الدكتور هيثم محمد حرمى بكتب :أنشروا الوعي بفقه وأهمية صلاة الجمعة.. يرحمكم الله
خلق الله الأزمنة والشهور، وخصَّ منها ساعات وأيامًا، جعل لها مراتب عليّة، وخصائص عظيمة، ومن تلكم الأيام يوم الجمعة، إذ ميزه الله بمكانة عظيمة في الإسلام وجعل خطبة الجمعة شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، تتكرر أسبوعيًّا، تبصيرًا للمسلمين بحقائق دينهم وعقيدتهم، وجمعًا لقلوبهم، وتوحيدًا لكلمتهم، وتعليمًا لجاهلهم، وتنبيهًا لغافلهم، وردًّا لشاردهم، وإيقاظًا للهمم، وشحذًا للعزائم، ومما يجب عليهم، وما لا يجب عليهم؛ وتثبيتًا لهم على تعظيم حرمات الله.
فالله تبارك، وتعالى أمر المؤمنين بالسعي لحضور الخطبة، وسماع الذكر، وحضور الصلاة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الجمعة: 9، والمراد ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾، الخطبة مع الصلاة على القول الراجح من أقوال أهل العلم.
مما يُهيِّئ للاستفادة والرغبة في الاستماع، قوله تعالى ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾. واتركوا البيع، وكذلك الشراء وجميع ما يَشْغَلُكم عنها، ذلك الذي أُمرتم به خير لكم.
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على الإنصات لها، وعدم اللهو أو العبث في وقتها، مع أخذ الزينة والطيب وحسن المظهر، ونبذ الّلغو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طُهر، ويدَّهن من دُهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يُصلي ما كتب له، ثم يُنصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) صحيح البخاري (2/3 (883).
وخطبة الجمعة لا يعلم حجم خطورتها إلا مَن يعلم أهميتها ودقَّة مسلكها، لأنها تختلف عن أي خطاب آخر فهي منبر التوجيه والدعوة، وإحياء السنن، وقمع البدع، وقول الحق، وخطيب الجمعة مسؤول مسؤولية عُظمى أمام الله عز وجل فيما يُلقيه على الناس.
لذلك وجب عليه أن يقوم بتحضير الخطبة، ويهتم بها اهتمامًا عظيمًا، ويستشعرَ عِظَم الأمانة المُلقاة على كاهِله، وأن يتقي الله، فلا يخوض في نُصُوص بغير علم، وألاَّ يقولَ على الله ورسوله إلا الحق، وألا يكونَ طرحُه للقضايا المهمة مبنيًّا على أهواء شخصية بعيدة عن الصواب، وألا يكون منبعُ خطبته وما يُقَرِّره فيها مصادر غير معتمدة من أهل العلم؛ وألا يفتنَ الناسَ بأقوالِه المشتملة على القضايا الكاذبة والمقدمات الفاسدة، لذا كان لزامًا على الخطيب أن يضع هذا الأمرَ نصب عينيه، وأن يعلمَ أن كلامَه مُؤَثِّر، ويتعلمَ كيفية تحضير الخطبة، ويهتم بها اهتمامًا عظيمًا، ويستشعرَ عِظَم الأمانة المُلقاة على كاهله.
فالإعداد الجيِّدَ للخطبة يتيح فرصة العمق العلمي، في تناول الموضوع وحصر أفكاره في نقاط معينة، وهو أمر يساعد على عدم التشتت، وتَكرار العبارات من غير حاجة، فيستطيع أن يلمَّ بالموضوع دون إطالة ولا إرهاق للسامعين؛ مما يبعث في نفوسهم المَلَل والضَّجَر.
وعليه ألا يغفل عن الإفادة من مراكز المعلومات، والموسوعات العلمية، المطبوعة والإلكترونية، فهي توفِّر الجهد والوقت، وتساعد على جمع مادة علميَّة متنوعة ومتميزة.
مع مرعاه التثبت من الأدلة وذكر المصدر ونسب الكلام إلى قائله، فالسلف الصالح وعلماءنا ومشايخنا حرصوا على ذكر المصدر سوآءا في كتبهم أو مقالاتهم أو في أحاديثهم، قال المعملي رحمه الله: قيل إن كل فائدة لم تُسند إلى صاحبها فهي لقيطة كالطفل المنبوذ الذي لا يُعرف أبوه في المنتسبين. (المجموع 1/49)، فمن بركة العلم أن يضاف القول الى قائله، فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله، ومن أوهم فيما يأخذُ من كلام غيره أنه له، فهو جدير ألا يأخذ منه ولا يُنْتفَع بعلمه، وحث أهل العلم والفضل على إضافة الأقاويل إلى قائلها. قال الامام ابن عبد البر: “يقال: إن من بركة العلم أن تضيف الشيء إلى قائله”. (جامع بيان العلم وفضله: 2/89)
وفقا لما تم سرده لا يصح أن تكون المعلومات التي تتضمنها الخطبة، غير معلوم مصدرها بالنسبة للمصلين، للآتي : كثيرا من المصلين قد تكون لديه الرغبة في الاستزادة قي هذا الموضوع، أو يكون لديه معلومة خاطئة وتم تصحيحها من قبل الخطيب لكن من حقه أن يعلم المصدر الذي استسقى منه خطيب الجمعة معلوماته، الكثير من المؤلفات والمخطوطات تتخللها معلومات كاذبة وغير مقبولة عند الثقات من أهل العلم ، وقد تكون المسألة المعروضة في خطبه الجمعة تعددت بها الآراء الفقهية لأهل العلم فلا يجوز أن تلزم المصليين برآي وتحجب عنهم باقي الآراء مادامت لعلماء ثقات.
ارجوا من الله عز وجل ان استمع قريبا لخطباء المساجد في مصر المحروسة وهم أعلى منابر المساجد في نهاية الخطبة وقبل نزولهم من على المنبر يوثقوا ما تم التعرض له من موضوعات خلال الخطبة، بذكر المرجع، والفصل، والطبعة، والسنة، ورقم الصفحات.
وأخيرا فمن المعلوم أن خطبة الجمعة إذا أُسِيء استعمالُها، انقلبتْ إلى الضِّدِّ؛ فتحيا مِن خلالها البدعُ، ويشاع الباطل، وتموت السُّنَّة، وينتشر التضليل، وتصبح سُنَّة سيئة يسعى في إحيائها، يكون علي الخطيب وزرُها ووِزْر مَن عمل بها إلى قيام الساعة؛ ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا بالتوثيق لخطب الجمعة .