الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب: حكايات مرعبة وشغل عفاريت فى قصر السكاكينى باشا (11)

حين يحل الظلام فى كل ليلة تضاء مصابيح وقناديل وحدها دون أن يضغط أحد زر إضائتها قصر السكاكينى باشا وحدها دون أن يضغط أى بشر على زر أو يحمل أحد مشعل ذلك القصر الذى يقع بحى الظاهر فى المنطقة التى سميت بإسمه .. وهذه سيدة تصول بين غرف القصر وتجلس فى أروقته المختلفة كما ترى ظلها يتجول هو الآخر فى أروقة القصر وجالسا على سلم القصر دون أن ترى لها أثر وها هى تتراقص بين جنبات القصر وتتمايل برشاقة خصرها البديع .. القصر أيها السادة يوميا يدور حول نفسه دورة كاملة .. التماثيل التى تزين القصر فى كل أركانه تتنقل يوميا من مكان لمكان .. إحذر هذه الغرفة فهى مسحورة من يدخلها يموت فى الحال !!
كل هذه شائعات وخرافات وخيالات إعتدنا أن نطلقها ونطلق غيرها على أى مكان رحل عنه البشر وأصبح مهجورا فالكل يطلق العنان لخياله لينسج حكايات لا تمت للواقع بل وللعقل بأى صلة ولكنها عادتنا التى بدأت فى الإختفاء ربما لعدم وجود أماكن أو مبانى مهجورة بكثرة كما كان سابقا.
سنة ١٨٥٨ وحين كان عمره ١٧ عاما ترك الشاب غابرييل حبيب وطنه سوريا وتحديدا مدينة دمشق وجاء مصر ليتولى وظيفة بشركة قناة السويس الوليدة في بورسعيد ، بعد ترك مهنته الأصلية وهى صناعة السكاكين والتى أشتهر بها وأصبحت لقباً له.
وقد جذب حبيب السكاكيني اهتمام الخديوي إسماعيل عندما إنتشرت الفئران فى قناة السويس بصورة لافتة للأنظار لدرجة أن أزعج الخديوى إسماعيل حاكم البلاد فى ذلك الوقت ، ولمواجهة هذه الأزمة لجأ حبيب إلى فكرة غريبة ولكنها ماكرة حيث إستورد قططاً جائعة وأطلقها فى محيط قناة السويس ليقضى على تلك الأزمة وفى غضون أيام، تم حل مشكلة هذا الوباء من القوارض، ونظرا لقدرته على الحل السريع والابتكار والمبادرة قام الخديوي، باستخدام هذا السوري النبيه، وكلفه بمهمة شاقة وهى استكمال بناء الأوبرا الخديوية ، ونجح حبيب فى الإنتهاء من أعمال بناء دار الأوبرا في الوقت المناسب لوصول وزيارة الملوك الأوروبيين، إلى مصر لحضور افخم احتفال لافتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر 1869.
وكان الخديوي سخي بطريقة لا حدود لها فأغدق عليه بأموال طائلة وخلع عليه اللقب العثمانى " بيك " ثم باشا وأصبح واحدا من كبار المقاولين فى مصر وقام ببناء هذا القصر فى 1897 على مساحة 2698 متراً، ويضم أكثر من خمسين غرفة، بها أكثر من 400 نافذة وباب، ونحو 300 تمثال، من بينها تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني بأعلى المدخل الرئيسي للقصر.
وتم مؤخرا ترميم القصر الأثري ضمن بروتوكول تعاون بين وزارتي السياحة والآثار، والإسكان والمجتمعات العمرانية بتمويل من جهاز أحياء القاهرة الفاطمية والإسلامية، وأكد المشرف العام على قطاع المشروعات بالمجلس الأعلى للآثار، العميد مهندس هشام سمير، خلال تفقده أعمال الترميم بالقصر ، أنه «تم الانتهاء من كافة أعمال التدعيم الإنشائي للأساسات والبدروم، ومعالجة الشروخ، وتطوير شبكات الكهرباء والإضاءة الداخلية والخارجية لواجهات القصر بما يتناسب مع أهميته وقيمته التراثية».
ويعود تاريخ إنشاء «قصر السكاكيني» إلى عام 1897، وهو مملوك لحبيب باشا أحد التجار في عهد الخديو إسماعيل
يتكون القصر من خمسة طوابق، وتعلو واجهته مجموعة من التماثيل لفتيات وأطفال وأسدين يتقدمان الواجهة، ويجمع القصر بين الطرازين الإيطالي واليوناني الروماني، في حين تتنوع زخارفه بين الركوكو والإسلامي، وكان السكاكيني بناه على طراز قصر أعجبه في إيطاليا.
وتعلو القصر قباب مخروطية ذات تصميم بيزنطي، في حين تزين جدرانه وأسقفه لوحات زيتية، وأمام مدخل القصر توجد نافورة مصنوعة من الرخام بها زخارف لرؤوس أسود.
توفي السكاكيني عام 1923، ووُزعت أملاكه على الورثة الذين تنازلوا عن القصر للحكومة المصرية بعد ثورة يوليو عام 1952، وانتقلت ملكية القصر إلى وزارة الصحة، التي حولته إلى متحف للتثقيف الصحي في الفترة من عام 1961 وحتى عام 1983، قبل أن تنتقل ملكية القصر إلى وزارة الآثار، حيث تم تسجيله كأثر عام 1983.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى