رجال الدين .. كشف الأسرار الزوجية من أعظم الخيانات على مواقع التواصل «وأثارها كارثية»
يستخف بعض الأزواج والزوجات بقدسية ما يدور بينهما، ويبوحون بأسرارهم وتفاصيل حياتهم إلى مواقع التواصل الاجتماعى باعتبارها متنفسا لمشكلاتهم وشئونهم الاجتماعية والعائلية، ويرون أنها لا تعدو كونها «دردشة» أو «فضفضة زوجية» غير مفرقين بين ما يجوز نشره وما لا يجوز.
هذه التصرفات يرفضها علماء الدين، محذرين من عواقبها وتبعاتها، باعتبارها (مفسدة اجتماعية).
يقول الدكتور شوقى علام ، مفتى الجمهورية، "إن الشرع الشريف حظر على الزوجين التحدث عن أسرار الحياة الزوجية والكشف عن مستورها أمام الآخرين؛ لأنها ذات طبيعة خاصة مبنية على الامتزاج والميثاق الغليظ ودوام الألفة"، مضيفًا أن الأسرار والأمور الزوجية من شأنها أن تُطوَى ولا تنشر أو تُحكَى أمام الآخرين حتى وإن كانوا أقارب الزوجة أو الزوج أو حتى الأولاد أو الأصدقاء؛ ففى إشاعتها فساد عظيم، ويُعد المنع إجراءً ناجعًا، ووقايةً مُبَكِّرةً من حدوث الشقاق والطلاق.
ولفت المفتى ، النظر إلى أن الشرع الشريف اعتبر وأقرَّ بأنَّ للبيوت حرمة؛ فمنع كُلًّا من الزوجين من إفشاء خصوصيات الحياة الأسرية؛ وذلك لما فيه من إضرار للطرف الآخر، وانتهاك لحرمته وكرامته، وخيانة أمانته؛ وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»"، والأمر ينطبق على المرأة كذلك، ولكن خص الرجل للغلبة، فالحقوق الزوجية متقابلة؛ فالرجل مطالَب بأن يكون أمينًا على بيته وأسراره، وكذلك المرأة مطالبة بأن تكون أمينة على بيتها وما فيه من أسرار.
و تقول الدكتورة رابعة عبدالفتاح حسن ــ مدرس مساعد بجامعة الأزهر: إن الحياة الزوجية قائمة فى الأساس على السرية وما يجرى بين الزوج وزوجته، لا ينبغى لأحد أن يطلع عليه مطلقاً، حتى ولو كان أقرب الناس إليه، مشيرة إلى أن المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تُفشى سر زوجها، وبالتالى لا يجوز لزوجها أن يفشى سرها هى أيضا أبداً، أو أن ينقل الكلام الذى يدور بينه وبينها، سواء كان ذلك من خلال دائرة الأقارب والأصدقاء أو من خلال حديثه على الواقع الافتراضى عبر «السوشيال ميديا». وتشير إلى أن ما يدور بين الزوجين من قول أو فعل، محرم إفشاؤه، لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِى إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا». وتوضح أن إفشاء الأسرار الزوجية بشكل عام يكون عن طريق سرد تفاصيل حياتية، أو وصف الحياة الزوجية ووصف حال الزوجة كأن تفشى المرأة إلى المرأة أسرارها فى حياتها الزوجية وعن صفاتها البدنية فتنقل المرأة الأخرى لزوجها ما قالته عن حياتها وصفاتها فيفتتن بها زوجها كأنه ينظر إليها وهذا محرم، سواء كان عبر مواقع التواصل أو غيرها، لما فى هذا من فساد على الجميع يضرها ، ويضر الزوج، لذلك نهى الإسلام عن ذكر محاسن الزوجة لزوجها محاسن ومفاتن امرأة أخرى، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم- (لا تُباشِرِ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَنْعَتَها لِزَوْجِها كَأنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْها)، والحكمة من المنع فى الحديث: خشية أن يعجب الزوج الوصف المذكور فيفضى ذلك إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة . وتضيف أن الإفشاء احيانا يكون لبيان أخلاق الأزواج المذمومة؛ كالبخل والجهل، أو غير ذلك، أو لبث هموم ومشكلات متكررة بينهما، التماسا للرأى والنصيحة، ومثل هذا لا يجوز على الملأ وعلى مواقع التواصل. لأن شره وخطره أعظم مما يرجى منه من نفع. فربما يستغل البعض هذا الخلاف فى الوقيعة والفتنة بين الزوجين مما يؤدى للعلاقة بينهما إلى الفشل والدمار.
ومن جانبها تحذر الدكتورة أمانى محمود عبد الصمد (الباحثة بمجمع البحوث الاسلامية) من الاستهانة ببث صور وفيديوهات خاصة بالأسرة عبر »السوشيال ميديا« ولو كانت ممارسات يومية عادية، فذلك قد يساء استغلاله بالوقيعة والإفساد أو الحسد من قبل ضعيفى الإيمان ومعدومى الضمائر، باستغلال التطور التكنولوجى الرهيب، مشيرة إلى أن المحافظة على الأسرة يأتى من الحفاظ على قدسية أسرارها وخصوصيتها، وعدم الحديث عن كل ما يعترى حياة الأسرة من سعادة وفرح أو مشاكل وخلافات، وعدم إذاعة وبث هذا على «السوشيال ميديا» أو الأصدقاء والأقارب حيث إن العاقبة حينئذ ستكون غير محمودة.
رباط مقدس
وتوضح أن الحياة الزوجية رباط مقدس وميثاق غليظ يقوم عليه صلاح الأسرة وصلاح المجتمع، لذا سن الإسلام من التشريعات ما يضمن سلامة الحياة الاسرية وحفظ أسرار الحياة الزوجية وتحريم إفشائها, وأثنى الله تبارك وتعالى على النساء الصالحات بقوله فى كتابه العزيز: ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله). ونهى النبى صلى الله عليه وسلم عن إفشاء أسرار الحياة الزوجية وعدها من أعظم الخيانة يوم القيامة، نظرا لما وردت فيها من آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة أجمعت على تحريمها وبيان خطورتها. وتصف د. أمانى ما تحفل به مواقع التواصل الاجتماعى وغرف الدردشة من كشف للأسرار تحت ما يسمى بـ «الفضفضة الزوجية» بأنه «مفسدة زوجية» لا تجوز شرعا، تؤدى إلى تفكك الأسرة، وتعطيل تقدم المجتمع وبناء الأسرة السليمة الذي يعتمد فى الأساس على حفظ الأسرار وصيانة هذا الكيان العظيم من العبث به وانتهاك خصوصياته. لذا عد القرآن الكريم الذين يستهينون بهذا الأمر بالخائنين، فقال تعالي:( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون» فإفشاء الأسرار بصفة عامة، والأسرار الزوجية بصفة خاصة، لا يجوز بأى حال من الأحوال ولو مزاحا، أو «فضفضة»!
من جانبه يوضح الدكتور أحمد كريمة (أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر) أن الأصل فى العلاقات الأسرية بشكل عام والزوجية بشكل خاص أن تكون محاطة بقدر كبير من الخصوصية، والسرية الكاملة على المستوى الاجتماعى والأخلاقى، والعلاقة الخاصة بين الرجل وزوجته أمر يخصهما فقط، ولا يجب على الإطلاق من الناحية الاجتماعية قبل الدينية أن تذاع هذه الأخبار أو أن يتحدث كل من الزوجين إلى أصدقائهما عنها لأنها أمور خاصة دقيقة لا يجوز بأى حال من الأحوال إفشاؤها. ويتابع:: إن ذلك واجب على الرجل والمرأة، سواء فى حال استمرار الحياة الزوجية أو انفصالهما، ففى كل الأحوال يجب حفظ الأسرار وعدم التشهير أوالتجريح، لقوله تعالي: «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» وقول الرسول الكريم: «من سمّع سمّع الله به»، وقوله أيضا: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع». ويضيف أن التماس الرأى والنصيحة له آدابه وقنواته الشرعية من خلال أهل الذكر الحكماء، الذين يصونون الأسرار ويسدون النصيحة وفق منهج الإسلام القويم، وليس عبر مواقع افتراضية يصعب التحكم فيها، ويطلع عليها الملايين فى الثانية الواحدة.
لذلك فإنه فى حال الشقاق بين الزوجين ندب الشرع الحكيم الأهل المقربين دون غيرهم إلى التدخل لرأب الصدع وإنهاء الخلاف، حفظا للأسرار، فقد قال تعالي: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا».