الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب.. البكالوريا ... عودة الطرابيش والباشوات مطلب شعبي !
على حين غرة وفي مفاجأة جديدة من المفاجآت المعتادة من السيد وزير التربية والتعليم، عرض مشروعا جديدا للثانوية العامة على مجلس الوزراء، وطبعا تمت الموافقة على ذلك المشروع بسرعة عجيبة جدا من مجلس الوزراء، وذلك بعدما وافق المجلس ذاته في شهر أغسطس الماضي على خطة تطوير الثانوية العامة والتي اقترحها الوزير نفسه في مفاجأة كذلك، ودون أي دراسة بحذف مواد ودمج مواد وجعل أخرى للإطلاع فقط، ووقتها ذكر الوزير أن ذلك التطوير يواكب المناهج العالمية ويجعل الثانوية العامة ذات شأن بين الأمم، لكن يبدو أن تلك الشهور البسيطة وتلك التعديلات لم تعجب سيادته، ولم ترضي رغبته في إدخال نظام جديد يسجل باسمه، ففاجأ المجتمع المصري بنظام جديد يكون بديلا عن الثانوية العامة اسمه "البكالوريا المصرية"، سيُطبق هذا النظام على طلاب الصف الأول الثانوي من العام المقبل !. ومعروف أن البكالوريا كانت مطبقة في مصر بداية من عام 1905، حين تقرر تعديل نظام الثانوية العامة إلى نظام "البكالوريا"، والذي استمر العمل به حتى عام 1951 . وكان من أبرز إنجازات ثورة يوليو 1952 الاهتمام بالتعليم خاصة الثانوية العامة أو الثقافة العامة والتوجيهية، وجعل التعليم للفقير قبل الغني، وتكافؤ الفرص وإلغاء الطبقية والألقاب مثل الباشا والبك والنبيل وسموه وغيرها من الألقاب التى ما أنزل الله بها من سلطان ، لكن يبدو أن سيادة الوزير يريد إعادة عصر ما قبل الثورة؛ لذلك نطالبه ونطالب الحكومة بعودة الطربوش والألقاب إياها رسميا مع عودة البكالوريا، والاعتراف بأن نظام التعليم القديم كان أفضل من أي نظام حديث، وأن أيام البكالوريا واللمبة الجاز والطبلية، وقشلاق العباسة والاحتلال الإنجليزي، والملكية والوسية والجلابيب الزرقاء ووابور الطحين، والترام أبو سنجة والتنجيم وفتح المندل ، كانت هي أيام التقدم وليس عصر الحاسب الآلي والنت والفضاء وعلوم الكون.
ويقوم المشروع الجديد على دمج المواد العلمية، الأدبية والفنية ضمن إطار تعليمي شامل كما يتم تقسيم المواد على مدار عامين على الأقل، مع توفير فرص امتحانية مرتين سنوياً، في شهري مايو ويوليو للصف الثاني الثانوي، وفي يونيو وأغسطس للصف الثالث الثانوي.
وفيما يخص الرسوم، فإن دخول الامتحان لأول مرة سيكون مجانياً، بينما سيُفرض رسم قدره 500 جنيه عن كل محاولة لاحقة.
وأنا هنا لن أناقش إفادة ذلك النظام، فقد سبق وأن ذكر الوزير الكلام ذاته عن الإفادة عندما طور الثانوية العامة في شهر أغسطس الماضي، لكني أود من كل متخصص في التربية والتعليم أن يناقش بعض الملاحظات، منها أن السرعة في تطبيق ذلك النظام دون دراسة كافية غريبة جدا خاصة وأن طلاب الصف الأول الثانوي الذي سيطبق عليهم ذلك النظام العام القادم لم يدرسوا مواد متطورة في الإعدادية لتواكب ذلك التطوير المفاجئ، وكان من المنتظر أن يتم تطوير مناهج الإعدادية بعد عامين من الآن، فلماذا السرعة في تطبيق ذلك النظام دون أن يعرض على هيئة من المتخصصين بعيدا عن مسئولي الحكومة المجبولين على الموافقة طبعا ليظلوا على كراسيهم ؟ أم أن الأمر أصبح طبيعيا، فقد تمت الموافقة وتنفيذ مشروع تطوير الثانوية العامة في شهر أغسطس الماضي دون دراسة كذلك ؟
كما أن فرض رسوم على إعادة الامتحانات قد يشكل عبئا على الأسرة المصرية، ومن هنا يظهر عدم التكافؤ في الفرص التعليمية، ليس بين الأسر فقط بل وبين المدارس الحكومية والمدارس الخاصة من حيث توفير نفس الموارد والخبرات، بمعنى الثري فقط هو الذي ستكون فرصته أفضل من الفقير الذي لا يستطيع أن يسدد ثمن كل مادة يمتحن فيها، وهنا تظهر عدم العدالة ، والعودة لعصر الطبقية والعبودية واضحة، والخصخصة والطبقية في أبشع صورها، والاسترزاق من كل شيء يجيء بالمال الذي هو المطلب الأول للمسئول ليظل مسئولا.
كما أن شغل المدارس والمعلمين لمدة شهور أربعة كل عام بامتحانات البكالوريا أمر في منتهى الغرابة والصعوبة، ويؤثر بالطبع بالسلب على العملية التعليمية التي ستنشغل بالامتحانات والإعداد لها إذا كانت العملية التعليمة تهم المسئول أصلا .
وبعد أن كانت مادة التربية الدينية خارج المجموع في نظام التطوير في شهر أغسطس الماضي صارت داخل المجموع في نظام البكالوريا الجديد؛ مما يدل على التخبط وعدم التخطيط والعشوائية، كما أن إدخال الدين ضمن المجموع سيثير مشكلات مجتمعية مختلفة، وتعصبا بين الدين الإسلامي والدين المسيحي، فلا شك أن كل فريق يريد أبناءه في قمة المجموع؛ مما سيجعل كل فريق يسهل الأمر على أبنائه، أو أن فريقا يسهل والأخر لا يفعل فيختفي تكافؤ الفرص، أو سيكون هناك كتاب واحد يدرسه المسلمون والمسيحيون بديلا عن الدين تحت مسمى القيم مثلا ، وفي ذلك خطورة ما بعدها خطورة، وتوجها عالميا تقوده الماسونية التي تنادي بإزاحة الأديان وتعميم المثلية والقضاء على القيم الدينية والخلقية من أجل استباحة المجتمعات والسيطرة عليها .
كما نلاحظ قصر اللغة الأجنبية الثانية على الصف الأول الثانوي (خارج المجموع) واستبعاد علم النفس والفلسفة تماما، رغم أهمية تدريس اللغات للمستقبل، وأهمية علم النفس والفلسفة للأدبي والثقافة بصورة عامة، وجعل البرمجة والحاسب الآلى مادة غير مضافة للمجموع رغم تأكيد القيادة السياسية على أهميتها وأنها هي سوق العمل المستقبلي.
إستقيموا يرحمكم الله !!.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى