الكاتب الصحفي عبد الناصر محمد يكتب.. شركة الحديد والصلب .. أم تبكى على فراق أبنائها
منذ أن أصدر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، مرسوما بتأسيس شركة الحديد والصلب يوم ١٤ يونيو ١٩٥٤ وأصبحت تلك الشركة التى كانت صرحا عملاقا بمثابة الأم التى ترعى أبنائها والذين كانت أعدادهم تقترب من ثلاثون ألف عامل فى كثير من الأوقات بذلوا جهودا مضنية من أجل النهوض بالصناعة الوطنية حيث ظلت هذه الشركة الإستراتيجية عنوانا ورمزا للصناعة المصرية فى أزمان كان يقدر فيها المسئولون قيمتها وحجمها الكبير.
في آخر زيارة لشركة الحديد والصلب المصرية في مقرها بمنطقة التبين بحلوان دمعت عيني وأنا أشاهد إطفاء العمال لأفران الشركة لأول مرة في عمر هذه الأفران، وفي حياة تلك الشركة العملاقة التي لها في قلبي مكانة عظمى، وزاد من دمعي بكاء العمال الذين يقومون بعملية الإطفاء وكأنهم يطفئون أعمارهم مع هذه الأفران، وآمالهم في غد أفضل، ويطفئون مع مستقبل أبنائهم سنوات من الجهد والعمل الشاق، والضحك والابتسام والبشاشة في وقت اللقاء صباحا والوداع السريع وقت الانصراف، والشدة الحرجة والحزن عندما يصاب أحدهم إصابة عمل، والسعادة والفرح عندما تجمعهم مناسبة سعيدة، والسعادة بالمنتجات التي يلتهمها السوق.
كل هذه الحياة تنطفئ أمام أعينهم لأن بعض المسئولين الذي يجلسون في التكيفات والغرف المزينة والكراسي المريحة، لا يدرون من أمر الشركة وتاريخها وحاضرها سوى لغة المال السريع، ولا يريدون أن يبذلوا مجهودا لتقف الشركة على أقدامها راسخة، ويعيدونها محفلا عالميا للحديد، فكان القرار السريع قرار التصفية في الحادي عشر من يناير الماضي عقب 67 عامًا من عملها تحت مظلة قطاع الأعمال العام؛ فأغلقت شركة الحديد والصلب المصرية أفرانها للمرة الأولى والأخيرة، وأوصدت أبوابها في وجه ما يزيد عن 7 آلاف عاملًا ثم بدأت أعمال التصفية.
وعلى الرغم من أن مجلس إدارة الشركة قد أبلغ العاملين بجميع القطاعات بعدم الحضور بداية من أول يونيو 2021، ولحين التوصل لاتفاق بشأن التعويضات، إلا أن العمال لم ينقطعوا عن الذهاب للشركة في مواعيدهم المعتادة، والجلوس أمام شركتهم أو حياتهم التي تموت أمام أعينهم لتوديعها لمثواها الأخير، ولا أحد يدري من الذي يودع الآخر، هل الشركة التي تنظر لعمالها لآخر مرة قبل هدمها وتسترجع ما كان يقوم به أولادها هؤلاء من الحفاظ عليها ومراعاتها والسهر عليها هي التي تودعهم باكية قبل أن ينصرفوا إلى حيث متاهة الحياة الصعبة وشظف العيش والعوز والفقر بعد أن كانت تعطيهم وتجزل لهم العطاء للحياة الهانئة؟ أم هم الذين يودعونها ومعهم أعمارهم التي قضوها فيها سعداء؟
وقد أعلن هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام منذ أشهر أنه تم اختيار مصطفى حسن ليكون المصفي العام للشركة، وبالفعل شكل المصفي العام لجنة للتفاوض مع العاملين على التعويضات عن تصفية الشركة، وكان مجلس الإدارة مع وزير قطاع الأعمال قد أعلنا مع قرار التصفية أن حقوق العاملين محفوظة، وأن التصفية ستكون عادلة، وأن المال المخصص للتعويضات والذي بلغ نحو 2 مليار جنيه قد تم توفيره بالفعل، وأنه من المقرر أن يستمر نحو 400 عامل في عملهم بالشركة الجديدة "الحديد والصلب للمناجم والمحاجر"، فيما يبلغ عدد العمال المقرر تعويضهم نحو 7 آلاف عامل.
وقد وجدت اللجنة المشكلة للتفاوض مع العمال أن هناك مشكلة صعبة في الأمر، فالعمال في شركة الحديد والصلب، ينقسمون لفئتين، هما عمال أكبر من 45 عامًا وفئة لمن هم أقل من ذلك العمر، وهم النسبة الأكبر بين العمال، والمفاوضات تتركز على الفئة الأولى، بينما من يعاني فعليًا هم الفئة الثانية، ممن لا يحق لهم الحصول على بدل معاش، وكذلك لن يحصلوا على قيمة تعويض كبيرة وفقا لما طرحته الوزارة.
فقد وضع قانون التأمينات الاجتماعية الجديد شروطًا أكثر صعوبة للخروج على المعاش المبكر، حتى يضمن أن يكون صاحب المعاش يتوافر لديه المدة التأمينية المطلوبة وأن معاشه سيكون مساويًا للحد الأدنى للمعاش، وضمن الشروط أنه لن يسمح بخروج العامل على المعاش المبكر في حال عدم تتوافر له مدة اشتراك تأميني لا تقل عن 20 عامًا وهذه المدة سترتفع إلى 25 عامًا بعد 5 سنوات من تطبيق القانون الجديد.
واقترحت وزارة قطاع الأعمال العام، تحديد تعويضات بحد أدنى نحو 225 ألف جنيه، وفقا لعدد سنوات العمل في الشركة، على أن تصل إلى حد أقصى نحو 450 ألف جنيه لمن عمل أكبر عدد من السنوات، كما اقترحت أن يحصل العمال ممن هم فوق سن الـ 45 عامًا والذين تمتعوا بنحو 20 عامًا من الاشتراك التأميني، على بدل معاش "بديلا للمعاش المبكر" على أن تواصل الشركة دفع الأقساط التأمينية لهم، حتى يحل موعد بلوغهم سن المعاش القانوني عند 60 عامًا.
وقدرت الوزارة في مقترحها، أن يكون بديل المعاش نحو 900 جنيه للفرد، بخلاف قيمة القسط التأميني الذي تدفعه الشركة، حتى يصل العامل لسن المعاش الرسمي، ربما بعد عامين أو خمسة. ويبدو هذا المقترح مرض لأصحاب الأعمار المرتفعة، لكن المعضلة التي تواجه التسوية، تتركز على نحو 3 آلاف عامل لن يحصلوا على هذه الميزة، كما سيحصلون على قيمة تعويض تتراوح بين 225 إلى 300 ألف جنيه، وفقا للمدة التي عمل بها في الشركة. ويطالب العمال الأصغر سنا الذين سيأخذون التعويضات وذلك من خلال وقفاتهم التي ينظمونها أمام الشركة باعتماد تعويضات تتراوح بين 400 إلى 700 ألف جنيه للعامل، خاصة وأن متوسط الأعمار لا تناسب متطلبات العمل، كما أن المبلغ المطروح للتسوية، لا يكفي لاستثمار، أو يدر عائدا مصرفيا يكفي لمصروفات المعيشة
وتوضح لجنة التصفية أنها غير مسؤولة عن ملف تعويضات العمال في الشركة رغم تفاوضها معهم وأن المسئولية في ذلك تقع على عاتق وزارتي قطاع الأعمال والقوى العاملة والنقابة العامة للعاملين بالصناعات المعدنية.
مقالات قد تهمك
الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد .. يكتب .. ” ُخرم ” وزارة التعليم اضغط هنا
الكاتب الصحفى عبد الناصر محمد .. يكتب .. حكاية حوار مع ” شهبندر ” التجار أضغط هنا
تعظيم سلام .. كتيبة بوابة الدولة الإخبارية اضغط هنا
كاتب المقال الكاتب الصحفي عبد الناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير الاقتصادي والمحلل المالي