الصحفية إيمي حمدي سراج تكتب الأم .. قلب العالم و صناعة الحياة

حين نحاول الحديث عن الأم، نجد الكلمات تخذلنا، والمشاعر تعجز عن أن تُترجم إلى حروف. فالأم ليست مجرد شخص في حياتنا، بل هي الحياة نفسها. هي التي تمنح بلا مقابل، وتعطي دون انتظار، وتُضحي وهي تبتسم، وكأنها وجدت في العطاء لذتها الكبرى، وكأنها وُلدت لتكون النور الذي لا ينطفئ مهما اشتدت ظلمة الأيام.
كبرتُ وأنا أراقب أمي وهي تُمارس دورها كأم ومعلمة في آنٍ واحد. كنت أراها تعود متعبة بعد يومٍ طويلٍ من التدريس، لكنها رغم ذلك، لا تتردد لحظة في العناية بنا، في مساعدتنا في دروسنا، في تحضير الطعام بحب، في الاستماع إلى همومنا، وكأنها تحمل قلبًا يتسع لكل شيء، وروحًا لا تعرف التعب. كنتُ أرى في عينيها الإصرار والعزيمة، وأشعر في صوتها بحنانٍ لا ينضب. لم تكن مجرد أم، بل كانت قدوتي الأولى، ومثلي الأعلى في الصبر، في القوة، في الحب.
الأم ليست فقط من تربي أبناءها، بل هي التي تربي الأجيال، وتصنع المستقبل بيديها. المعلمة، كما الأم، تُعطي بلا حدود، تبني العقول، وتزرع القيم، وتحمل على عاتقها مسؤولية لا تقل عن مسؤولية الأم داخل البيت. لهذا، لم يكن يوم عيد الأم بالنسبة لي مجرد مناسبة للاحتفال بوالدتي فقط، بل كان أيضًا يومًا لكل معلمة تفانت في رسالتها، وصنعت الفارق في حياة طلابها.
"تقدير المعلم ليس مجرد واجب، بل هو اعتراف بقيمة من يزرعون النور في عقول الأجيال. ربما لأن والدتي كانت معلمة، رأيتُ عن قرب كم تبذل من جهد، وكم تتحمل من صعوبات، وكم تعطي بلا مقابل، حتى وصلت إلى درجة خبير في الإدارة التعليمية.
المعلم هو صانع المستقبل، تمامًا كما أن الأم هي صانعة الحياة. لهذا، كان يوم عيد الأم بالنسبة لي دائمًا هو أيضًا عيد المعلمة، يوم أشعر فيه بامتنان مضاعف، ليس فقط لأمي التي أفخر بها، بل لكل معلمة حملت على عاتقها بناء العقول وتربية النفوس رغم كل التحديات.
التدريس مهنة تستنزف الصحة والوقت والمجهود، وهي أساس بناء الأمم، ويجب أن تكون من أرقى وأعلى المهن قدرًا وأجرًا.
كل عام وأنتِ بخير يا أمي، وكل أم بخير، وكل معلمة تسهر على بناء جيل جديد بكل خير وسعادة."
لكن هل يكفي يوم واحد لنحتفل بالأم؟ هل تكفي بضع كلمات لنوفيها حقها؟ الأم ليست مجرد إنسانة مرَّت في حياتنا، بل هي أصل الحكاية، وهي التي رسمت تفاصيل أحلامنا، وساندتنا حين كدنا أن نسقط، وعلمتنا كيف نواجه الحياة بكل ما فيها من تحديات.
هي التي تنير البيت حتى في غياب الكهرباء، وتُضفي الدفء حتى في أقسى أيام الشتاء، و تسمعنا صوت الأمل حتى حين يختنق العالم من حولنا. هل سألنا أنفسنا يومًا كيف ستكون الحياة بدونها؟ كيف سنواجه الأيام دون حضنها الذي يشبه الأمان، دون صوتها الذي يملأ البيت حياة، دون دعواتها التي تحيطنا بالسعادة والتوفيق؟
الأم هي أول من يبكي لوجعك، وأول من يفرح لنجاحك، وأول من يسامحك على أخطائك، حتى قبل أن تعتذر. هي التي تحبك في أسوأ حالاتك، و تساندك حين يتركك الجميع، وتظل تؤمن بك حتى حين تفقد أنت إيمانك بنفسك.
وفي يومها، لا تكفيها هدية، ولا يكفيها احتفال، بل تستحق أن نُكرمها كل يوم، بأن نكون كما تمنَّت لنا أن نكون، بأن نُحقق أحلامها التي أجلتها لأجلنا، بأن نُشعرها أننا ندرك كم ضحت، وكم عانت، وكم أحبت.
إلى كل أم، وإلى كل معلمة، كل عام وأنتنّٓ نور الحياة، وسر السعادة، وسبب وجودنا. كل
عام وأنتنّٓ الخير كله.