كل ذلك وقوات العدو تتقدم بكل ثقة للتمركز فى الموقع وإعادة إحتلاله .. وجائت اللحظة الحاسمة والمناسبة التى أعطى فيها القائد " طنطاوى " الإشارة الضوئية الحمراء ليفتح الرجال العظام النيران على قوات العدو من كل إتجاه ودارت واحدة من أقوى معارك الدبابات فى التاريخ حيث كانت المساحة التى يفصل دبابات الطرفين لا تتجاوز كيلو متر واحد.
وخلال ساعات فجر يوم ١٦ أكتوبر تحول الموقع إلى مقبرة للجنود والمدرعات الإسرائيلية وفرت فلول من جيش العدو من نيران المعركة وبسبب الظلام الدامس ضلوا الطريق ووقعوا أسرى فى أيدى كتيبة مصرية أخرى.
وكان القائد البطل " طنطاوى " ينوى القضاء على كل جندى إسرائيلى مشارك فى هذه المعركة حيث كان الجانب الإسرائيلى فى حالة صدمة من الأشباح التى خرجت من تحت الأرض فى جنح الظلام الدامس لتحصد أرواحهم الواحد تلو الآخر لدرجة أن أحد الجنود المصريين صعد أعلى دبابة إسرائيلية معطلة وكان يظنها مصرية وطلب " سيجارة " من جندى إسرائيلى أعزل.
وفى الساعات الأولى من صباح هذا اليوم الذى كان مكسوا بالضباب تمكن العدو بسبب الطقس السىء من سحب قتلاه وإخلاء الجرحى وكانت المحصلة النهائية بإعتراف الإسرائيليين أنفسهم خسائر للجانب الإسرائيلي.
ومازالت معارك النضال ضد العدو الصهيونى .. مستمرة
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى