المحمل ورسومات الحائط ووداع الحجيج.. عادات افتقدها المصريون فى زمن التطور
ارتبط مشهد الحجيج والخروج إلى أداء الركن الأعظم فى الإسلام فى الأراضى المقدسة، ارتباط وثيقا بالذاكرة الجماعية المصرية، تأثرت فيها بالفنون جميعا، فأصبحت تلك الاحتفالات كرنفالا فنيًا وتوثيقيا لموسم الحج، كأحد أهم المواسم تاريخيًا صاحبة التراث الفلكلورى والفنون الشعبية المميزة، الذى يشتهر بها المصريون عبر الزمان، فمن هنا كانت تقوم زفة المحمل قبل إرسال كسوة الكعبة المشرفة فى القدم، من هنا تغنى الأقدمين بأغانى الوداع، ورسموا برسومات الحائط لتوثيق رحلاتهم المقدسة.
تلك الفنون لازمت موسم الحج طوال الماضى، حيث عرفها المصريون منذ آلاف السنين كطقس مصرى فريد، يمزج ما بين الفرح والشجن، الأمل والحزن، المديح والتهليل، لكنها اختفت الآن مع زمن التطور وبقت جزء من التاريخ، واحتفالتها الكبيرة بقيت فى الأرشيف الجمعى، والدراسات وكتب التاريخ.
المحمل
احتفالا بتلك الشعائر المقدسة، كان يخرج المصريون فى موكب حاملاً كسوة الكعبة، يطوف الشوارع قبل الخروج إلى الحجاز، وكان يصاحب طوافه العديد من الاحتفاليات كتزيين المحلات التجارية والرقص بالخيول، وكان والى المنطقة التى يخرج منها المحمل أو نائب عنه يحضر هذا الحدث بنفسه أو يرسل من ينوب عنه، وظل هذا المحمل يخرج منها منذ عهد شجر الدر والمماليك حتى بداية منتصف الخمسينيات من القرن العشرين الميلادى
الوداع بالتحنين
يطلق عليها فى الجنوب "التحنين" والتى عرفت قديما لمديح رحلة العبور لدى المصريين، وتوراثتها الأجيال تباعًا، تغيرت الكلمات وبقيت حالة الشجن التى تميزها.
ووفقا لتصريحات سابقة للباحث فى التراث الشعبى، محمد شحاتة العمدة، يعرف تلك الأغانى قائلاً: هى تلك الأغانى المنغمة ذات الإيقاع الهادئ والتى يغنيها النساء فى وقت توديع الحجاج أو وقت عودتهم أو أثناء غيابهم فى رحلة الحج، ويعبر ذلك الغناء عن الشوق والحنين لزيارة الأراضى المقدسة ووصف مناسك الحج ووسيلة المواصلات التى يستقلها الحاج والصعوبات التى تواجهه أثناء الرحلة، ووصف لحال أهله وشوقهم له أثناء غيابه.
وتابع "شحاتة" وسمى ذلك النوع من الغناء بالتحنين لأن الناس يقولون للمسافر لرحلة الحاج "حج مبرور وذنب مغفور، والله يحنن عليك" لأن الرحلة فى الماضى كانت شاقة جدًا ويمر الحاج بصعوبات كثيرة من تقلبات جوية "درجة حرارة مرتفعة أو منخفضة" أو قلة الزاد أو الازدحام الذى يزداد أثناء أداء المناسك، فيحتاج الحاج لمن يأخذ بيده فى تلك المواقف ولأن الجميع منشغلون بنفس الموقف فلا سبيل للمساعدة إلا من الله سبحانه وتعالى، وسميت أيضًا تحنين لما بها من حنين لزيارة الأراضى المقدسة وحنين للمسافر من أهله انتظارًا لعودته، وحنين منه لأهله أيضًا أثناء الرحلة التى كانت تستغرق شهورًا كما ذكرنا من قبل.
رسومات الحائط
الرسم الجدران أيضا يمثل امتدادا طبيعا للحضارة المصرية القديمة التى كانت توثق حياتها بالرسم على جدران المعابد، أصبح اليوم "مهددا بالانقراض" ويختفى رويدًا رويدًا عن أعين المصريين مخلفا وراءه كمًا هائلا من الزخم الشعبى حتى أن النحات العالمى "زوسر مرزوق" أطلق عليه "نوستالجيا المصريين".
وحسبما صرح مسبقا النحات الكبير زوسر مرزوق، أن الرسوم على الجدران شىء فى وجدان المصريين منذ الفراعنة، ولما يمثله الحج من شعائر مقدسة، وأصبحت الرسوم على الجدران مرتبطة بتلك المناسك.
وأكد "مرزوق" أن الرسوم على الجدران فى موسم الحج انتشرت فى مصر، أثناء فترة عمل كسوة الكعبة فى مصر، والتى كانت يقام لها احتفال كبير يسمى "يوم المحمل"، كما أن لقب حج كان ذو قيمة، وكان للرسوم على الجدران بمثابة تعبير أو إعلان عن قيام صاحب "المنزل" بتلك المناسك كنوع من "التباهى"، كما أن له جانبا توثيقيا لمراحل الحج المختلفة، خصوصا أنه فى الماضى كان يعانى الحاج الأمرين لصعوبة السفر وأداء المناسك.
وأوضح "زوسر مرزوق" أنه من قبل أقيم العديد من المعارض الخاصة بالرسوم الجدارية فى موسم الحج، من نوعية المعارض المصورة، مشددًا على أن الرسوم الجدارية كانت ملهمة لفنانين عدة كان يستوحون أعمالهم منهم "يوسف سيدا، على الدسوقى، وعبد الهادى الجزار ، راغب عياد".