زيارة ماكرون إلى مصر .. فرصة لتعزيز وتنسيق الجهود المبذولة بشأن الوضع فى غزة

"شكرا جزيلا للرئيس عبد الفتاح السيسى .. شكرا جزيلا للمصريين" .. هكذا اختتم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون زيارته رفيعة المستوى إلى مصر مساء أمس الثلاثاء والتي استمرت لمدة ثلاثة أيام، كانت حافلة بالفعاليات والنقاشات والاتفاقات فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية.
هذه الزيارة الناجحة التي قام بها ماكرون بدعوة من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، شهدت عدة مباحثات بين الجانبين وتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون الثنائي
واتفاق على رفع العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، الأمر الذي أشاد به الرئيس الفرنسي.
تناولت المباحثات بين الرئيسين كل الأزمات والملفات الإقليمية، إلا أن زيارة ماكرون جاءت خصيصا للتركيز على الوضع في قطاع غزة حيث أنها تأتي في إطار مساعي الرئيس الفرنسي للتوصل لوقف لإطلاق النار في غزة .
وركز الرئيس الفرنسي خلال زيارته لمصر على دعم الخطة العربية لإعمار غزة وعلى إعادة فتح المعابر لإدخال المساعدات إلى القطاع الفلسطيني المحاصر. لذا اكتسبت محطته الأخيرة إلى مدينة العريش والتي تبعد 50 كيلومترا عن قطاع غزة، أهمية قصوى، حيث التقى بجهات فاعلة إنسانية وأمنية وذلك تأكيدا على أهمية وقف إطلاق النار.
وسلطت الصحف ووسائل الإعلام الفرنسية الضوء على هذه المحطة المهمة في الزيارة، فقد عنونت صحيفة "لوفيجارو" مقالا لها بـ"في مصر، ماكرون يندد بوضع لا يمكن تحمله في غزة ".
وصرح ماكرون، خلال زيارته لمستشفى العريش ومخازن المساعدات الإنسانية، : "لقد قمت بزيارة مستشفى العريش ومخازن المساعدات الإنسانية، وأود أن أتقدم بالشكر لمصر التي نُقدر جهودها المبذولة منذ اندلاع الأزمة، وفي لقائي اليوم مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، لمست حرصه الشديد على التوصل إلى حل يؤدي إلى وقف إطلاق النار".
وسلطت "لوفيجارو" الضوء على ما قاله ماكرون "أنا الآن أقف أمام بعض المساعدات الفرنسية التي تم رفض دخولها من قِبل إسرائيل منذ مارس الماضي، وهي الآن على وشك الفساد" مشيرا إلى أن من الناحية الإنسانية، لم يكن الموقف بهذه البشاعة منذ السابع من أكتوبر، ولم يشهد الحصار هذا الامتداد الزمني المؤلم من قبل.
وأعرب ماكرون عن تقديره العميق للمنظمات غير الحكومية وكافة الوكالات الأممية، مشددا على أن حماية المدنيين وعمال الإغاثة الذين تكبدوا خسائر كبيرة تعد مسؤولية جماعية تتطلب استجابة دولية عاجلة.
كما ذكر "راديو فرنسا الدولي" أن استئناف إدخال المساعدات الإنسانية لغزة "أولوية الأولويات" بالنسبة لإيمانويل ماكرون، ونقلت الإذاعة قوله خلال زيارته بالعريش، بأن الوضع غير قابل للاستمرار ولم يكن بهذه الخطورة، وذلك مع فرض إسرائيل الحصار على القطاع، ولم تتمكن أي شاحنة مساعدات من الدخول إلى القطاع منذ ما يقرب من 40 يوما.
كذلك، أشارت صحيفة "لوموند" إلى دعوة الرئيس الفرنسي إلى "استئناف المساعدات الإنسانية في أسرع وقت ممكن"، باعتبارها "أولوية قصوى"، مع دعوته أيضا إلى وقف إطلاق النار لمدة 40 إلى 50 يوما وإطلاق سراح المحتجزين.
ونقلت الصحيفة إدانته الشديدة للهجمات التي تستهدف العاملين في المجال الإنساني في قطاع غزة، بعد أسبوعين من مقتل خمسة عشر من مسعفي الطوارئ بنيران إسرائيلية. وقال ماكرون خلال مؤتمر صحفي في العريش "ندين بشدة هذه الهجمات. يجب كشف الحقيقة كما ينبغي".
وقد أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الفرنسي جولة تفقدية في مستشفى العريش، حيث استمعا إلى شرح مفصل من الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية، وزير الصحة والسكان، حول المساعدات الطبية والصحية المقدمة للمصابين الفلسطينيين الذين تم استقبالهم لتلقي العلاج في مصر.
وسلطت صحيفة "لوموند" الضوء على زيارة ماكرون إلى المستشفى حيث قدم باقات ورد للجرحى والمصابين، وحرص على الحديث معهم .
كذلك، خلال الزيارة إلى مصر ، أكد ماكرون رفضه للتهجير القسري للفلسطينيين. وأثنى على جهود الرئيس السيسي من أجل تحقيق السلام في المنطقة، وقال خلال مؤتمر صحفي مشترك "نثمن جهود الرئيس السيسي لتحقيق السلام في المنطقة، ونرفض التهجير القسري للفلسطينيين، وندعم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة" التي تبنتها الجامعة العربية في 4 مارس الماضي.
وقال إنه يرفض بشدة التهجير القسري لسكان غزة أو أي عملية ضم سواء في غزة أو في الضفة الغربية، لأن ذلك سيكون "انتهاكا للقانون الدولي وتهديدا خطيرا لأمن المنطقة برمتها بما في ذلك أمن إسرائيل".
كذلك، خلال هذه الزيارة المهمة، عقد الرئيس الفرنسي قمة ثلاثية في القاهرة مع الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، حول الوضع الخطير في غزة.
وجاء في بيان مشترك مصري أردني فرنسي في ختام القمة "في سياق استئناف الضربات العسكرية الإسرائيلية على غزة، دعا القادة إلى عودة فورية لوقف إطلاق النار، لحماية الفلسطينيين وضمان تلقيهم المساعدات الطارئة الإنسانية بشكل فوري وكامل. ودعا القادة لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 19 يناير الذي نص على ضمان إطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين، وضمان أمن الجميع. وأكد القادة أن حماية المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية، وضمان إمكانية إيصال المساعدات بالكامل، التزامات يجب تنفيذها بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
هذه الزيارة المهمة للرئيس الفرنسي إلى مصر كانت لها نتائج مثمرة على صعيد تنسيق الجهود بشأن الوضع في قطاع غزة. فالزيارة تعد فرصة للدعوة إلى العودة إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع المحتجزين وتأمين سكان غزة، فضلا عن إعادة فتح المعابر لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وفقا لما جاء في بيان الإليزيه .
كما تعد هذه الزيارة فرصة للتأكيد على التزام فرنسا بمواصلة دعمها الإنساني لشعب غزة، واستعدادها للعمل مع مصر والشركاء العرب بشأن خطة إعادة الإعمار في القطاع وبشأن التوصل إلى تسوية للأزمة السياسية على أساس حل الدولتين .
وكانت الرئاسة الفرنسية قد أوضحت في بيان لها أن هذه الزيارة ستكون فرصة لرفع العلاقات المصرية الفرنسية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية فضلا عن تعزيز التعاون بين البلدين وخاصة في مجالات النقل والصحة والتعليم، وهو ما تحقق بالفعل.
وأعرب الرئيس الفرنسي عن شكره العميق للرئيس السيسي على حفاوة الاستقبال مشيرا إلى أن زيارته هي تأكيد على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين والإرادة المشتركة لمزيد من توثيق العلاقات بين البلدين.